يمعن كيان الاحتلال الاسرائيلي في اختلاق الأساليب التي تكشف مزيدا من اجرامه وتفاقم معاناة الشعب الفلسطيني، فلا يكفي ارتكاب المجازر منذ عام 1948 وشنّ الحروب على قطاع غزّة التي يستهدف خلالها المدينين والأطفال، الى اعتقال الشباب الفلسطيني والزجّ بهم في السجون بأحكام عالية، الا ان كيان الاحتلال اختار ايضاً ان يسلب الشعب الفلسطيني جثامين شهدائه.
يحتجز كيان الاحتلال للعام الماضي 13 جثمانًا، ليرتفع عددهم خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى 73 جثمانًا، إضافة إلى 254 جثمانًا محتجزاً منذ العام 1968 ليقارب العدد الإجمالي لجثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال 327 جثمانًا. هذا ما يُعرف من ارقام!
ويضع الاحتلال هذه الجثامين في ما يسميه "مقابر الأرقام".
ما مفهوم "مقابر الأرقام"؟
منذ احتلال الكيان الإسرائيلي لفلسطين عمد إلى تجهيز مساحات من الأراضي الواسعة لكي يحتجز فها جثامين من يقتلهم جنوده، ومن يفارق الحياة داخل السجون إما بسبب التعذيب والمرض الذي ينجم عنه، أو بشكل طبيعي بعد أن يمضي معظم حياته في السجون، وتبلور مشروع الاحتلال هذا أكثر عام 1967.
ويتم الحجز في مقابر سرية، حيث لا يعرف عددها الفعلي اليوم، والحديث يتراوح بين 4 الى 6 مقابر، وأطلق عليها هذا الاسم لان الاحتلال يعمد الى دفن الجثامين تحت الأرض ويثبّت فوقه لوحة معدنية تحمل رقماً معيناً، ولا يتكرر الرقم من جثمان الى آخر، حيث ان كل رقم يدل على شهيد محدد، دون ذكر اسمه او تاريخ استشهاده، ويرتبط الرقم بملف عن حياة الشهيد لدى سلطات الاحتلال. وتقع"مقابر الأرقام" جميعها في مناطق عسكرية مغلقة يمنع الاقتراب منها.
وقد ادعى جيش الاحتلال في تصريح عام 2003 أنّ هناك مقبرتين فقط هما "مقبرة عميعاد" قرب صفد، ومقبرة جسر آدم في غور الأردن. ولا ينفي هذا التصريح وجود مقابر أخرى غير معلن عنها. ففي عام 2013، عندما تمّ الإفراج عن بعض الجثامين، تبيّن أن هناك 5 مقابر على الأقل، واحدة منها في منطقة بئر السّبع، لم يكن وجودها معلناً.
وكما ان من بين "مقابر الأرقام" مقبرة "جسر بنات يعقوب" الواقعة بالقرب من جسر بنات يعقوب التاريخي القريب من الحدود السّورية الفلسطينية. وقد استخدمها الاحتلال لاحتجاز جثامين المقاومين المتسللين من سوريا ولبنان، وبعض شهداء أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان. وبحسب تقرير صادر عن جيش الاحتلال عام 2000، فقد بلغ عدد الجثامين التي احتجزت فيها 243 جثماناً. وقد أغلقت نهائياً في عام 2001 بعد نقل الجثامين المتبقية فيها إلى مقبرة "عميعاد".
ظروف الدفن اللاإنسانية!
أما عن ظروف دفن الجثامين فهي تعد ايضاً تنكيلاً متعمداً بالشهداء بعد موتهم حيث يتم دفن الشهداء في قبور لا يزيد عمق الواحد منها عن 50 سم بعد وضع الجثامين بأكياس من "بلاستيك"، وتكون متلاصقة، وتنكشف هذه القبور مع الوقت، بفعل العوامل الطبيعية من مياه الأمطار والرياح وانجرافات التربة، ما يؤدي الى فقدان الجثامين وضياع هويتها أو إلى اختلاط عظام الشهداء بعضهم البعض.
وفي تقارير سابقة لصحفيين أجانب زاروا تلك تلك المقابر ، وصفوها "بأنها مدافن رملية قليلة العمق، ما يعرضها للانجراف بفعل العوامل الجوية عدا عن نبش الحيوانات لها، فتتعرى الجثامين، وتصبح وليمة سهلة للحيوانات آكلة اللحوم كالكلاب والنمس والغربان وغيرها لتنهشها كيفما تشاء".
الاحتلال يسرق أعضاء الجثاميين!
ويذهب الاحتلال في إجرامه الى استغلال الجثاميين وسرقة أعضائهم واستخدامها في معالجة مرضاه حيث كشف تقرير القناة 12 العبرية "أن خبراء الطب الشرعي في معهد "أبو كبير" يستأصلون الجلد، والقرنيات، وصمامات القلب والعظام من جثث تعود لفلسطينيين".
الاحتلال يتجاوز القوانين الدولية !
لا يعد تجاوز الاتفاقيات والقوانين وحقوق الانسان غريباً على كيان الاحتلال، لكن فيما يتعلّق بمسألة احتجاز الجثاميين فانها جريمة من الجرائم المسجلة في السجل الإسرائيلي حسب القانون الدولي، وهو يصنّف اعتداء واضح وسافر على "اتفاقيات جنيف" حيث ان "جثامين الشهداء والمفقودين لهم حماية خاصة تكفلها تلك الاتفاقيات وتكفل الحق ايضا للميت وليس فقط للإنسان الحي". وبحسب القانون الدولي الإنساني العرفي فان كيان الاحتلال ينتهك القاعدة 114 التي تنص على أنه "تسعى أطراف النزاع إلى تسهيل إعادة رفات الموتى بناء على طلب الطرف الذي ينتمون إليه أو بناء على طلب أقرب الناس إلى المتوفى. كما تعاد أمتعتهم الشخصية".
الاحتلال يستغل الجثاميين في الضغط السياسي!
وعلى الرغم من أن محكمة الاحتلال ادّعت إصدار "قانون" عام 2017، بـ "اعتبار حجز جثامين الشهداء غير قانوني"، الا أنها لم تصدر قراراً بإطلاق الجثامين، بل ارادت استخدامهم كورقة للتفاوض حول الجنود الإسرائيليين الأسرى في غزة لدى حركة حماس، رغم أن سياسة احتجاز جثامين الشهداء سابقة لنشأة الحركة. واليوم في ظل المفاوضات بوساطة الجانب المصري أعلنت "حماس" رفضها إدراج موضوع جثامين الشهداء، ضمن أي مفاوضات أو صفقة تبادل قادمة مع الاحتلال.
وقد جرت منذ عام 1996 وحتى عام 2008 أربع صفقات لتبادل الأسرى والجثامين بين الاحتلال وحزب الله لبنان، إلا أن الجثمان لم يسلم.. وفي عامي 2013 و2014، جرى تسليم جثامين بعض الشهداء الفلسطينيين، قبيل استئناف المفاوضات بين السّلطة الفلسطينية والكيان الاسرائيلي. وبعض الجثاميين خلال صفقات التبادل لا يسلمها الاحتلال بذريعة أنه لم يعثر عليها، وأنها قد تكون انجرفت بفعل انهيار التربة إلى خارج حدود المقبرة.
الكاتب: غرفة التحرير