"في هذا العالم، في هذا الزمان تختصر فلسطين الكون...جغرافيا ومعنى، وتختصر القدس فلسطين، وعندما يكون يوما حقيقيا للقدس فانه يختصر الحاضر تاريخيا وجغرافيا ومعنى"، هكذا عبّر المؤسس لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي في إحياء إحدى أيام يوم القدس تلبية لنداء الامام الخميني (قدس سره) الذي أعلنه يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان بعد حوالي 6 أشهر من انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
ولم يكن غريباً أن يطلق الامام هذا اليوم فهو قد جعل الموضوع الفلسطيني على رأس أولوياته رافعاً شعار "اليوم طهران وغداً القدس" ليؤكّد على كل مسلّم أن يستعدّ لقتال إسرائيل التي يجب أن تمحى من الوجود.
وقد ترك الشهيد الشقاقي في خطاباته وكلماته ومقابلاته الصحفية والإعلامية رؤية واضحة حول يوم القدس ودلالاته وضرورة ومعنى إحياءه.
يوم القدس: نهضة المسلمين
يعرّف "ابا إبراهيم" يوم القدس بأنه "يوم لنهضة المسلمين وتكاتفهم من أجل اجتثاث الغدة السرطانية (إسرائيل)، إنه يوم وقوف المستضعفين في وجه المستكبرين، إنه يوم الوحدة والجهاد"، معتبراً ان كُلّاً يلبي نداء يوم القدس من موقعه، "المجاهدون في فلسطين يشددون ضرباتهم ضد العدو الصهيوني بالطلقة والحجر، بالتظاهرات والاضراب، من لبنان يمكن أيضاً أن نكيل الضربات الموجهة الى العدو، يمكن أن نحتفل ونتظاهر متضامنين مع المجاهدين وأن نمدّهم بما يحتاجون من دعم إعلامي وسياسي ومادي وفي كل مكان من الوطن العربي والإسلامي" الى أن يتحوّل هذا اليوم الى "نقمة لإسرائيل وأمريكا وكل العملاء والتابعين للغرب".
فلسطين ليست أرض اللبن والعسل لـ "إسرائيل"
وقد حدّد الشهيد الشقاقي آلية إحياء يوم القدس الذي وجد فيه الطريق كي "نستطيع أن نعطي الانتفاضة الفلسطينية المباركة (الانتفاضة الأولى عام 1987) ما هو مرجو منها من تحرير بيت المقدس". فمن الملحّ أن "نجعل من يوم القدس وكل أيامنا أياماً لاستمرار الجهاد وتصعيده...أن يوجّه المجاهدون ضرباتهم الى هؤلاء المهاجرين والمستوطنين حتى يعرفوا أن ارض فلسطين ليست أرض اللبن والعسل كما تخدعهم وتعدهم عنجهية الحركة الصهيونية".
فيُمسي يوم القدس مناسبة لـ "نقول للعالم الذي زرع الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين قد زرع سبباً جوهرايً لعدم الاستقرار في المنطقة وعليه أن يتحمّل مسؤولية جريمته، سنستمر في جهادنا ضد هذه الجريمة".
وقد قال الشهيد "ابا إبراهيم" لكيان احتلال الذي كان ظنّ أن ما حقّقه خلال عدوان عام 1967وسحبه بعض الدول العربية الى تطبيع العلاقات معه وعلى رأسها مصر التي وقّعت اتفاقية "كامب دايفيد" عام 1975، وتبعها تراجع السلطة الفلسطينية (المحددة فيما بعد) نحو مسار التسويات السياسية والتمهيد لتوقيع "اتفاقية أوسلو"، "أنه لا سلاحكم النووي ولا اتفاقيات الذّل مع المتساقطين يمكن أن تجلب لكم أمناً وسلاماً"، وقد كانت العمليات الاستشهادية في عمق أراضي الدّاخل المحتل خير شاهد على ارتباك الكيان وقلقه المستمر.
تحرير القدس: صراع بين الأمة الإسلامية وتحالف الغرب واليهود
يقف الإعلان عن يوم القدس وإحياءه من الأمة العربية والإسلامية عند عتبة مشروع تحرير القدس الذي يلخّصه الشهيد الشقاقي بـ "أن هذا العصر مهما كان أمريكياً فهو ايضاً عصر الشعوب المقهورة المنتفضة" التي برفضها الكيان الإسرائيلي وأوهام التعايش معه تضع هذا الكيان في "مأزق حضاري وتاريخي وسياسي وأمني".
وشرح الشهيد أن إقامة الكيان الإسرائيلي في قلب الأمة واحتلال بيت المقدس كان أحد الأهداف الاستراتيجية للمشروع الاستعماري ما يستوجب إعلان الجهاد للقضاء عليه، وهذا الجهاد يجب أن يستمر بلا توقف تحت شعار "تكريس وحدة الأمة" لإضعاف "العدو". فمسألة تحرير القدس "هي مسألة صراع تاريخي ليس فقط بين الفلسطينيين واليهود وإنما بين الأمة الإسلامية وطلائعها المقاتلة المجاهدة وبين تحالف الغرب واليهود".
القدس هي المحور
تأتي المناسبة هذه الأيام، تحت شعار "القدس هي المحور" في وقت ينادي المسجد الأقصى، الذي يدنّسه اليهود باقتحاماتهم وبطقوس عيد فصحهم، الأمة جمعاء التي ستخرج يوم الجمعة القادم والقدس محورها لتنصر الأقصى وترفع مجدداً القضية الفلسطينية شعاراً لها، وتُذكّر أن الكيان الإسرائيلي بات مؤقتاً جداّ وأنه بانتهاكه حرمة المقدسات الدينية واعتدائه على الشعب الفلسطيني يعجّل على زواله. فمحور المقاومة الذي قلبه القدس - بقوة وقدرته أقوى مما نتصوّر و"إسرائيل" ومن خلفها الغرب أضعف مما نتصوّر (من وحي ما كان يقوله الشهيد).
لذلك فإن هذه الجماهير التي ستخرج لإحياء هذه المناسبة، قد استنهضها الامام الخميني الذي يرى الشهيد الشقاقي أن إعلانه ليوم القدس ترك رسالة سياسية مفادها أن "فلسطين وبيت المقدس ليست مسألة فلسطينية أو عربية إنما قضية المسلمين جميعاً...ومن هنا لا يحق لأحد أن يفرّط بأرض هي إرث للمسلمين جميعاً وجزء من عقيدتهم".
الكاتب: مروة ناصر