لم تكد تمر أيام قليلة على بداية العام 2022، حتى عادت عمليات استهداف القوات الامريكية في العراق، والتي تصاعدت يوماً بعد يوم، وتنوعت ما بين ضرب قصف بالصواريخ أو بالطائرات بدون طيار.
ففي وقت مبكر من فجر اليوم الأربعاء، تم استهداف قاعدة النصر- فيكتوري القريبة الواقعة في مطار بغداد الدولي، بـ 4 صواريخ من عيار 240 ملم، تم اطلاقها من حي الجهاد المجاور للمطار. ولم تذكر أي جهة رسمية تفاصيلاً عن حصيلة الهجوم، مع العلم بأن هذه القاعدة تضم عسكريين أميركيين. وفور وقوع الهجوم، دوت صافرات الإنذار فيها، ثم أتبعها تحليق للمروحيات في المنطقة.
وقبل هذا الهجوم بساعات، أعلن مسؤول فيما يسمى بالتحالف العسكري الدولي لقتال داعش والذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية، أن الدفاعات الجوية العراقية (منظومة C-RAM) قد أسقطت طائرتين مسيرتين مفخختين، عندما اقتربتا من قاعدة عين الأسد الجوية، التي تضم قوات أميركية أيضاً والتي تقع في محافظة الأنبار.
أما يوم الاثنين، والذي صادف الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد قائد قوة القدس الفريق قاسم سليماني ورئيس أركان الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس ورفاقهما، فقد أعلنت بعض الوسائل الإعلامية، أن أنظمة الدفاع أحبطت هجوما بطائرتين مسيّرتين على قاعدة "فكتوري"، وذلك بالتزامن مع إحياء هذه المناسبة.
هذه العمليات إن دلت على شيء، فهو بأنها لم تقتنع بعد بتطبيق انسحاب القوات الامريكية القتالية من العراق بعد، خلافاً لما تدعيه البيانات الرسمية الصادرة حول ذلك.
وهذا ما قد لفت اليه الامام السيد علي الخامنئي مؤخراً، حينما دعا القوى العراقية الى مراقبة الانسحاب الأمريكي هذا بيقظة، الذي يعد إحدى مراحل الانتقام على اغتيال الشهداء قادة النصر.
الانسحاب: مرحلة عراقية جديدة
ويعد الانسحاب العسكري الأمريكي، في حال تحققه ميدانياً، من أهم الإنجازات التي تحققها القوى والفصائل في المقاومة العراقية، لأنها ستكون بذلك قد حققت الاستقلال الحقيقي للبلاد، من الوجود الأمريكي المستمر منذ العام 2003.
وقد مرت عملية الانسحاب هذه بأربع مراحل أساسية:
1)الاتفاقية الأمنية التي وقعت في العام 2008
الاتفاقية التي وقعت بعد مفاوضات إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش مع الحكومة العراقية آنذاك في عام 2008، والتي تقرر فيها مغادرة القوات الأمريكية للعراق، بحلول نهاية عام 2011، وكان أساس هذه الاتفاقية هو قرار الأمم المتحدة رقم 1790.
وقد نصت هذه الاتفاقية على:
عدم اعطاء العراق السماح لأمريكا باستخدام أراضيه ومجاله البحري والجوي لمهاجمة الدول المجاورة، ووجوب سحب كل القوات الأمريكية من جميع الأراضي العراقية بحلول 31 كانون الأول 2011، على أن يسبقه في المرحلة ما قبل 30 حزيران للعام 2009، سحب كل هذه القوات من جميع البلدات والقرى العراقية.
2)استشهاد قادة النصر والقرار البرلماني بطرد القوات الأجنبية
بعد انتهاء ذريعة التواجد العسكري الأمريكي، من خلال هزيمة تنظيم داعش الوهابي الارهابي عام 2018. تعالت أصوات العديد من الأطراف العراقية، حول ضرورة طرد من سموهم بالمحتلين الأمريكيين، كما في السنوات التي تلت عام 2003.
لكن هذه المطالب لم تأخذ شكلها الحاد والقوي، الا بعد أن تم اغتيال الشهداء، حينما أصرت هذه القوى بعد العملية مباشرة، أن تقر قانونا برلمانياً يفرض على الحكومة تحقيق انسحاب القوات الأجنبية من البلاد بسرعة.
لكن الأميركيين استخدموا العديد من الذرائع والعراقيل، لعرقلة أي جهود حكومية عراقية تطرح هذا الموضوع بجدية.
3)المحادثات الاستراتيجية وجدولة انسحاب القوات الأمريكية
لكن بعد انتخاب حكومة عراقية جديدة برئاسة مصطفى الكاظمي في العام 2020، انطلقت المحادثات الاستراتيجية بين البلدين، جرت مرحلتان منها في عهد الرئيس الامريكي دونالد ترامب، أما الباقيتان فقد تم إجراؤهما في عهد الرئيس جوزيف بايدن.
وكانت الجولة الرابعة والأخيرة من المحادثات في الـ 26 من تموز 2021، برئاسة وزراء الخارجية البلدين، التي تم خلالها التوصل إلى اتفاق نهائي وإصدار بيان مشترك.
4)تحويل مهام العسكريين من قتالية إلى اسناد وتدريب واستشارة
أما رابع هذه المراحل فكانت أواخر العام 2021، حينما تم الإعلان نهاية شهر كانون الأول، أن دور القوات الأمريكية بات غير قتالي، مع التأكيد على الاستمرار في تقديم الدعم الجوي والمساعدات العسكرية الأخرى للقوات العسكرية العراقية.
لكن اعتراض اغلبية القوى السيادية العراقية، على بقاء هذه القوات التي يبلغ عديد افرادها 2500 جندي، يؤكد أن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من الضغط السياسي والميداني، من أجل فرض قيود أخرى أشد وأدق، والتي ستؤسس بالتأكيد لمرحلة الانسحاب الكامل والنهائي حتماً.
الكاتب: غرفة التحرير