ما يزال الحديث عن منظومات الدفاع الجوي، يأخذ حيزاً كبيراً، من اهتمام الخبراء والمتابعين المتخصصين في الشأن العسكري. خاصةً وأن الاشتباكات العسكرية الحالية، في العديد من أنحاء العالم، باتت تقتصر إما على الهجمات الجوية عبر الطائرات الحربية، أو عبر الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة.
ومن أبرز المنظومات التي تنال حيز الاهتمام الأوسع، هي المنظومة السوفيتية S-200، التي أثبتت كفاءتها في العديد من البلدان، لا سيما في دول محور المقاومة. حيث تتواجد بنسبة مهمة في سوريا، وفي الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
من هذا المنطلق، تشرح هذه المقالة لمجلة Military Watch Magazine كيف استطاعت إيران، تطوير هذه المنظومة التي ما زالت رغم قدم عهدها، فعالةً بشكل كبير ضد الأهداف الجوية المختلفة. ولم تكتف إيران بتطوير هذه المنظومة، بل يذكر الكاتب أن إيران تسعى أيضاً الى نقل هذه التجربة الى سوريا من جهة، وتقوم بتصنيع منظومات أحدث محلياً من جهة أخرى.
وهذا النص المترجم:
منذ دخوله الى الخدمة في قوات الدفاع الجوي السوفياتي في العام 1966، كان نظام صواريخ أرض-جو S-200 لديه أطول، مدى من أي منصة في الحرب الباردة، خاصةً بعد انتاج المتغير S-200D المتطور، الذي تم إنتاجه في الثمانينيات، والمصمم للاشتباك مع أهداف على بعد 300 كيلومتر.
ظلّ هذا النظام لا مثيل له عالميًا، للأنظمة القادرة على استهداف الطائرات، حتى أدخل الجيش الروسي صاروخ 40N6، بمدى 400 كيلومتر في الخدمة، لبطارياته من نوع S-300V4 و S-400، والتي ورد أنها حدثت في أواخر عام 2018.
شكل الـ S-200، العمود الفقري للدفاعات جوية بعيدة المدى، لدى السوفييت في الثمانينيات. مع انتشار أعداد بلغت ذروتها 130 موقعًا ضخمًا و2030 قاذفة. وتم تصديره لأول مرة في العام 1982 إلى سوريا، التي سرعان ما شهد استخدامها له، عملية إسقاط ثلاث طائرات مقاتلة تابعة للبحرية الأمريكية فوق لبنان.
وتميز تطوير النظام في الثمانينيات، بأداء مثير للإعجاب بما في ذلك سقف ارتفاع الطيران، بحيث يصل إلى 40 كم، وقدرات متفوقة للصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، واحتمالات أعلى بكثير لضرب الأهداف. كانوا قادرين على الاشتباك مع الصواريخ من سرعة 6 ماخ.
ومع ذلك، فقد تقاعد النظام من الخدمة فجأة في التسعينيات، بسبب الانكماش الحاد لقوات الدفاعات الجوية لروسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي، والتركيز الأكبر على الأنظمة القادرة على التنقل، والذي كان أبرز نقاط ضعف S-200 كنظام موقع ثابت ثقيل.
كان دخول نظام S-300PM-1 إلى الخدمة، منذ العام 1992، عاملاً مساعدًا رئيسيًا لذلك، حيث كان النظام مضغوطًا ومتحركًا إلى حد كبير، وعلى الرغم من وجود مستشعرات أضعف ونطاقات أقصر من S-200D، إلا أنه لا يزال يتمتع بمدى اشتباك محترم يصل إلى 200 كيلومتر، وقدرات استشعار وتحسس عالية.
إيران والـ S-200
وعلى الرغم من أنه لم يعد في الخدمة الروسية، إلا أن S-200 لا يزال يعمل على نطاق واسع في الخارج، ولا سيما من قبل بولندا وكوريا الشمالية وسوريا وإيران. كانت إيران أهم مشغل لها وكانت آخر عميل مستورد للنظام، حيث اشترت 10 وحدات في التسعينيات، والتي كانت على مدار عقدين من الزمن نظام الدفاع الجوي الأرضي الوحيد نسبيًا.
كانت الدولة قد أُجبرت سابقًا على الاعتماد بشكل كبير، على مقاتلاتها الثقيلة من طراز F-14 Tomcat المسلحة بصواريخ AIM-54 طويلة المدى، للدفاع الجوي خلال الحرب العراقية الإيرانية، والتي استطاعت تحييد العدد الأكبر من الطائرات العراقية، أكثر من جميع المنظومات الإيرانية الأخرى مجتمعة بما في ذلك الأرضية، من أنظمة دفاع جوي وطائرات مقاتلة.
مع بقاء أسطول إيران من طراز F-14 صغيرًا نسبيًا، في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بسبب نقص قطع الغيار. قدم الـ S-200 مساهمة معتبرة للغاية، في قدرات الدفاع الجوي طويلة المدى في البلاد والتي لا تذكر.
زاد الاعتماد على S-200 فقط، حيث توقفت روسيا عن توقيع عقود تصدير جديدة لمدة خمس سنوات، ابتداءً من العام 1995، بسبب اتفاقية "غور تشيرنوميردين" المبرمة مع الولايات المتحدة، والتي أعقبها تصويت روسيا لدعم حظر الأسلحة، الذي تفرضه الأمم المتحدة في العام 2007.
وتراجعت موسكو لاحقًا أيضاً، عن عقدها لتزويد إيران بأنظمة S-300PMU-1 في العام 2009 تحت الضغط الغربي، على الرغم من عدم تأثر هذا النظام، بالحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة.
استثمرت إيران منذ ذلك الحين في تحديث وحدات S-200 محليًا، بناءً على خبرتها الكبيرة في تحديث بطاريات هوك الأمريكية MIM-23 (صواريخ شاهين)، وهندستها العكسية وإنتاج أنظمة HQ-2 الصينية بموجب ترخيص.
أما النظام السوفيتي فقد كان أكثر تعقيدًا إلى حد كبير، مما جعل مهمة تحديثه أكثر صعوبة، لا سيما بالنظر إلى مدى طموح الخطط الإيرانية.
تم إلقاء نظرة ثاقبة على البرنامج، من قبل قائد قاعدة خاتم الأنبياء للدفاع الجوي "العميد فرزاد اسماعيلي"، الذي أعلن بأن قطاع الدفاع الإيراني قد طور بشكل غير مسبوق، قاذفة متنقلة للنظام، بالإضافة إلى تحسين أجهزة الاستشعار الخاصة به، لتقليل الكشف عن إطلاق النار- وقت التتبع، وقال: "لقد منحنا إمكانية التنقل لنظام الصواريخ S-200، تنفيذ نفس الخطة لمنح هذه الخاصية، لجميع الأنظمة المدفعية والصاروخية، ووضعها هي على جدول أعمال قوات الدفاع الجوي" ، متبعًا خطى روسيا في ذلك، ولكن تحقيق ذلك من خلال تحديث نظام أساسي قديم، بدلاً من الحصول على منصات جديدة.
كما قامت إيران سابقًا بدمج صواريخ محلية جديدة في نظام S-200، ولا سيما من نوع "صياد 2" و "صياد 3" الذي دخل الإنتاج في عام 2011. الذي يبدو نسخة محسنة هندسية عكسية من صاروخ S-200's V-880.
وعلى الرغم من وجوده، لم تكن هناك مؤشرات على ما إذا كان هناك أي تحسينات على التنقل. تشير هذه الاستثمارات إلى أن إيران تعتزم الاستمرار في تشغيل S-200 لبعض الوقت، وقد تصبح المشغل الأخير للنظام في وقت لاحق من هذا العقد، حيث من المتوقع أن تستبدله كلاً من بولندا وكوريا الشمالية.
واستكمالا لهذه الجهود، تحركت إيران أيضًا لتحسين دفاعاتها الجوية، من خلال أنظمة "خرداد 15"و"Bavar-373" المحلية طويلة المدى، التي يقدر أن لها نطاقات اشتباك 200 كيلومتر. وقد يُنظر إلى تحديث S-200، على أنه بديل أقل تكلفة لشراء أحدث الأنظمة من كوريا الشمالية أو الصين أو روسيا، ومن المحتمل أن يتم تسويق حزمة الترقية في الخارج، لمشغلي S-200 الآخرين على وجه الخصوص في سوريا.
المصدر: military watch magazine
الكاتب: غرفة التحرير