منذ بداية عودة الحديث عن المفاوضات لتوقيع اتفاق نووي جديد بين إيران ودول 4+1، تعالت الأصوات الرافضة من الكيان الإسرائيلي المؤقت الذي هدّد بتوجيه ضربة عسكرية ضد طهران. الا أن الوضع الإسرائيلي، أمام تهديدات محور المقاومة والتخلي الأمريكي عن "الحلفاء"، أحوج ما يكون الى توقيع الاتفاق "وبشكل أدق اسرائيل على الأقل تميل لخيارات لا تنطوي على مواجهة مباشرة مع إيران، حتى عندما يتعلق الأمر بالتهديد النووي" بحسب ما تقول صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية.
وتضيف الصحيفة في مقالها أن "الاتفاق النووي يكاد يكون الحل النهائي لإسرائيل...لتشتري عامل الوقت... أثمن سلعة يمكن أن تحصل عليها إسرائيل لتتجنب ما تخافه من الحرب الكبرى".
المقال المترجم:
في الكثير من الوزارات والمكاتب في تل أبيب لا يذرفون دمعة واحدة على خلفية الاتفاق النووي الجاري تشكيله بين إيران والقوى الغربية، فإذا تم التوقيع عليها أخيراً ستراهم يتنفسون الصعداء ولو سراً.
خارجياً تستخدم القيادة الإسرائيلية كل الكلمات المبتذلة البالية للتعبير عن استيائها من ركض الغرب المزعج واندفاعه نحو الاتفاقية، لكن لا داعي للانبهار بشكل مفرط، لا بتسريبات الخلافات مع الولايات المتحدة ولا بالتصريحات القادمة بشأن استقلالية “إسرائيل” وحقها في حماية المصالح الأمنية لمواطنيها.
في إسرائيل وافقوا على الاتفاق النووي وسلموا به، وإلا لكانوا قد تصرفوا بشكل مختلف، ومن أجل ثني الأمريكيين عن مسارهم كان يجب عليهم التحدث ليس إلى قادة الحزب الديموقراطي، ولكن مباشرة إلى الرأي العام في أمريكا، وهذا لم يحدث، لأن إسرائيل على عكس الانطباع الوهمي تريد اتفاقاً مع إيران، وبشكل أدق هي على الأقل تميل لخيارات لا تنطوي على مواجهة مباشرة مع إيران، حتى عندما يتعلق الأمر بالتهديد النووي.
في المقابلات التي أجراها رئيس الوزراء نفتالي بينت قبل بضعة أشهر للصحافة الإسرائيلية كان من السهل تحديد وفهم تصوره العام، الذي يقوم على أسس الاقتصاد والتكنولوجيا، لا تخدم الحروب إمكانات النمو الاقتصادي للقوة الإقليمية لإسرائيل، لذلك من الأفضل عدم التورط فيها، بل الاستثمار في الأمن والدفاع، سواء من خلال تطوير قبة حديدية تكنولوجية لاعتراض الصواريخ أو غيرها من الأنواع الطائرة التي قد تأتيها من الشرق، أو من خلال قبة الدرع السياسي مع أثرياء أو جبناء الحي من القاهرة إلى دبي.
من نواحٍ عديدة من المنطقي أن تصاب بالجنون، لأنه حتى المجتمع الإسرائيلي المدلل الذي لا يهمه إلا الرفاهية ليس مبنياً للصراعات العسكرية، بالتأكيد ليست كتلك التي تكون مع كيانات أكبر من المنظمات الفلسطينية، 30 يوماً من القتال ضد حماس ليس مثل شهر من القتال ضد إيران والصور من أوكرانيا توضح ذلك تماماً، حتى الجيش الإسرائيلي نفسه لم يعد يتذكر كيف يبدو شكل المعركة، على عكس العملية أو النشاطات الموضعية الدقيقة التي يقوم بها في المعركة التي بين الحروب في سوريا وأماكن أخرى غير معروفة، وهناك يظهر التفوق التكنولوجي مع الحد الأدنى من المخاطر على الجيش والمواطنين في البلاد.
ولهذا السبب فإن الاتفاق النووي يكاد يكون الحل النهائي لإسرائيل أيضاً لأنها تشتري به أهم شيء للجميع، وهو عامل الوقت، فهو الذي سيعطي الجيش إذا جاز التعبير، فرصة للتحضير لحرب لن تأتي، وسيفرض أطواقاً واضحة على المستوى السياسي في إسرائيل عندما يتعلق الأمر بالعمل المباشر ضد إيران، وسيسمح لمواطني الدولة الاستمرار في الزيارات الجماعية لدولة الإمارات العربية المتحدة وشراء المزيد من السيارات الكهربائية باهظة الثمن وذائعة الصيت.
الوقت هو أثمن سلعة يمكن أن تحصل عليها إسرائيل لتتجنب ما تخافه من الحرب الكبرى وهي محقة في ذلك: بالحكم على ما يحدث في أوكرانيا من الصعب معرفة من سينقذها من سيناريوهات التورط التي قد ترافق حرب طويلة الأمد.
لكن حتى مع الأخذ في الاعتبار أن إسرائيل قررت التعايش مع الواقع النووي، أو مع واقع العتبة النووية (مثلما اعتادت الرقص مع الكورونا لأسباب مماثلة تتعلق بأولوياتها الاقتصادية)، فإن هذا لا يعني أن توازنها الاستراتيجي سوف يتحسن.
العكس تماماً فإسرائيل تتجه نحو مستقبل يضع فيه اللاعبون الأيديولوجيون مثل إيران وروسيا نموذجاً منافساً للنموذج الاقتصادي النفعي للدول الغربية التي تتجنب الاستخدام المباشر للقوة، وتصميمها يشتري لها إنجازات استراتيجية على الرغم من التكاليف المترتبة على ذلك.
إن الواقع الاستراتيجي الذي تتجه إسرائيل نحوه سيزيد ليس فقط التهديدات الرئيسية من قبل إيران، ولكن أيضاً التهديدات الثانوية من حلفائها في المنطقة بالقرب من الحدود.
من وجهة النظر هذه فإن فكرة الحرب التي يسعى الاتفاق النووي إلى إخمادها لا تزال موجودة في السياسة العالمية، والحرب في أوكرانيا هي تذكير حي لهذا ويجب على إسرائيل حتى في إطار استراتيجيتها الحالية استيعاب أو فهم ذلك وبسرعة.
المصدر: يديعوت أحرونوت
الكاتب: د. دورون ماتسا