تتابع واشنطن سياسة العقوبات كنوع من الإرهاب الاقتصادي، في محاولة لترميم هيمنتها التي فقدت ثقلها بعد التموضع الدولي الجديد، فبعد تحالف الصين وروسيا وإيران عن طريق عقد اتفاقيات الشراكة الاقتصادية والعسكرية والتجارية والذي فرض نفسه في واجهة التحالفات الدولية وغيّر موازين القوى، تجد الولايات المتحدة نفسها أمام واقع جديد تحاول معالجته بكبح جموح التقدم للاصطفاف الآخر.
مع وصول جون بايدن لرئاسة البيت الأبيض، اتخذت سياسته منحىً آخر، حيث انصرفت توجهاته "جزئياً" عن اعتبار الشرق الأوسط ضمن أولوياته وراح ينظر إلى روسيا والصين وإيران كأخصام حقيقين يشكلون خطراً على مستقبل الهيمنة الأحادية للولايات المتحدة، ولهذا السبب أكمل بايدن العمل بمبدأ العقوبات كطريقة للردع.
بذريعة تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية والهجمات الإلكترونية، و"احتلالها المستمر وانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة في شبه جزيرة القرم" عام 2016، بحسب ما أعلنت إدارة بايدن أمس الخميس، فرضت واشنطن عقوبات جديدة على 14 كياناً روسياً على صلة بإنتاج أسلحة بيولوجية وكيميائية؛ فيما قامت بطرد 10 دبلوماسيين روس من أراضيها..
وعلى الرغم من إعلان هذه العقوبات، صدر بيان عن وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكين قال فيه: "ان الولايات المتحدة ستواصل البحث عن سبل للتعاون مع روسيا وستبحث الولايات المتحدة عن فرص للعمل مع روسيا لبناء علاقات أكثر استقراراً، ويمكن التنبّؤ بها بما يتماشى مع المصالح الأميركية».
من جهتها صرّحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا، إن "رد روسيا على العقوبات الأميركية سيكون حتمياً" موضحة ان "الخطوات العدائية التي تتخذها الولايات المتحدة تزيد خطر حدوث مواجهة بين موسكو وواشنطن، وستتكبد ثمن إلحاق الضرر بالعلاقات الثنائية".
وقد سبق لإدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب أن فرضت عدة عقوبات على موسكو شملت وزارة الدفاع الروسية، وجهاز الاستخبارات، و9 شركات صناعية في قطاع الطيران والأسلحة والفضاء.
عام 2018 وعلى خلفية تسميم العميل المزدوج سيرغي سكريبال في روسيا فرضت واشنطن عقوبات جاءت على فئتين: صادرات السلع الأميركية الحساسة المتعلقة بالأمن القومي من جهة والجهة الأخرى يمكن تفعيلها بشكل انتقائي بعد 90 يوماً إذا لم تقدم موسكو ضمانات يؤخذ بها عن امتناعها استخدام الأسلحة الكيميائية وهي الفئة التي تعد الأكثر خطورة.
وفي ردود الفعل على هذه الخطوة تنجلي صورة الإصطفافات الدولية حيث تضامن الاتحاد الأوروبي مع خطوة واشنطن، وفرض بدوره عقوبات أخرى على روسيا التي هددت بقطع العلاقات بين الطرفين إذا ما فرض الاتحاد عقوبات جديدة عليها.
على المقلب الآخر أعربت الصين عن معارضتها الشديدة لسياسة العقوبات كما جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو لي جيان الذي أمل أن تتمكن موسكو وواشنطن من تجاوز الخلافات بينهما.
رغم نيل الصين نصيبها من العقوبات أيضاً حيث فرضت مؤخراً الولايات المتحدة إضافة لكندا والاتحاد الاوروبي عقوبات على سكرتير لجنة الحزب الشيوعي الصيني لشؤون الإنتاج والبناء في شينجيانغ ومدير مكتب الأمن العام في الإقليم، بذريعة ارتكاب الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية في شينجيانغ.
تنصّب الولايات المتحدة نفسها شرطياً لحماية الحقوق الانسان رغم الانتهاكات المتواصلة على أراضيها كانت آخرها الافراج عن الشرطية التي قتلت مواطناً من العرق الأسود البالغ من العمر 20 عاماً منذ يومين، بعد حادثة مقتل جورج فلويد قبل أشهر.
فيما تبدو هذه العقوبات رمزية، فتطبيقها ضد القوى الكبرى ذات الأوزان الثقيلة مثل روسيا والصين، قد لا يجدي نفعاً جديّاً، خاصة مع ضيق الخيارات السياسية أمام واشنطن في حال شرعت مع حلفائها الأوروبيين في توسيع استخدام سلاح الإرهاب الاقتصادي والعقوبات في المستقبل.
الكاتب: غرفة التحرير