تتسارع الأحداث والتطورات في المنطقة، ما بين ساحات المقاومة والمواجهة مع الكيان المؤقت. من فلسطين المحتلة بكل جبهاتها، وآخرها ما يحصل في جنين، مروراً بسوريا وتعرضها لاعتداءات جوية إسرائيلية آخرها حصل صبيحة هذا اليوم الأربعاء، وليس انتهاءً بتصاعد التوتر مع المقاومة الإسلامية في لبنان، على خلفية مناورات جيش الاحتلال الكبرى "عربات النار" وملف التنقيب عن النفط والغاز.
كل هذه الأحداث تشي، بأن حصول حادثةٍ ما، قد تتطور الى ما هو أبعد من اشتباك عسكري قصير، أو حتى بعملية عسكرية محدودة، بل ربما تكون هذه الحادثة شرارة فتيل إشعال لحربٍ واسعة، ضد جبهة واحدة أو أكثر، ولا يمنع ذلك من تحولها أيضاً إلى إقليمية.
وعندها تطرح العديد من الأسئلة، أبرزها وأهمها: هل جيش الاحتلال الإسرائيلي جاهز لهكذا خيارات؟
مما لا شك فيه، أن هذا السؤال يشغل قادة الكيان المؤقت سياسيين كانوا أم عسكريين، منذ سنوات عديدة. فالمواجهة مع ساحات محور المقاومة، منذ ما بعد معركة سيف القدس تحديداً، لم يعد بالإمكان حسمها سوى من خلال المواجهة البرية. وما يميز هذه المواجهة بالنسبة للجنود، أنها ساحة فوضوية، تداخل فيها العديد من العوامل، مثل الخطر والجهد والتعب وظروف الأرض والطقس والعشوائية وعدم اليقين، وعندها ستكون أبسط الإجراءات حتى من المصاعب الكبرى. وهذا ما عبر عنه بوضوح، المفكر العسكري الروسي "كارل فون كلاوزفيتز" حينما قال بأن الاحتكاك، هو المفهوم الوحيد القادر على التمييز بين الحرب الفعلية والحرب على الورق.
لذلك، وكما يقول أحد أبرز رؤساء مناورات "عربات النار" التي تجري حالياً، جنرال الإحتياط يعقوب عميدرور، فإنه يجب أن يكون كل رجل عسكري في ساحة المعركة على استعداد للتعرض للقتل وتنفيذ القتل. وبرأي "عميدرور" أيضاً، فإن تنفيذ "المهمة العسكرية" هو أكثر أهمية من "الحياة البشرية"، وهناك العديد من المهمات في ساحة المعركة، والتي سيكلف تنفيذها أرواح الجنود.
لا وجود لروحية قتالية عند جنود الاحتلال!
هذه النقطة بالتحديد، هي من أهم وأبرز العوائق والإخفاقات، التي يواجهها الجيش الإسرائيلي في كل مناوراته وتدريباتها، والتي لم يستطع إيجاد حل ومعالجة لها. فقد وصف مفوض شكاوى الجنود السابق في جيش الإحتلال جنرال الإحتياط إسحاق بريك في مقال كتبه لموقع "ماكو"، بأنه تم التخلي عن القوات البرية، فأصبح جيش الكيان هو سلاح الجو فقط. مبيناً أن من يريد تجنب الخسارة (البشرية) في ساحة المعركة كليًا، سيفقد تمامًا ردع الجيش والقدرة على الانتصار في الحرب، جازماً بأن هذه هي طريقة التفكير والإدارة لدى المستويات الأمنية. كاشفاً بأن هناك اتجاه نحو تدهور حاد في الجيش البري، بسبب شعور الجنود فيه، أن المستوى الأمني لا يثق بهم ولا يشغلهم عند الحاجة، بعكس أذرعة الجو والاستخبارات والسايبر. وهذا ما أفقد القدرة القتالية فيما بين أذرع الجيش، عندما تحوّل الجيش إلى أحادي البعد من خلال اعتماده على سلاح الجو فقط، الذي لا يستطيع وحده الفوز في أي حرب. وهذا ما برز جلياً وبوضوح بالنسبة لـ"بريك"، خلال عملية "حارس الأسوار – معركة سيف القدس"، عندما تخلت القيادة العسكرية عن عملية الخداع بموجب الخطة الأصلية (المعروفة بخطة مترو الأنفاق)، خوفًا من الخسارة البشرية، وبالتالي تسببوا في فشلها التام.
وحذر الجنرال بريك من أن التجاهل التام للجيش، هو أحد الأسباب التي تجعل العديد من القادة الجيدين في سلاح البر، غير مستعدين للاستمرار في الجيش النظامي ورؤيته كمهنة. وهذا برأيه يخلق زخمًا سلبيًا ومشكلة خطيرة يصعب إيقافها، عندما تتعرض الروح القتالية للجنود والضباط الى ضرر شديد. مستنكراً بأنه ليس للتفوق العسكري أي قيمة، في مجتمع لا يُفهم فيه أن الجنود يجب أن يكونوا مستعدين للتضحية. مضيفاً بأن من يركز إمكانياته على تطوير الوسائل التكنولوجية للحرب، وكان الأفضل والأكثر تطوراً، يرتكب خطأ جسيماً؛ بدون الروح القتالية للجندي الذي يمسك بهم.
خاتماً مقالته بالتأكيد على ما ورد سابقاً، في التقرير الأخير الذي قدمه حينما كانا مفوضاً للجنود، والذي قال فيه بأن الجيش الإسرائيلي بشكل عام، وسلاح البر بشكل خاص، ليسوا مستعدين للحرب، قائلاً بأن المشاكل أعلاه، بالإضافة لمشاكل أخرى، جعلت من الجيش فاسداً بأسس متداعية، والتي يستحيل عليها بناء جيش منتصر!!
أعداؤنا الحمقى
لكن بالنظر الى الواقعين السياسي والعسكري المتداعيين في الكيان، فإن احتمال ارتكاب قيادة الكيان المؤقت لحماقة استراتيجية من خلال قيامها بعمل ميداني ما، كبير ووارد جداً، كما عودتنا بذلك طيلة السنوات الماضية. وعندها سيشاهد العالم بأسره، كيفية تحقق تحذيرات قوى المقاومة في فلسطين ولبنان، الذين سيواجهون جيشاً خالياً من الروح القتالية ومجتمعاً استيطانياً قد لا يستطيع الهرب حتى من المطارات والموانئ. وعندها تتأكد مقولة قادة محور المقاومة مجدداً: "الحمد لله الذي جعل أعداءنا من الحمقى".
الكاتب: علي نور الدين