ينفق اللوبي الصهيوني في الغرب (أوروبا والولايات المتحدة) ملايين الدولارات على تشويه واصطياد كل شاردة وواردة لها علاقة بدراسات الشرق الأوسط في تلك الجامعات، ويريد من مراكز البحث والدراسات الأكاديمية المختصة في المنطقة أن تتبنى وجهة النظر الصهيونية الإسرائيلية الليكودية، وإلا فإن مصيرها التكميم أو الإغلاق. ليس في توصيف الأمر بهذا الشكل أي مبالغة بل هو حقيقة على أرض الواقع يكتوي بها ألوف الأساتذة والأكاديميين المتخصصين الذين يؤمنون بحرية الفكر والتعبير في العديد من مسارح المعرفة في العالم. وكان لافتا أنه خلال السنوات الأخيرة طور اللوبي الصهيوني آليات مراقبة أشبه بشبكات الاستخبارات أسماها «مراقبة الجامعات» (Campus Watch) هدفها رصد ونقل كل ما يُقال ويُكتب عن الكيان الصهيوني، والقضية الصهيونية التاريخية مما يُمكن اعتباره نقداً له ولسياساته.
خلفية فصل الأكاديمي ديفيد ميلر من جامعة بريستول
بدأت قصة البروفيسور الأسكتلندي وجامعة بريستول لأول مرة في عام 2019، عندما قام ديفيد ميلر، أستاذ علم الاجتماع السياسي أثناء وجوده في الجامعة، بتدريس دورتين جامعيتين: "أضرار الأقوياء" و"فهم الإرهاب" من عام 2019. وفي 18 فبراير 2019، ألقى محاضرة عن كراهية الإسلام افترض فيها أن كراهية الإسلام في المملكة المتحدة كانت مدفوعة بشكل كبير جزء من خمس "ركائز"، قيل إن إحداها هي الحركة الصهيونية. لم يتم فحص أي من مواد محاضراته في عام 2019 أو بعد ذلك من قبل الجامعة، لأن هذه لم تكن الممارسة العامة في تعليم العلوم الاجتماعية بالجامعة. في 19 مارس 2019، تلقت الجامعة شكوى بشأن محتوى محاضرة الإسلاموفوبيا من صندوق أمن المجتمع ("CST").
منذ ذلك الحين، أدت تعليقات ميلر في محاضراته على الإنترنت التي وصفت الكيان الصهيوني بأنه "عدو السلام العالمي" ووصفت الجمعية اليهودية بأنها "جماعة ضغط إسرائيلية" قامت "بتصنيع الهستيريا" حول تعاليمه، إلى تأجيج التوترات.
حرية التعبير المقموعة
وقع الأكاديميون في العديد من أنحاء العالم على رسائل متنافسة، فوصف أحدهم آراء ميلر حول الصهيونية بأنها نظرية مؤامرة "مستهجنة أخلاقياً"، وأنّها تعرّض العلاقات المجتمعية في الحرم الجامعي للخطر، بينما حذر آخر من أن التحقيق معه يثير "ثقافة الرقابة الذاتية والخوف"، وحث الجامعة على الدفاع عن حرية التعبير. وقد تعرض ميلر لحملة منظمة من قبل مجموعات وأفراد معارضين لآرائه المناهضة للصهيونية، والتي كانت تهدف إلى ضمان إقالته. وقد صرّح حينها بأنّ الجامعة أخضعته إلى "إجراءات سوء سلوك تمييزية وغير عادلة، بلغت ذروتها في نهاية المطاف بفصله بإجراءات موجزة".
قدم ميلر استئنافًا ضد قرار الجامعة، والذي تم رفضه في فبراير 2022. وبعد يومين، رفع قرار الجامعة إلى محكمة التوظيف على أساس التمييز في المعتقد المباشر، والتمييز غير المباشر بسبب اعتقاد مخالف، والتحرش المتعلق بمعتقد مخالف، والفصل التعسفي. وادعى ميلر أن الجامعة أساءت معاملته بشكل غير عادل وتمييزي أثناء الإجراءات، مما أدى في النهاية إلى فصله. وادّعى أيضًا أنه منذ مارس 2019 على الأقل، كان هدفاً لحملة منسّقة من قبل أشخاص ومنظمات تعارض معتقداته، بهدف نهائي وهو طرده. وقال إن الجامعة فشلت في دعمه خلال تلك الحملة.
وفي الوقت نفسه، ادعى الطلاب اليهود في جامعة بريستول أن الجامعة فشلت في دعمهم ، قائلين إن مواقف ميلر جعلتهم يشعرون بعدم الأمان. وقالت محكمة العمل في حكمها المكون من 108 صفحات إن ميلر طُرد بشكل غير مشروع وتعرض للتحيز بسبب معتقداته الفلسفية التي تنتهك المادة 10 من قانون المساواة في المملكة المتحدة لعام 2010.
أحداث مشابهة بعد 7 أكتوبر
الملاحظ هو تكررّ حالات فصل مشابهة واستقالات في الجامعات الأمريكية في الأشهر الأخيرة: فمنذ انطلاق معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول، انتشرت التوترات حول الصراع في الشرق الأوسط عبر مؤسسات النخبة الأمريكية مثل جامعة هارفارد وييل وجامعة بنسلفانيا، حيث قام المانحون بسحب التمويل بسبب ردود فعل المؤسسات على "هجوم حماس" و"معاداة السامية المزعومة "في الحرم الجامعي. واستقالت رئيسة ولاية بنسلفانيا إليزابيث ماجيل ورئيسة جامعة هارفارد كلودين جاي من منصبيهما في ديسمبر ويناير، بسبب هذه القضية.
في بيان على موقع X، قال ميلر إن الحكم لم يكن انتصاراً له فحسب، بل لجميع الناشطين المؤيدين لفلسطين في جميع أنحاء بريطانيا. وقال: "أنا فخور بأن أقول إنه في هذه القضية أثبتنا أن المعتقدات المعادية للصهيونية، من النوع الذي أوضحته، يجب حمايتها".
في الملف المرفق أدناه تفاصيل إضافية تتعلّق بقضية البروفيسور ديفيد ميلر وقرار محكمة العمل البريطانية، والاستنتاجات حول سقوط حرمة اللوبي الصهيونية في بريطانيا.
ورقة قانونية: للتحميل من هنا