لم تكن فلسطين هي أرض الميعاد الموعودة لليهود، فقد كانت "المنظمة الصهيونية" مستعدة لقبول أي أرض لتقيم عليها "دولة إسرائيل" المزعومة، وقد سبق ذلك اقتراحات لإنشاء دولة يهودية في الأرجنتين سنة 1897م وفي قبرص سنة 1901م وفي سيناء سنة 1902م. وقد عرضت أراضي أخرى منها مشروع توطين في "يوغندا" – أوغندا، ومشروع اقامة دولة يهودية في الخليج الفارسي، سنعرض للمشروعين الاخيرين.
مشروع توطين اليهود في "يوغندا" (أوغندا)
في عام 1903م عرضت الحكومة البريطانية على "المنظمة الصهيونية" قيام مستعمرة ذات حكم ذاتي لليهود في أفريقيا. واضطرت الحكومة البريطانية في غمرة الاحتجاجات إلى تشريع ما عُرف ب"لائحة الاجانب التي استهدفت منع المهاجرين اليهود من دخول الجزر البريطانية". وكان تيودور هرتزل قد أشار إلى أن دخول اليهود إلى بريطانيا سيؤدي إلى تدهور أحوالهم وتفاقم مشكلتهم، وأن الصحيح ارسال المهاجر اليهودي إلى مكان آخر.
لقد كانت فكرة جوزف شمبرلين وزير المستعمرات البريطاني أن يعطي اليهود رقعة من الأرض من الامبراطورية البريطانية الواسعة. وكان التفكير قد اتجه أول الأمر إلى قبرص وسيناء. ولكن الحكومة البريطانية لم توافق على ذلك. وفي اجتماع آخر بين الوزير شمبرلين وتيودور هرتزل اقترح الوزير أرض "يوغندا" (أوغندا)، لكن جواب هرتزل كان " أن اليهود سيأخذون أولاً العريش ثم يوغندا".
كان هرتزل يفكر في دولة يهودية في أي مكان صالح في العالم بغض النظر عن فلسطين. وعندما التقى مع منظمة "أحباء صهيون" قيّد نفسه بالعمل لفلسطين فقط مقابل تأييد الحركة له. وانشق اتباع مدرسته من مؤيدي "يوغندا" وأسسوا منظمتهم الخاصة التي أطلق عليها إسم "الاقليميين" للتحري والتفتيش عن اقليم مناسب خارج فلسطين. هذا الانقسام تبلور في المؤتمر الصهيوني السادس الذي تبنى مشروع "يوغندا" بأغلبية ضئيلة. وبعد اختتام المؤتمر توجه حاييم وايزمان إلى انجلترا لاستكشاف الموقف البريطاني من المشروع.
وبعد وفاة تيودور هرتزل في 3 تموز/أغسطس 1904م، ومن ثم انعقد المؤتمر الصهيوني السابع في 30 تموز/يوليو 1905م، تقرر نقض القرار السابق وقصر الجهود على فلسطين فقط.
مشروع اقامة دولة يهودية في الخليج الفارسي
أظهرت الوثائق نفاق الادعاء الإسرائيلي بالحق التاريخي للشعب اليهودي باقامة دولة على ارض فلسطين، وكيف ان عدداً من الشخصيات اليهودية كان يسعى الى إنشاء هذه الدولة في اماكن لا تخطر على البال ابداً مثل منطقة الاحساء في السعودية. فقد نشرت المكتبة البريطانية على موقعها على الانترنت رسالة تعود الى 12 أيلول/سبتمبر 1917م أرسلها طبيب يهودي اسمه "م. ل. روتشتيان" الى سفير بريطانيا في باريس اللورد فرنسيس برتي طلب فيها المساعدة العسكرية من بريطانيا على احتلال منطقة الاحساء في قلب الخليج، والواقعة شرقي السعودية،ذلك من اجل اقامة دولة يهودية هناك.
أما الترتيب الزمني لهذه العملية فيكون كما يلي بحسب صاحب المشروع روتشتيان:
1- وضع مشروع معاهدة بين الحلفاء وانجلترا من جهة وبينه بصفته المتحدث باسم الدولة اليهودية المقبلة.
2- يصبح المشروع معاهدة لما يحدد وضعه رسمياً من مجمع الحاخامات على رأس الفرق اليهودية.
3- بعد عمليات الانتقال الى البحرين يتم غزو منطقة الإحساء.
4- اعتراف دول الحلفاء بالدولة الجديدة واجراء تنظيم سريع لها.
5- اعلان حالة الحرب بين الدولة اليهودية وبين تركيا (التي جرى غزو أراضيها) وقيام الفرق اليهودية بما تقتضيه المعارك حتى النصر النهائي لدول الحلفاء.
وقد تعهد روتشتيان في الرسالة مشاركة قوة يهودية قوامها 120 الف مقاتل مستعدة للمجيء الى البحرين. وقد رأى ان قيام هذه الدولة يعود على الحلفاء بالفوائد التالية:
1- يشكل الاعلان الفوري للدولة اليهودية واعتراف الحلفاء بها عاملاً قوياً لحماس اليهود واندفاعهم نحو الحلفاء والعمل على إسنادهم.
2- يؤمن تدفق الأموال والمحاربين لدول الحلفاء.
3- إن قيام الدولة سيشل الشعور الديني لدى يهود ألمانيا وتركيا، عندئذ سيكون واجبهم عدم محاربة دولتهم الجديدة.
4- سيكون للحماس اليهودي تأثير في روسيا أكثر حظاً على اخوانهم المسيحيين.
وعلى ما يبدو فقد جرى نقل الاقتراح الى وزير الخارجية البريطاني بلفور الذي رفضه. وقد أرسل سكرتير بلفور الى السفير البريطاني في فرنسا في 13 تشرين الأول/أكتوبر 1917م من السنة عينها رسالة طلب منه الاعتذار من روتشتاين، يعلمه فيها رفض الحكومة لهذا الطلب.
وما تجدر الاشارة اليه انه بعد مرور شهر واحد على رسالة روتشتاين المشار اليها أصدر بلفور وعده المشؤوم بشأن إنشاء دولة للشعب اليهودي في فلسطين، وذلك في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1917م.
الكاتب: غرفة التحرير