ظهر في المناورة الاخيرة لجيش الاحتلال والتي حاكت "الحرب متعدّدة الجبهات"، إدراكه لجدّية المعادلات الجديدة التي ثبّتها محور المقاومة اذ لا يمكن الاستفراد بساحة أو جبهة دون توقع تدحرج الأمور نحو حرب إقليمية لا يمكنه تحمّل أثمانها، اذ لا يزال الاحتلال يقع في مأزقه وارتباكه من الساحة الفلسطينية أولاً حيث شهدت تصعيدات عديدة في السنتين الأخيرتين لا سيما في أيار الماضي (سيف القدس) والاحتكاك اليومي على حدود قطاع غزّة.
وفي مقال لصحيفة "اسرائيل اليوم" يشير الكاتب الى ان " سكان الجنوب، وإلى جانبهم سكان غوش دان والقدس، اضطروا مرارًا وتكرارًا إلى البحث عن ملجأ في غرف محصنة واماكن محمية، ليس بسبب إطلاق الصواريخ من إيران أو حتى من لبنان، ولكن بسبب إطلاق الصواريخ من قبل حماس... ليس لدى إسرائيل إجابة جيدة على تحدي حماس".
المقال المترجم:
لم يذكرنا رئيس الأركان أفيف كوخافي ، إلا مؤخرًا ، بأن الجيش يتعامل حاليًا مع ستة ساحات قتال – بعضها لم يعمل فيها مطلقًا.
ومن بينها الساحة الإيرانية التي تعمل فيها إسرائيل على وقف سباق طهران إلى النووي . والساحتان السورية واللبنانية ، وبحسب التقارير ، أخيرًا على مايبدو الساحة العراقية وكذلك الجنوبية القادمة من البحر الأحمر واليمن – والتي تلقي إيران بظلالها الثقيلة عليها كلها، وأخيرا ً الساحة الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة.
لقد استثمر الجيش معظم جهوده في الأشهر الأخيرة للتحضير لاحتمال أن تتجاوز إيران نقطة اللاعودة في طريقها لإنتاج قنبلة نووية، في غضون ذلك، يعمل على سحب قدميها للخروج من سوريا وإضعاف حزب الله ، الذي يعتبر الجيش ترسانته الصاروخية التهديد الرئيسي الذي يواجه إسرائيل في الدائرة القريبة من حوله.
يجب عدم الاستخفاف بالتهديدات – الفورية والطويلة الأمد – التي تواجه إسرائيل في ساحات القتال والعمليات هذه، لكن الحقيقة هي أنه في العقد الماضي ، كانت الجبهة النشطة التي وجد فيها الجيش نفسه يقاتل مرارًا وتكرارًا ،وحتى أنها كلفتنا ضحايا – جنود ومدنيين – كانت في الواقع غزة، بدءًا من عملية الرصاص المصبوب (2009) ، إلى عملية عمود السحاب (2012) والجرف الصامد (2014)، الحزام الأسود (2019) والأخيرة – عملية حارس الأسوار (أيار 2021).
إلى جانب هذه العمليات، يجب أن نذكر الاحتكاك اليومي على طول السياج الحدودي بيننا وبين غزة، من إطلاق البالونات الحارقة باتجاه إسرائيل، إلى أعمال الاحتجاج على طول السياج، وانتهاءً بمحاولات المجموعات التسلل إلى الأراضي الإسرائيلية باستخدام الأنفاق التي حفرتها حماس على طول وعرض القطاع.
اضطر سكان الجنوب، وإلى جانبهم سكان غوش دان والقدس، مرارًا وتكرارًا إلى البحث عن ملجأ في غرف محصنة واماكن محمية. ليس بسبب إطلاق الصواريخ من إيران أو حتى من لبنان، ولكن بسبب إطلاق الصواريخ من قبل حماس، مع توخي الحذر، يمكن الافتراض أن الجولة القادمة من المواجهة ستكون أيضا ضد قطاع غزة، وليس في ساحات الصراع الأخرى.
تفرد غزة لا يكمن فقط في كونها ساحة نشطة ومتفجرة ، حيث قاتلت إسرائيل في العقد الماضي أكثر من أي ساحة أخرى ، ولكن أيضًا في حقيقة أنها ساحة تلعب أمامها إسرائيل وقدرتها على التأثير و الردع فيها محدودة ومفقودة .
صحيح أن الصراع في إيران يشتد بل ويكتسب زخماً، لكن كلا الجانبين – الإسرائيلي والإيراني – يتحكمان بشكل كامل في مجرى الأحداث، ويظهران ضبط النفس في غياب أي اهتمام أو مصلحة في إندلاع شرارة. – التصعيد والتدهور إلى مواجهة شاملة.
حزب الله هو أيضاً منظمة مقيدة ومردوعة ، مدركة للثمن الذي قد تدفعه في حال دخولها جولة قتال مع إسرائيل لكن ليس هذا هو الحال مع حماس في غزة ، التي هي ليست قوية بما فيه الكفاية مثل حزب الله ولا تتصرف مثله بمنطق الدولة ، لذلك يصعب ردعها وإجبارها على ضبط النفس.
الواقع في غزة معقد بسبب حقيقة أن إسرائيل لم تنفصل فعلاً من القطاع. بعد كل شيء، لا تزال تزود سكان غزة بالكهرباء والمياه والوقود وحتى الطعام والدولارات، هذه التبعية تجعل الهدوء على طول الحدود رهينة للطعام والوقود ، و الدولارات في قطاع غزة ، لأن طريقة حماس في الحصول عليها هي إطلاق الصواريخ على إسرائيل.
بصرف النظر عن ذلك، يجب أن نتذكر أن محاولات فصل حماس في غزة عن الضفة الغربية وأيضًا عن القدس لم تسر على ما يرام ، وبالتالي فإن الغليان عند باب العامود أو في الحرم القدسي سيستمر في تصدر امكانية إشتعال الوضع – حتى على حدود غزة.
الحقيقة هي أن حماس ليس لديها نفس القدرة على التدمير والضرر مثل الأعداء الآخرين ، لكنها تعمل على تحسين قدراتها بشكل منهجي، والدليل، الجرأة والقدرة العملياتية التي أظهرهتا في إرسال خلايا التسلل إلى الأراضي الإسرائيلية باستخدام الأنفاق.
والأهم من ذلك ، أنها تعمل أيضًا بنجاح على زيادة مخزون الصواريخ ومداها ودقتها.
ليس لدى إسرائيل إجابة جيدة على تحدي حماس ، باستثناء استخدام النيران الفتاكة التي تسبب الدمار في قطاع غزة ، لكنها لا تحرم حماس من قدراتها العملياتية ، ولا تضمن ، كما هو الحال في لبنان ، هدوءاً طويل الأمد، وفي غياب حل ستواصل غزة مضايقتنا.
المصدر: "اسرائيل اليوم"
الكاتب: غرفة التحرير