على مشارف نهاية العام الحالي 2021، قراءة مختصرة لأبرز الأحداث السياسية والعسكرية والشعبية التي عصفت في الساحة الفلسطينية، وشكّلت محطات أساسية من تاريخ الصراع والمواجهة مع الكيان الإسرائيلي. ولم تنتهِ الأحداث دون تثبيت المعادلات الاستراتيجية وتغيير في موازين القوّة لصالح فصائل المقاومة الفلسطينية، بما يؤكد ضرورة التوقف عندها وعند تداعياتها كون فلسطين تمثّل ساحة محوريّة إقليمية مؤثّرة.
شهدت فلسطين في العام 2021 العديد من الأحداث المهمة والبارزة:
1. المقاومة الشعبية في القدس (شهر نيسان)
في 13 نيسان عام 2021، مع بداية شهر رمضان المبارك بحسب التقويم الهجري (الذي يؤدي خلاله الفلسطينيون مراسم دينية خاصة)، بدأت مضايقات وتشديدات قوات الاحتلال عند مداخل المسجد الأقصى ولا سيما عند باب العامود، وتمثّلت بإغلاق بعض مداخل المسجد الأقصى، واقتحامات المستوطنين لباحاته، بالإضافة الى مسيراتهم الاستفزازية والعنصرية، ما أدى الى اندلاع مواجهات بين الفلسطينيين والمستوطنين وشرطة الاحتلال، أسفرت عن إصابة أكثر من 205 فلسطيني بحسب ما سجّل الصليب الأحمر، وبالتزامن كانت سلطات الاحتلال تستمر بتهويد حي الشيخ جرّاح في القدس المحتلّة حيث نزل أهالي الحي الى الشوارع رفضاً وتصدياً لقرارات محكمة الاحتلال بتهجيرهم من منازلهم.
شكّلت هذه الأحداث وحالة المقاومة الشعبية الأرضية للتصعيد العسكري ضد كيان الاحتلال، كما أكدّت على جرأة الشباب الفلسطيني للتصدّي لكافة أنواع جرائم الاحتلال.
2. معركة سيف القدس (شهر أيار)
أمام انتهاكات كيان الاحتلال للمسجد الأقصى وأحياء القدس المحتلة وتعرضه للمقدسات الفلسطينية وكرامة الشعب، أعلنت الفصائل الفلسطينية أن القدس خط أحمر لا يمكن الاستفراد بها، ونقل الناطق باسم كتائب القسّام "أبو عبيدة" رسالة قائد الأركان المعروف بـ "محمد الضيف" حيث قالت:" يوجّه قائد الأركان تحذيرًا واضحًا وأخيرًا للاحتلال ومغتصبيه بأنه إن لم يتوقف العدوان على أهلنا في حي الشيخ جراح في الحال فإننا لن نقف مكتوفي الأيدي وسيدفع العدو الثمن غاليًا". وكذلك صدر بيان الكتائب التي أمهلت الاحتلال حتى الساعة السادسة من يوم الجمعة 4 أيار 2021 لوقف اعتداءاتها بحق الفلسطينيين في القدس، ونفذّت بعدها التهديد حيث أطلقت "القسّام" في الساعة المحدّدة الرشقات الصاروخية التي طالت مستوطنات الاحتلال، وكانت إيذاناً بدخول الفصائل الفلسطينية مجتمعةً بمعركة أُطلقت عليها اسم "سيف القدس".
أظهرت المقاومة الفلسطينية خلال 11 يوماً قدرات عسكرية متطورة ومخزوناً صاروخياً مهماً، حيث أطلقت من قطاع غزة أكثر من 4300 صاروخ بما يشمل طويلة المدى التي وصل بعضها إلى مناطق في شمال فلسطين المحتلة لأول مرة، بالإضافة الى استهداف المنشآت الحيوية للاحتلال وإحداث نوع من الشلل في الجبهة الداخلية، ما كبّد الاحتلال خسائر اقتصادية قُدرت قيمتها بـ 7 مليارات "شيكل"، كما وتم التبليغ عن أكثر من 5300 ضرر من قبل المستوطنين.
وكشفت المقاومة عن أنواع جديدة من الصناعات العسكرية التي دخلت الخدمة الميدانية خلال المعركة ومن أهمها صاروخ "عياش" الطويل المدى (250 كلم، برأس حربي يزن 400 كلغ من المواد المتفجرة)، وأيضاً الكشف عن الطائرة المسيّرة محلية الصنع "شهاب" ذي المهام الاستطلاعية والهجومية، كما الكشف عن الغواصات البحرية.
وكان اللافت الأهم خلال هذه المعركة اندلاع هبّة شعبية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1948 حيث شهدت تلك المدن مواجهات واسعة أدت الى إطلاق نار تجاه المستوطنين، وفاجأت جنود الاحتلال الذين لم يستطيعوا "احتوائها". ما أكّد على الوعي الفلسطيني رغم محاولات الاحتلال كيّه في السنوات الماضية، وان خيار المقاومة يحظى بالتأييد الشعبي الواسع في كل المناطق المحتلّة بالإضافة الى القدس والضفة الغربية.
وقد حقّقت معركة سيف القدس الإنجازات السياسية والعسكرية والأمنية الاستراتيجية في تاريخ الصراع مع الكيان الإسرائيلي، حيث ثبّتت المقاومة الفلسطينية معادلات ردع كان أهمها انه لا يمكن للاحتلال الاستفراد بأي أرض فلسطينية محتلّة دون أن يتحمّل العواقب وصواريخ الفصائل، كما أن أي انتهاك بحق الشعب الفلسطيني سيجر أيضاً تصعيداً عسكرياً. وساهمت المعركة بفرض الشروط الفلسطينية السياسية على كيان الاحتلال من ناحية فصل موضوع إعادة إعمار قطاع غزّة عن الأمن والاقتصاد، وعودة فتح التفاوض بالوساطة حول تبادل الأسرى.
لم تنحصر إنجازات المعركة في الداخل الفلسطيني، بل كانت تداعياتها إقليمية حيث أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن المعادلة "القدس يعني حرباً إقليمية"، ما يؤكّد ان أي اعتداء صارخ لكيان الاحتلال على المقدسات الفلسطينية والإسلامية سيورّط الاحتلال نفسه بحرب إقليمية، يشترك فيها محور المقاومة، ولن يكون قادراً على تحمّل نتائجها.
3. الإرباك الليلي ومقتل القنّاص الإسرائيلي (أيار – آب)
بعد معركة سيف القدس، شهدت مناطق الضفة الغربية المحتلّة تصاعداً لفعاليات المقاومة الشعبية التي تجسّدت في الارباك الليلي ووقعت العديد من المواجهات بين الشباب وقوات الاحتلال عند الحواجز ومدخل المدن في الضفة، وذلك خلال تصدّي الفلسطينيين لهجمات الاستيطان وبناء البؤر الاستيطانية التي اجتاحت مناطق الضفة. وحمل الارباك الليلي العديد من الرسائل وكانت من جملتها أن المقاومة قائمة بالأدوات البسيطة كالزجاجات الحارقة والحجارة والإطارات المشتعلة.
وامتد الارباك الليلي الى قطاع غزّة وتحديداّ عند السياج الفاصل حيث كانت المسيرات بهدف فك الحصار المستمر على القطاع ونتيجة لمراوغة الاحتلال من تنفيذ الشروط السياسية لمعركة سيف القدس من فتح المعابر وتسهيل مرور أدوات إعادة الإعمار، وخلالها تعرّض المتظاهرون لاعتداءات من قبل قوات الاحتلال من خلف الجدار، ما استلزم رداً شعبيا، حيث أقدم شاب فلسطيني على إطلاق النار مباشرة من مسافة صفر على رأس أحد قنّاصة الاحتلال فقتله، في تنفيذ جريء دخل التاريخ الفلسطيني في 21 آب 2021. وتعرّضت قيادات جيش الاحتلال ورئيس وزراءه نفتالي بنيت لانتقادات حادة من الأوساط الإسرائيلية التي اعتبرت مقتل القنّاص اخفاقاً مهما.
4.عملية نفق الحرية (أيلول – تشرين الاول)
شهد يوم التاسع من شهر أيلول للعام 2021 أهم عملية اختراق للأجهزة الأمنية والاستخباراتية للكيان الإسرائيلي، 6 أسرى ينجحون بالتحرّر من أكبر سجن إسرائيلي أمني "جلبوع"، وهم محمود العارضة (قائد العملية)، يعقوب القادري، زكريا الزبيدي، محمد العارضة، أيهم كممجي، مناضل نفيعات بعد حفرهم لمدة أشهر نفق تحت الأرض دون أن تكتشف مصلحة السجون ذلك رغم كل التشديدات وعمليات التفتيش الواسعة. وكانت العملية صفعة أمنية وفشلاً اسرائيلياً بامتياز بحسب اعترافات أوساط التحليل في الكيان. وعلى الرغم من أن الاحتلال أعاد اعتقال الشباب الـ 6 الا ان فصائل المقاومة كانت قد هدّدت بأن أي مساس بهم وبحياتهم سيؤدي الى جولة عسكرية جديدة، ثمّ أعلن الناطق باسم كتائب القسّام "أبو عبيدة" أن أي صفقة جديدة لتبادل الأسرى لن تتم دون إطلاق سراح هؤلاء الـ 6.
وبعد العملية التحررية، زادت مصلحة السجون من الهجمات الشرسة على الأسرى وشدّدت من إجراءاتها القمعية والوحشية من حيث التفتيش والعزل والحرمان من أقل الحقوق الإنسانية بالإضافة الى محاولة تفكيك البنية التحتية الفصائلية للحركة الأسيرة ولا سيما لحركة الجهاد الإسلامي، ما أدى الى اتخاذ الأسرى خطوات تصعيدية للتصدّي لهذه الهجمة، فخاض الأسرى معركة الأمعاء الخاوية بشكل جماعي حيث دخل حوالي 250 أسيراً من الجهاد الإسلامي في 13 تشرين الأول الاضراب المفتوح عن الطعام وكان لدى الفصائل جميعا برنامجاً تصعيدياً لو ان الاحتلال لم يتراجع.
كما شهد هذا العام ايضاً معركة أمعاء خاوية خاضها المعتقلون الاداريون لأيام تجاوزت المئة وسط تدهور وضعهن الصحي قبل انتزاع حرّيتهم، ويبقى الأسير هشام أبو الهواش مستمر فيها لليوم 135 على التوالي، وأيضاً كان للأسيرات نصيب من المعاناة جرّاء اعتداءات مصلحة السجون استلزمت تهديدات واستنكارات فصائل المقاومة.
5.تصاعد العمليات في القدس والضفة (تشرين الثاني – كانون الأول)
شهد العام 2021 ولا سيما الثلث الأخير منه، مصادقة الاحتلال على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في القدس والضفة وعودة التهويد الى المسجد الأقصى وحي الشيخ جرّاح، فكان تصاعد العمليات الفدائية الرد الطبيعي على انتهاكات الاحتلال، افتتحها الشهيد الفتى عمر ابو عصب في 17 تشرين الثاني، تلتها العملية النوعية للشهيد القيادي في حركة حماس فادي أبو شخيدم، وتبعتها العملية التي نفذتها مجموعة - يدّعي الاحتلال أنهم من كوادر حركة الجهاد الإسلامي – عند مستوطنة "حومش" وكانت كميناً مخططاً له، وبينهما عمليات أخرى بحيث وصل عدد العمليات الى 9 خلال شهر واحد، لتبقى الضفة عند حافة الانفجار.
6.التنسيق الأمني
شهد العام 2021 تزايداً في التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وكيان الاحتلال، أخطرها ما أدى الى استشهاد الناشط السياسي والمعارض نزار بنّات على يد عناصر القوى الأمنية للسلطة في الخليل في الضفة الغربية بتاريخ 24 حزيران، ما أثار موجة من الغضب والتظاهرات الشعبية الرافضة المستنكرة والمطالبة بكشف حقيقة الاغتيال والعدالة للشهيد.
وفي 30 من شهر آب جمع لقاء رئيس السطلة الفلسطينية محمود عباس بوزير حرب الاحتلال بني غانتس، وكان الأول من نوعه منذ عام 2010، فيما كان اللقاء الثاني بينهما لهذا العام في 28 كانون الأول.
وشهدت مناطق الضفة الغربية لهذا العام حملات واسعة من اقتحام المناطق واعتقال الشباب الفلسطينيين.
7. إحصاءات العام
في آخر إحصاءات هذا العام، هدمت سلطات الاحتلال 950 منزلاً ومنشأة فلسطينية في القدس والضفة، كما صادرت 24 ألف و750 دونماً من الأراضي، وحتى الأشجار هذا العام لم تسلم من اعتداءات الاحتلال حيث قطع حوالي 17 الأف و740 شجرة. أما من ناحية التوسع الاستيطاني فقد وسّع الاحتلال حوالي 55 مستوطنة وأنشأ ما يقارب الـ 15 بؤرة جديدة، بالإضافة الى زعم حكومة الاحتلال عن 100 مخطط استيطاني، وشق حوالي 25 طريقاً لتسهيل مرور آليات جيش الاحتلال.
فيما تصدّرت قضية الأسرى ومعاناتهم الساحة الفلسطينية، وكانت ملتقى حملات التضامن والإسناد الشعبي، ويختتم هذا العام بوجود 4650 أسير في سجون الاحتلال، بينهم 500 أسير مريض و15 صحفياً، بالإضافة الى 34 أسيرة و200 طفل أسير، وكذلك 520 معتقل إداري.
وبعد أن كانت مواقع التواصل الاجتماعي هي المنصات لتناقل الرواية الفلسطينية لا سيما أيام معركة سيف القدس ونجاحها في معركة كي الوعي حسب اعترافات اسرائيلية، فقد حجب الاحتلال هذا العام حوالي 600 صفحة ناشطة داعمة للقضايا الفلسطينية.
ماذا قد يحمل عام 2022؟
أمام كل هذه الملفات الحساسة في الساحة الفلسطينية، تُطرح العديد من علامات الاستفهام حول ما قد يمكن أن تؤول اليه الأوضاع، فهل تنجح المفاوضات السياسية بالوساطة بين الفصائل والكيان بخصوص قطاع غزّة؟ وهل يستعدّ الاحتلال للتنازل أمام الشروط الفلسطينية لإتمام صفقة تبادل أسرى جديدة؟ أم ان الاحتلال لن يترك لنفسه سوى الخيار العسكري؟ أما في القدس والضفة الغربية فتؤكد أوساط الفصائل أن ما بدأ من حالة مقاومة هو في تطوّر وتقدّم وتنامي مضطرد ومستمر مع الأيام، ولن يخمد في مواجهة كيان الاحتلال واعتداءاته.
الكاتب: غرفة التحرير