تحدثنا سابقاً عن القواعد الأميركية المتواجدة في اليمن وخاصة في منطقة حضرموت، حيث تلعب دوراً مباشراً في إطالة أمد الحرب على هذا البلد، وفي قصف وحصار المدنيين، وتجنيد أعوان ومرتزقة يًستخدمون لقتال الجيش واللجان الشعبية. والمطلوب في نهاية الأمر الدفع نحو تقسيم اليمن بحسب الخطة البريطانية التي وضعت في بداية القرن العشرين.
قامت السعودية والإمارات بدعم هذه الميليشيات بالسلاح والعتاد: قوات هادي المخلوع، وذراعها العسكري من عناصر تنظيم القاعدة، والمجلس الانتقالي وذراعه العسكري الذي يعرف بألوية العمالقة. وأما الأولى، فقد بات معروفاً مشغلها وممولها. وأما الثانية، فهي مجموعة من القوات الخاصة التي قام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بتأسيسها ومن ثم إبعادها عن العاصمة صنعاء خوفاً من محاولات انقلابها عليه واستيلائها على العاصمة. وهذه القوات باتت اليوم تحت إمرة الإماراتيين وتحت قيادة المجلس الإنتقالي، وهي القوات التي اشتبكت مع الجيش واللجان الشعبية في مأرب وشبوة خلال العشرة أيام الماضية، وتحديداً في جبل الهجر في مديرية عسيلان.
أشرنا في مقال سابق الى النقاط المتعددة التي تتواجد فيها هذه القواعد الأميركية، ولكن كيفية عملها وأسباب تمركزها يكتسب أهمية خاصة في قراءة المشهد اليمني في المرحلة القادمة، وخاصة بعد قصف الأهداف في الإمارات، والعمليات التي حدثت في شبوة ومأرب والتي أبلى فيها الجيش والقوات الشعبية بلاء رائعاً. ومن المهم عند الحديث عن اليمن، الإنتباه إلى مجموعة من النقاط:
أولاً، تتعلق بحجم التنسيق ما بين الأميركيين والإسرائيليين والإماراتيين في التأسيس لقواعد تقسيم اليمن وخاصة بعد توقيع الأخيرة لإتفاقية التطبيع، والهرولة السعودية من اجل اللحاق بهذا الركب من أجل تعويض بعض من خسائرها خلال الست سنوات الماضية، والتي لم تأت بأي من أكلها. والواضح، أن السعوديين يخشون في هذه المرحلة إسقاط حصتهم في الجوف والمهرة وحضرموت.
ثانياً، علينا أن نأخذ بعين الإعتبار حجم القواعد الأميركية والإماراتية والسعودية المتواجدة في حضرموت والمهرة، وأنها قواعد مشتركة مع الإسرائيلي. وهذه القواعد مهمتها تحقيق الهدف الأساسي من العدوان، ألا وهو تقسيمه إلى ثلاث دول ضعيفة وتابعة، وإلى نوع من المحميات أو المستعمرات التي تشبه المستعمرات البريطانية والفرنسية في المحيط الهادي. وهذا ما كشفه محافظ حضرموت لقمان باراس في حديثه عن الأطماع الأميركية-البريطانية في حضرموت وبشكل علني.
منذ العام 2018 بدأت التحضيرات لتثبيت هذا الإحتلال عبر التوافد المكثف للجنود الأميركيين، وتسليم حكومة هادي قبل فرارها، الملفين الأمني والعسكري للأميركيين. مع زيارة السفير الأميركي كريستوفر هنزل للمكلا في محافظة حضرموت، في منتصف 2019، يؤكد باراس أن "مكافحة الإرهاب هي مجرد خدعة، وأن الزيارات الأميركية التي كان يفترض أن تحمل مشاريع تنموية لم تكن إلا خدعة، تماماً مثل الخدعة الإماراتية التي حملتها شركة موانئ دبي، بأن استثمارها في ميناء عدن سيحمل مشاريع تنوية لليمن".
جاء إعلان المحافظ بعد زيارة قام بها السفير الأميركي جيرالد فايرستاين في 25 تشرين الأول/ اكتوبر 2021 إلى حضرموت، بعد الزيارة بدأت عمليات الإغتيال في المحافظة طالت مدنيين وعسكريين. وبحسب وكالة سبأ نت، بدأت طائرات الـ C- 130 نقل معدات وجنود بكثافة في مطار الريان في حضرموت. ومن الواضح أنه تم احتلال المطار من قبل الأميركيين والإماراتيين، كما منع دخول أي مسؤول من حكومة هادي إلى المطار مهما علا شأنه.
ولكن التحضيرات والإهتمام بحضرموت بدأ منذ العام 2010، أي أن ما حدث في اليمن من فوضى وتحركات تم التحضير له حتى قبل "الربيع" اليمني. اذ أُنشأت آنذاك في حضرموت غرفة لمحاربة القراصنة، ولكن تم الإطاحة بها من قبل تنظيم القاعدة في العام 2013، التي تشكل بمعظمها قوات هادي.
منذ أيام قام اليمنيون بضرب مطاري دبي وأبو ظبي، رسائل مباشرة إلى أن الدور الإماراتي في اليمن بات من الواجب معالجته، ومنذ يومين وجّه أنصار الله رسائل تهديد باستهداف "الإسرائيليين". إنها رسائل مباشرة ليس فقط لـ"إسرائيل" ولكن للولايات المتحدة أيضاً. فكلا الدولتين بالتنسيق مع الإمارات غارقتان حتى أذنيهما في مستنقع حرب اليمن. وما حدث من مجازر في السلول، إنما يدل على عمق غرق من ينفذها، وأنه لم يبق لديه خيارات سوى الإنتقام الجماعي. خاصة أنه عند أي استهداف من الجيش واللجان الشعبية للمواقع في الداخل السعودي أو الإماراتي، يقوم التحالف بضرب المنشآت اليمنية والمناطق السكنية والمدارس والمستشفيات.
بعد إعلان أنصار الله أنهم جزء من المعادلة الإقليمية، ومع اثبات قدراتهم القتالية لا سيما بالاستخدام الدقيق والفعّال للصواريخ والطائرات المسيّرة بقصف العمق السعودي والاماراتي، بدى الإسرائيليون قلقين من فتح جبهة جديدة عليهم، فالجيش اليمني واللجان حسب التجربة إذا قالوا فعلوا! وعليهم ان يدركوا ان الشعب اليمني الذي بنى حضارات سبأ ومعين وحمير قبل أن يعرف باقي العرب والعالم بناء السدود والقصور، قد بدأ عملية التحرير الشاملة لإخراج الاحتلال من سقطرى، ميون، بريم، والمهرة مرورًا بحضرموت ووصولاً الى باب المندب.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU