حقوق اللاجئين في أوروبا: عنصرية وازدواجية معايير

بعد أيام من بدء العملية العسكرية الروسية غادر 500 ألف أوكراني البلاد إلى دول أخرى مجاورة، حسب تصريح المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في 28 شباط/فبراير الماضي، والذين لاقوا ترحيباً واسعاً من مختلف الدول الأوروبية، حيث صرحت مفوضة الشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي إيلفا جوهانسون إن "معظم الأوكرانيين الوافدين لديهم جوازات سفر بيومترية ويمكنهم البقاء بدون تأشيرة لمدة 90 يوماً في الاتحاد الأوروبي". مشددة على "ضرورة الاستعداد بعد ذلك لوصول ملايين الوافدين".

من جهته، أكد الرئيس البلغاري رومين راديف أنه "لا توجد دولة أوروبية واحدة الآن تخشى الموجة الحالية من اللاجئين". وهذا ما كان مغايراً للمعاملة التي تلقوها اللاجئين من الشرق الأوسط في أوروبا.

لكن اللافت انه قبل أشهر، وخلال شهر آب/ أغسطس من العام الماضي، أي عند سقوط العاصمة الأفغانية كابول بيد حركة طالبان، كان الاتحاد الأوروبي نفسه، يناقش قضية "تدفق المهاجرين الأفغان بشكل غير مضبوط". حيث كانت تدرس بعناية كيفية مساعدة الدول المجاورة لأفغانستان حتى تبقي اللاجئين الأفغانيين على أراضيها وبالتالي منع تدفق اللاجئين إليها. حيث عبرت دول الاتحاد عن "قلقها من خطر الإرهاب". متعهدة بـ "بذل جهدها لضمان ألا يؤدي الوضع في أفغانستان إلى مخاطر أمنية جديدة على مواطني الاتحاد الأوروبي". مشددة على وجوب "تنفيذ عمليات البحث الأمني في الوقت المناسب حول من تم إجلاؤهم من أفغانستان".

من جهته، قال أحد أعضاء الحكومة النمساوية، كارل نيهامر، بصرامة ان "الرسالة التي يجب بعثها هي: ابقوا في مكانكم وسندعم المنطقة". وهو الموقف الذي أيده كل من نظيره الدنماركي والتشيكي. فيما أكدت فرنسا على ضرورة "التوفيق بين استقبال اللاجئين وصرامة الضوابط".

خلال شهر أيار/ مايو عام 2016، ونتيجة رفض الدول الأوروبية لاستقبال اللاجئين السوريين الذين فروا من الحرب، اقترحت المفوضية الأوروبية "إصلاح قواعد اللجوء في الاتحاد الأوروبي وتشمل فرض عقوبات مالية على الدول التي ترفض استقبال حصتها من طالبي اللجوء في الاتحاد" إضافة لتعبير العديد من المسؤولين الأوروبيين عن آمالهم في "خفض حدة التوترات داخل الكتلة الأوروبية بشأن الهجرة".

مما لا شك فيه، ان اللاجئين الأوكرانيين الهاربين من العمليات العسكرية وبطش المجموعات النازية المحمية من الدولة والتي دخلت إحداها ضمن تشكيلات الجيش الأوكراني الأساسية، يجب أن يؤمن لهم كامل الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية والتي تصنف "اللاجئ أنه كل شخص فرَّ من بلده جراء خطر التعرَّض لانتهاكات خطيرة لحقوقه الإنسانية وللاضطهاد... لأن حكومة بلده غير قادرة أو غير راغبة في توفير الحماية له. وللاجئ الحق في التمتع بالحماية الدولية"، حسب منظمة العفو الدولية.

فيما تنص اتفاقية اللاجئين ومعاهدات حقوق الإنسان على ان "مختلف الحقوق التي يتمتع بها طالبو اللجوء واللاجئون لأنهم يلتمسون صفة اللجوء أو لأنهم حصلوا على الحماية كونهم لاجئين، والتي تتحمل الدولة المضيفة مسؤولية ضمانها، تتناول إمكانية البقاء في البلد المضيف وعدم إعادتهم إلى بلدهم الأصلي (عدم الإعادة القسرية على سبيل المثال) والتعليم والرعاية الصحية والسكن والعمل والأسرة، من جملة أمور أخرى".

كل هذه الاتفاقيات الدولية التي تضمن تأمين حياة كريمة للاجئين، قدمت على أكمل وجه للاجئين الأوكرانيين، لكن سواهم، القادمين من أفغانستان والعراق وسوريا وافريقيا، استثنوا بطريقة عنصرية مقيتة، وجردوا من حقوقهم حتى الأطفال والنساء. وتجدر الإشارة هنا، إلى ان مئات اللاجئين السوريين ماتوا غرقاً نتيجة عدم مساعدة خفر السواحل لهم مثل اليونان، فيما تم قطع الامدادات الغذائية عن عدد من العائلات السورية بذريعة انهم قد غادروا المخيمات بينما أثبتت المنظمات الراعية لهم عكس ذلك.  

من جهته طلب وزير الداخلية الفرنسي من "اللاجئين ولا سيما السوريين التبرع بخيامهم من أجل الأوكرانيين، قائلاً: "نرحب بكم مثل الملوك، ألا تخجلوا من وجود موقدين عندكم في حين أن المهاجرين الأوكرانيين ليس لديهم موقد واحد؟!".

ويرافق هذا التمييز العنصري والممارسات اللاإنسانية حملات دعائية وتصريحات مسيئة، واللافت فيها انها تصدر عن مسؤولين وصحفيين، حيث ان مراسل شبكة (سي بي إس) نيوز الأمريكية "تشارلي داجاتا، قال على الهواء مباشرة ان "هذه ليست أفغانستان، هذا ليس العراق أو سوريا التي تعيش في حالة من الفوضى منذ عقود هذه مدينة أوروبية متحضرة".

في حين قالت "لوسي واتسون" مراسلة (أي تي في) نيوز في بث من محطة قطار:"حدث شيء لا يمكن تصوره للأوكرانيين هذه ليست دولة نامية من العالم الثالث، إنها أوروبا... هؤلاء ليسوا سوريين، إنهم أوروبيون يركبون سيارات مثلنا". بينما استنكرت مراسلة أخرى: "يقتل الأوروبيون ذوو العيون الزرقاء والشعر الأشقر".