يشهد الكيان الإسرائيلي المؤقت أزمات سياسية معقّدة منذ أكثر من 3 سنوات مع إجراء الانتخابات لأربع مرات قبل التوصّل الى حكومة حملت بدورها هذه العُقد في ائتلافاتها غير المتجانسة. بالتالي فان الفجوات بين وزرائها وأعضاء الكنيست (الذين يشكلون الأحزاب والكتل التي تتمثّل في الحكومة) ستبقى واسعة بما يضعها على حافة التفكّك عند أي حدثٍ أو منعطف.
قدّمت عضو الكنيسيت إيديت سيلمان (من حزب "يمينا" بزعامة رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بنيت) استقالتها، ما شكّل صدمة لدى الأوساط الإسرائيلية بعد فقدان الحكومة الحالية أغلبيتها في الكنيست حيث أن "حكومة التغيير" حظيت بثقة 61 عضواً مقابل 59 رفضوا منحها الثقة، لتبقى الحكومة "شكلية" عاجزة عن تمرير القوانين.
ومن ناحية أخرى تضع هذه التعقيدات المستجدة "إسرائيل" أمام سيناريوهات عديدة تعكس حجم التخبّط الداخلي السياسي.
أبرز السيناريوهات للفترة المقبلة:
1. إقناع سيلمان بالتراجع عن الاستقالة لكنه يبقى خياراً مستبعداً
2. استمرار عمل الحكومة الحالية دون أغلبية ويستمر كذلك الائتلاف، لكن تبقى الحكومة عاجزة ومكبّلة ولا تستطيع تمرير القوانين التي تحتاج الى الأغلبية والضرورية لاستمرارها، ما يعني أن سقوط الحكومة ربما يكون مسألة وقت. وفي حال تمكنت الحكومة الحالية من الاستمرار والحفاظ على تبقى من حزب "يمينا" دون انشقاقات أخرى، ورغم عدم وجود أغلبية مؤيدة لها، فإن احتمال إسقاطها يصبح ضئيل، إذ لا توجد أغلبية مؤيدة لإسقاطها من دون حل الكنيست.
ومن أبرز القوانين المهمة التي ستتوقف مع استقالة سيلمان:
_ إقرار الموازنة لفترة 2023 – 2024
_ قانون التجنيد ومرتبات للجنود الدائمين في الجيش
_ الخطة الاقتصادية لليبرمان (وزير المالية) وبينت: حيث تقدما قبل شهرين بخطة لمحاربة غلاء المعيشة
_ القانون يحدد مدة ولاية رئيس الوزراء بـ 8 سنوات
3. نجاح محاولات رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو بالضغط على أعضاء أحزاب اليمين في الائتلاف وخاصة حزب "يمينا"، إقناع أحد أعضاء حزب "يمينا" بالاستقالة أيضاً، ويزعم أنه سيستقبل المنشقين بأذرع مفتوحة، ويرجّح أن يكون المستقيل القادم إما نير اوربخ او أفير كارا او الاثنين معاً. ما قد يؤدي الى طرح الثقة بالحكومة بأغلبية "المعارضة" (معسكر نتنياهو) وحل الكنيسيت، وفي هذه الحالة يتولى بشكل تلقائي (بموجب الائتلاف) يائير لابيد رئاسة الحكومة الانتقالية حتى يتم تشكيل حكومة جديدة في الكنيست المقبل.
ويعمل نتنياهو منذ تشكيل هذه الحكومة - التي أقسته – على محاربتها، وقد قاد مظاهرات في القدس المحتلة بعد استقالة سيلمان هتف فيها المستوطنون "بينت اذهب الى البيت، هذا بيبي"! لكن لا يمكن الحسم بأن نتنياهو قادر على تشكيل حكومة جديدة برئاسته، اذ إن كتلة اليمين تحظى بـ 59 عضواً من الكنيست.
ومن ناحية ثانية، يمكن لنتنياهو استغلال العديد من الثغرات في ولاية بنيت حيث ان الأخير يتعرّض بنيت لانتقادات من داخل حزبه "يمينا" حيث يعتقد "أورباخ" و "كارا"، ووزيرة داخلية الاحتلال أييليت شاكيد أن بنيت ركّز على القضايا السياسية في العالم ومنها محاولة الوساطة بخصوص ما يجري في أوكرانيا، بدل التركيز على "حروبهم في الكنيست". كما أن تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية تشكّل ضغطاً إضافياً على بنيت فقد تظاهر مئات المستوطنين في شوارع الدّاخل للمطالبة باستقالته على خلفية العمليات الفدائية الثلاث في بئر السبع والخضيرة و"بني براك".
المشهد السياسي الإسرائيلي عالق في الانقسامات
مع استمرار هذه الحكومة أو الدعوة نحو انتخابات هي الخامسة خلال 3 سنوات، فان المشهد السياسي الإسرائيلي لا يزال عالقاً في الدوامة الأولى: انقسام المعسكرات وعدم قدرة أي معسكر على تشكيل ائتلاف يحصل على الأغلبية في الكنيست (61 عضواً) لرئاسة الحكومة وذلك ما تظهره استطلاعات رأي أجرتها وسائل إعلام عبرية.
أسباب الاستقالة
تقول القناة 12 العبرية، أن استقالة سيلمان جاءت بسبب خلافات أيديولوجية عميقة مع وزراء الحكومة من أحزاب اليسار، ومنها المسألة المرتبطة بالسماح بإدخال الطعام المختمر ("حاميتس") المحظور إلى المستشفيات في عيد الفصح اليهودي، لكنّ هذا السبب كان "القشة التي قسمت ظهر البعير" حيث أن سيلمان لديها أيضاً أسباب سياسية أهمها الضغوط جراء عمليات المقاومة، كما كانت تتعرّض لضغوط لمغادرة الائتلاف منذ اللحظات الأولى لتشكيله.
الكاتب: غرفة التحرير