لم يمثل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في جلسة الاستجواب أمام مدعي عام جبل لبنان، القاضية غادة عون، متهماً الأخيرة بأنها "الخصم والحكم" وأنها أيضاً "غرّدت مراراً وتكراراً، وبشكل عدائي على حسابها الشخصي على تويتر متناولة شخصي بعبارة سلبية، مطلقةً الأحكام التويتريّة ضدي ومستبقةً الأحكام القضائية"، وزعم أن ما يسجّل من دعاوى ضده ليس الا بسبب "خلفيات سياسية".
وكانت القاضية عون قد أصدرت مذكرة منع سفر بحرا وبرا وجوا بحق سلامة، وذلك بناءً للشكوى المقدمة من الدائرة القانونية لمجموعة "الشعب يريد إصلاح النظام" ممثلة بالمحاميين هيثم عزو وبيار الجميل، التي اتخذت صفة الادعاء الشخصي ضد حاكم مصرف لبنان بجرائم جديدة ثابتة، "تتعلّق باختلاس وتبديد المال العام على منافع شخصية، والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال".
وفي بيان قال سلامة رداً على الدعوى "تقدّمت في 12 كانون الثاني 2022 بطلب الردّ الى حضرتها وقد سجل لدى محكمة الاستئناف في جبل لبنان تحت رقم 1/2022، كما انني وجهت الى القاضية عون كتاباً في 13 كانون الثاني 2022 مع صورة طبق الاصل عن طلب الردّ، حيث طلبت، وبناء على المادة 125 من قانون المحاكمات المدنية، انه يتوجّب عليها ان تتوقف عن متابعة النظر في القضية الى ان يفصل القضاء المختص في هذا الطلب".
البيان قابله أيضاً رد من القاضية عون التي أشارت الى ان "سلامة لا يعرف مضمون الوقائع التي كنت سأسأله عنها في الدعوى الراهنة، فكيف استنتج إذا إني أعطيت رأياً مسبقاً".
التدخل الحكومي!
اللافت في المشهد اللبناني لم يكن فقط بيانات الأخذ والرد بين عون وسلامة، إنما التدخّل السريع والتصعيدي الذي رافق الدعوى، فوصل الحد عند رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى التلويح جدياً بالاستقالة في حال تمت ملاحقة سلامة قضائياً، وهو ما يُعدّ اول تحدٍ حكومي فاضح للقضاء! مما يثير علامات الاستفهام حول "الدفاع" عن حاكم المصرف ولصالح من؟ فيما غاب دور الحكومة وميقاتي عن الوقوف بطريق الاسلوب الاستنسابي للقاضي طارق البيطار الذي اتّبعه في ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت والذي ألقى بتداعياته على الشارع اللبناني ووضع البلد في مهبّة التهديدات الأمنية، ولا يزال يعطّل الحكومة الى اليوم.
التدخل الأمريكي!
أمّا أمريكاً، فسارعت السفيرة الأمريكية دوروثي شيا الى التدّخل – كما جرت عادتها – في الشؤون القاضية للبلد، حيث تشير الأوساط اللبنانية الى ان شيا قد "حذرت من أن المسّ بسلامة سيعمّق الأزمة ويأخذ البلد أكثر نحو الانهيار"، بالاضافة الى تلميحات صحفية لبنانية بـأن اللقاء الذي جمعها مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي كان لأجل الحديث عن هذه الدعوى القضائية، لكن السفارة سارعت الى نفي الموضوع.
في المقابل فان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ملاحق بالعديد من القضايا في المحاكم الخارجية في دول أوروبية منها سويسرا وفرنسا و لوكسمبورغ وأيضاً في ليشتينشتاين. وفي ظل بلد يعاني من أكبر الأزمات المالية والاقتصادية في تاريخه، مع ارتفاع سعر صرف الدولار الى حد تجاوز الـ30 ألف ليرة، كما في وقت ترمي الأطراف اللبنانية في مختلف القطاعات المسؤولية على سلامة وتعاميمه أو عدم اتخاذه الاجراءات اللازمة للحد من تفاقم الأزمات، فلماذا يُحشد هذا الدعم السياسي لمنعه من المثول للاستجواب؟
وكان محامو المجموعة نفسها قد تقدموا أيضاً بشكوى مباشرة أمام القاضية المنفردة الجزائية في بيروت لارا عبد الصمد، في 5 حزيران 2020، ضد حاكم مصرف لبنان بتهمة ارتكاب جرائم، منها النيل من مكانة الدولة المالية، حضّ الجمهور على سحب الأموال المودعة في المصارف، بيع سندات الدولة، والإخلال بالموجبات الوظيفية والإهمال.
الكاتب: غرفة التحرير