يواصل الفلسطينيون التصدّي باللحم الحي والتظاهرات الحاشدة التي جابت مختلف مناطق صحراء النقّب، للمشاريع الممنهجة للاحتلال الرامية الى تهجيرهم وتهويد وجرف أراضيهم. وتحاول الوحدات في جيش الاحتلال قمع التظاهرات الفلسطينية بالاعتداء والاعتقال وصولاً الى استخدام سيارات المياه العادمة والاستعانة بالمروحيات لرمي قنابل الغاز المسيل للدموع، كما أقدمت على اطلاق الرصاص المطاطي والحي لتفريق المتظاهرين.
لكنّ ما يشهده النقّب أكبر من محاولة قمعه حيث يشير رئيس قسم العمليات السابق في جيش الإحتلال يسرائيل زيف الى ان "المواجهات المندلعة والأحداث التي وقعت في النقب تعيدنا إلى أحداث مشابهة خلال الإنتفاضة الأولى، ويمكن القول بأن هناك انتفاضة شعبية حقيقية في النقب".
التهديد الحقيقي!
وادعى رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بنيت في الفترة القصيرة الماضية ان حكومته قد انتقلت الى مرحلة "الهجوم على عرب النقب". فمنذ أواخر العام الماضي، في كانون الأوّل2021 يشهد النقب اعتداءات متكررة من قوات الاحتلال التي تقتحم القرى الفلسطينية ومنازلها بزعم "التشجير" وبناء الأحراش الاستيطانية، وذلك برعاية "الصندوق القومي اليهودي، كاكال". وقد تسارعت عمليات التشجير في العام 2020 حتى طالت محيط منازل الفلسطينيين وأراضيهم المزروعة بالقمح، وذلك يندرج في سياق سياسة التهجير.
ويواجه الفلسطينيون سنوياً نحو 2000 حالة هدم لمنازلهم، فيما يُهّدد النّقب اليوم بالعديد من مشاريع الاحتلال، ومن أبرزها:
_ التوسع الاستيطاني لاستيعاب 300 ألف مستوطن
_ شقّ الشوارع ومد السكك الحديدية لوصل المستوطنات
_ إنشاء الغابات الاستيطانية على حساب الأراضي الفلسطينية
_ تحويل المنطقة الى مركز تكنولوجي صناعي
_ نقل القواعد والمصانع العسكرية لجيش الاحتلال اليها
وتعتبر الأوساط الفلسطينية ان "ما يحدث اليوم ليس سوى استكمال وخطوة للأمام في تطبيق الفكرة الصهيونية الاستبدادية الاستعمارية التي يتم تنفيذها منذ النكبة عام 1948".
ما عاشه النقّب منذ 1948
تشكّل محافظة بئر السبع ومركزها مدينة بئر السبع المعروفة اليوم بالنّقب، حوالي نصف مساحة فلسطين المحتلّة، 13 مليون دونم من الأرض. وخلال الاجتياح الاسرائيلي عام 1948، تهجّر حوالي 90 ألف فلسطيني منها (موزعين على 95 قبيلة) وأصبحوا لاجئين في قطاع غزّة والضفة او الخارج نحو الأردن وشبه جزيرة سيناء. بعد ما يسمى "بالنكبة" بقي في النقّب عام 1952 من 11 الى 13 ألف فلسطيني (فقط 19 قبيلة!).
وقد ارتكزت سياسة الاحتلال منذ حينها على نهب وسلب الفلسطينيين لأراضيهم وفرض عليهم العيش ضمن أصغر المساحات، حيث أجبرهم الاحتلال على النزوح ضمن منطقة مغلقة تقع بين بئر السبع غرباً وتل عراد شرقاً، ومستوطنة "ديمونا" جنوباً، وعُرفت تلك المنطقة باسم "السياج" التي لا تشكّل الا 8% من مجمل مساحة قضاء بئر السبع، بما يعني ان الاحتلال حصر الفلسطينيين في 1040000 دونم فقط! ويعيش داخل "السياج" اليوم أكثر من 300 ألف فلسطيني، يتوزعون على 40 قرية. ولا يعترف بها الاحتلال حيث انه يرفض المصادقة على مخططات لتنظيم البناء في تلك المنطقة، كما يحرمها العديد من الخدمات العامة الأساسية لا سيما المدارس والتيار الكهربائي والماء وشبكات الطرقات والبنى التحتية الصحية و الاستشفاء والرعاية الصحية، بالاضافة الى ان تلك القرى لا توجد في الخرائط "الرسمية" لكيان الاحتلال.
في بداية السبعينات من القرن الماضي، سلّم الفلسطينيون 3220 مطالبة بالملكية لأراضيهم البالغة 991000 دونم، لكن الاحتلال "ربح" القضية في محاكمه بحجة ان الفلسطينيين لا يملكون وثائق ملكية، وتم نسب تلك الأراضي لكيان الاحتلال. ولا يزال الكيان الاسرائيلي يرفض الاعتراف بالصكوك التي يملكها الفلسطينيون في النقب منذ أيام الاحتلال العثماني والاستعمار البريطاني وتعود تواريخها الى الأعوام 1858 – 1921.
وفي العام 1976 أسس أرائيل شارون (رئيس حكومة الاحتلال آنذاك) ما يسمى وحدة "الدوريات الخضراء" التي صادرت المواشي وهدمت خيام البدو الفلسطينيين وفرضت عليهم غرامات مالية بزعم "الرعي في مناطق عسكرية مغلقة".
وفي العام 2005، أقرّت حكومة الاحتلال ما ادعت انه "الخطة القومية الاستراتيجية لتطوير النقب" والتي تهدف الى زيادة عدد المستوطنين الى نحو الألف وان لا تُبقي أكثر من 200 ألف نسمة من الفلسطينيين في النّقب.
فيما خصّصت حكومة الاحتلال عام 2011 قرابة الـ25 مليون دولار لتنفيذ مخطط يقضي باقامة 100 مزرعة استيطانية جديدة الى جانب إقامة المستوطنين لـ41 مزرعة بشكل "غير قانوني" على أراض فلسطينية مسلوبة.
وعام 2013 حاولت سلطات الاحتلال تطبيق ما يسمى "مخطط برافر" لتهجير المزيد من سكان صحراء النقب ، وتجميعهم في ما يسمى "بلديات التركيز"، حيث كان المخطط يقضي باستيلاء كيان الاحتلال على أكثر من 800 ألف دونم من أراضي النقب وتهجير 40 ألفا وتدمير 38 قرية مما تبقى للفلسطينيين. لكن الكيان خضع للضغوط الشعبية وألغى المخطط.
وكانت سلطات الاحتلال قد هدمت 10769 منزلاً فلسطينيا بين الأعوام 2009 و2019.
الكاتب: غرفة التحرير