يبدو أن ألمانيا تتجه يوماً بعد يوم، الى التصعيد في مواقفها الخارجية، من خلال المواقف الأخيرة لمستشارها "أولاف شولتس"، الذي هاجم روسيا والرئيس فلاديمير بوتين بشدة، بسبب العملية العسكرية في أوكرانيا، خلال الجلسة الأخيرة للبرلمان الألماني "بوندستاغ". فالمستشار "شولتس" كان من الحريصين على توجيه عقوبات محددة ضد روسيا، مع السعي إلى الحد من أضرارها الجانبية، مثل تعليق العمل بالمشروع الاستراتيجي لنقل الغاز "نورد ستريم – 2"، وفرض قيود محددة ضمن نظام سويف العالمي "SWIFT" للتحويلات المالية.
إلا أنه في آخر تصريحاته، صرّح بأنه يرى أن "الهجوم الروسي على أوكرانيا" يعدّ أساساً لنقطة فاصلة في السياسة الخارجية لبلاده، مؤكدا أن تطلع إدارته سيبقى متمثلاً، في تحقيق أكبر قدر ممكن من الدبلوماسية دون سذاجة. مؤكداً أن بلاده ما زالت منفتحة على عقد محادثات مع روسيا، لكنه حذر الأخيرة من أنها يجب أن تكون مستعدة لحوار حقيقي. معتبراً أن العالم بات على عتبة حقبة جديدة بعد ما سماه بالـ "الغزو الروسي"، طارحاً السؤال بإن كان لدى حلفاء بلاده الغربيين ما يكفي من القوة، لوضع حد لدعاة الحرب مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وكشف "شولتس" في كلمته عن اتخاذه قرارات وصفت بالتاريخية، الأول يتعلق ببناء سريع لمحطتين للغاز المسال في ألمانيا، من أجل استيراد الغاز (ربما من الولايات المتحدة الامريكية أو من قطر) وذلك كرد فعل على "الحرب الروسية في أوكرانيا" وعلى الاعتماد على الغاز الطبيعي الروسي.
مع الإشارة الى أن نقل الغاز في الانابيب هو أقل كلفة بكثير، عن ذلك المنقول بواسطة السفن. بالإضافة الى أن المانيا تحصل على 50% من احتياجاتها للغاز من روسيا، ومشروع نورد ستريم 2 كان سيوفر حوالي 25% من تكاليف استيراد الغاز، وبالتالي ستحرم المانيا من أرباح هذا المشروع.
أما القرار التاريخي الآخر، فهو الإعلان عن أن ألمانيا ستستثمر مئة مليار يورو في المعدات العسكرية هذا العام، وسترفع القيمة المخصصة للدفاع من إجمالي ناتجها المحلي، الى أكثر من 2 بالمئة، بعدما كانت لا تتجاوز 1.2%.
وكانت المانيا قد أعلنت أيضاً عزمها على إرسال 1000 مدفع مضاد للدبابات و500 صاروخ ستينغر إلى أوكرانيا، بالإضافة لسماحها بتوريد 400 بندقية ألمانية الصنع مضادة للدبابات من هولندا، والموافقة على نقل مدافع من نوع "9 D-30" وذخيرة من إستونيا.
هذه الخطوات الألمانية إن كان بتزويد أوكرانيا بالسلاح، أو بزيادة الانفاق الدفاعي العسكري، تعد خروجا عن المألوف في سياسة ألمانيا، بل وتصعيداً في كسر القيود التي وضعت منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية وما بعد العام 1955. حينما سمح لها بتشكيل جيش لا يشارك بأي أعمال قتالية خارج ألمانيا (وهذا ما جرى مؤخراً في العديد من الدول لا سيما في العراق وسوريا)، وطلب منها ألا تساهم في تزويد أطراف متصارعة بالسلاح في العالم (أوكرانيا حالياً).
كما يؤكد ذلك بأن المانيا لم تعد تثق بأمريكا كحامية لها ولأوروبا، وهو ما يدفعها الى رفع قدراتها وميزانيتها العسكريتين، مع ما يعنيه ذلك من زيادة لحجم الجيش ولدورها الخارجي، لكي تصبح قوة عسكرية كبرى أيضاً وليس قوة اقتصادية كبرى فحسب.
الكاتب: غرفة التحرير