نُكست أعلامهم وطُويت صفحات 74 عاما بهزيمة معنوية ستلقي بظلالها على كافة المؤسسات الصهيونية، العسكرية، الأمنية، والسياسية، ولن يتجرأ قادة الاحتلال على رسم صورة انتصار حقيقية هذا اليوم، على الرغم من مشاركة ما يزيد عن (25) ألف مستوطن ضمن مسيرة الأعلام، لم يتحقق هدف المؤسسة السياسية التي تعهدت بفرض الهدوء في القدس على وجه التحديد، وإن ما حدث اليوم في باحات الأقصى يعبر عن إرادة وصمود الشعب الفلسطيني الذي هبّ وانتفض في وجه المستوطنين، ودافع باستماتة عن أولى القبلتين، بل نسف كل المخططات الصهيونية التي تدعو لتقسيم الاقصى زمانيًا ومكانيًا، وهذا ما نجحت في تثبيته المقاومة بعد معركة سيف القدس التي غيّرت مسار ووجهة الاحتلال المستقبلية، وليست فقط مسار مسيرة الأعلام.
ما حدث اليوم يضعنا أمام قضايا عديدة يمكن البناء عليها في مواجهة الاحتلال، والتعافي من الجرح الذي أصاب القضية الفلسطينية بعد عملية التطبيع العربي، وانتهاك الحقوق الفلسطينية، ومحاولات الإدارة الأمريكية لتهويد القدس، وتفتيت الضفة وتقسيمها إلى مستوطنات، وإجراء تبادل للأراضي غير مشروعة وفق ما يعزز من بقاء دولة الاحتلال، وفرض سيادتها وهيمنتها على المنطقة بأكملها، ومن بين تلك القضايا:
1. نجحت المقاومة في تثوير الرأي العام، وتحشيد كافة القوى الفلسطينية على مستوى الفصائل والقوى الفلسطينية، والمؤسسات والأفراد، وفلسطينيي الخارج والداخل لمواجهة إجراءات الاحتلال، وتغيير المزاج العام له بالحد الأدنى.
2. فرض المقدسيون إرادة شاملة في حماية المسجد الأقصى، وواجهوا قطعان المستوطنين بقوة وحكمة وصبر وثبات منقطع النظير، على الرغم من قيام وحدات الشرطة الاسرائيلية إطلاق النار والغاز، وتنفيذ حملة واسعة لقمع المرابطين في الأقصى.
3. الكشف عن أيديولوجيا اليمين المتطرف الذي يترأسه "نفتالي بينت" وإبراز وجهه القبيح أمام المجتمع الصهيوني، لا سيما أن "بينت" يعتريه الغموض في إدارته للحكومة وفشله في تحقيق الكثير من الأهداف التي يراها الاسرائيليون ذات أهمية استراتيجية، ومنها التخلص من الخطر الإيراني، ومن المقاومة في غزة وحزب الله لبنان، وقد فشل في إحراز تقدم على مستوى المفاوضات مع الفلسطينيين لإجراء صفقة تبادل أسرى تضمن استعادة الجنود الذين أسرتهم المقاومة في معركة العصف المأكول 2014.
4. تثبيت معادلة المقاومة في الصراع مع الاحتلال، وقد ظهر خلال الأيام القليلة الماضية احتدام الصراع سياسيًا أمام التلويح بالمواجهة المسلحة، وقد تبنت المقاومة خيار المواجهة حال المساس بالمسجد الأقصى، وهو ما أجبر الوسطاء الضغط على الاحتلال والتدخل الأمريكي لمنع التصعيد، وفرض قواعد سياسية يتم بموجبها إنهاء الأزمة الحالية.
5. مستقبل الاحتلال بدأ يلوح في الأفق، والتحولات تتسع رقعتها في المشروع الصهيوني، بعد أن فشل الاحتلال في بسط السيطرة فكريًا من خلال استراتيجية كي الوعي، وتعرضه لعمليات فردية غير منظمة، ونجاحها في فرض واقع جديد على الاحتلال، سيكون له تداعيات خطيرة على البنية الحكومية والمجتمعية لهذا الكيان.
6. التنسيق العالي بين قوى محور القدس، كما أظهرته المقاومة خلال برنامج ما خفي أعظم، وهو ما قد يجبر على تحرك دولي لمواجهة سلوك الاحتلال الذي قد يفجر المنطقة بأكملها، لأن التحالفات في منطقة الشرق الأوسط يُنظر لها دوليًا بأنها أخطر أنواع التحالفات، كونها تتحكم في بوصلة المجتمع الدولي الذي يعد جزءًا منه ويمثل صورته القبيحة على أرض فلسطين.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
الكاتب: د. خالد النجار