كانت عوائل الجنود الإسرائيليين القتلى والقيادات العسكرية والأمنية والسياسية في 17 نيسان 1997، تنتظر بفارغ الصبر تقرير لجنة التحقيق في حادثة اصطدام المروحيتين التي أسفرت عن مقتل 73 جندياً من بينهم 18 ضابطاً. لكن ما حصل كان مخيباً للآمال. حيث خلصت اللجنة في تقريرها النهائي إلى النتيجة التالية "رغم الجهود التي بذلتها، لم تنجح اللجنة في التوصل إلى نتائج واضحة حول أسباب الحادثة. الثواني الأخيرة التي سبقت الاصطدام ستبقى لغزاً. للأسف، ضحايا الكارثة أخذوا معهم حقيقة ما حصل إلى عالمهم، علماً بأن ثمة أرجحية عالية لكونهم فوجئوا ولم يدركوا ما حصل".
الحادثة الأسوأ في تاريخ جيش الاحتلال
قبل ثوانٍ قليلة من محاولة اجتياز الحدود الفلسطينية- اللبنانية، اصطدمت طائرتان مروحيتان إحداهما بالأخرى فوق منطقة سهلة الحولة، حيث سقطت الأولى في سهل مفتوح قرب مستوطنة "دفنا" بينما سقطت الأخرى في مستوطنة شآر يشوف.
وفي التفاصيل، فقد أقلعت مروحيتان اسرائيليتان تحملان الرقم 903 و357 من طراز CH-53 من قاعدة تل نوف الجوية عند الساعة السابعة الا 12 دقيقة من ليل 4 شباط/ فبراير عام 1997، حيث توجهت إلى مطار روش بينا لنقل الجنود والذخائر إلى جنوب لبنان.
كانت تقضي الخطة بتوجه المروحية 903 لنقل 36 جندياً بينهم عدد من الضباط، إلى ما كان يسمى موقع "Pumpkin" في النبطية – جنوب لبنان-، فيما أوكلت بمهمة نقل 37 ضابطاً وجندياً إلى قلعة الشقيف إلى المروحية 357. بعد دقائق على الإقلاع طلب قائد مروحية 903 اذن عبور الحدود لكنه لم يلقَ جواباً واستمر بالتحليق، إلى ان اختفت المروحية عن شاشة الرادار بعدها بـ 3 دقائق.
خلال التحقيق، تبين ان شفرات المروحية 357 أصابت ذيل المروحية 903، وما زاد قوة الكارثة وجود الذخائر على متن كلا المروحيتين.
كيف أسست "كارثة المروحيات" لمرحلة جديدة؟
تعامل كيان الاحتلال مع هذه الحادثة على أنها "كارثة قومية" وعلى إثرها أعلن "يوم حداد وطني"، فقد خسر الجيش دفعة واحدة ما يوازي متوسط خسائره خلال 4 سنوات كاملة من المواجهات العسكرية في منطقة الحزام الأمني. لكن ردود الفعل الشعبية على هذه الحادثة كانت أكبر من ان تحاط أو يتم اخمادها حيث كانت بمثابة الفتيل الذي أسس للانسحاب من جنوب لبنان.
بدأ الأمر مع بروز حركة تسمى "حركة الأمهات الأربع"، وهن أمهات يخدم أبناؤهن في لبنان، كانت مطالبهن تتركز على خروج أبنائهن من هناك والعودة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. تحولت هذه الحركة شيئاً فشيئاً لتشكل ضغطاً كبيراً تسببت في جعل امر الانسحاب ضمن المشاريع الانتخابية للمرشحين في الكيان خاصة بعد تراكم إنجازات المقاومة في لبنان وتحديداً بعد مقتل 12 جندياً إسرائيليا من الوحدات الخاصة من بينهم قائد قوات الاحتلال في لبنان العميد إيريز غرشتاين خلال عملية على طريق مرجعيون-حاصبيا في 28 شباط 1999، أي قبل 4 أشهر من الانتخابات الإسرائيلية. والذي تعهد فيها رئيس حزب العمل وقتها والمرشح لمنصب رئاسة الوزراء إيهود باراك ان يقوم بأمر الانسحاب خلال عام من انتخابه وهو أول ما قام به في أيار 2000.
الكاتب: غرفة التحرير