عدد من الملفات جعلت السعودية تطرح عودة العلاقات الثنائية مع إيران إلى طبيعتها وتستعجل على إعادة فتح السفارات بين البلدين أولها شعور الرياض بأنها خارج اهتمامات الولايات المتحدة التي توجهت إلى استراتيجية أخرى، في ظل الأزمات المتورطة بها من حرب اليمن وتخلي الامارات عنها إلى تراجع نفوذها في لبنان وعدم قدرتها على التأثير في الحرب السورية وغيرها...
صحيفة هآرتس أشارت في مقال لها إلى ان "استئناف العلاقات بين إيران والسعودية هو ضربة قاسية في الجناح (جناح الطائرة) الإسرائيلي" معتبرة أن "التحالف العربي المعادي لإيران على وشك الانفجار والتشظي".
النص المترجم:
مصادر دبلوماسية تحدّثت مع صحافيين عرب تتوقع أن يُعاد فتح القنصليات في البلدين قريباً، وأنّ التوقيع على اتفاق تطبيعٍ كامل وإعادة فتح السفارتين في البلدين سيتم خلال أسابيع معدودة.
إذ انتهت بالفعل المفاوضات بين السعودية وإيران باتفاقٍ وتطبيع، هذا سيكون فصل نهاية التحالف المعادي لإيران الذي بنت عليه "إسرائيل" الكثير من الآمال، بل واعتبرت نفسها عضواً غير رسمي فيه، إلى حدّ أنّ هذا القاسم المشترك بينها وبين السعودية بث أملاً بأنّ المملكة ستستأنف علاقاتها مع "إسرائيل".
العلاقات بين السعودية وإيران يمكن أن تزيل العوائق أمام قنوات الاتصال بين كل الدول العربية وإيران، ودليل على ذلك يمكن إيجاده من الآن في كلام وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، الذي قال في مكالمةٍ مع نظيره الإيراني في هذا الأسبوع إنّ "علاقات جيدة مع إيران هي مصلحة مهمة للأردن".
الطموح السعودي لإنهاء الحرب في اليمن بانتصارٍ ساحق خلال عدة أسابيع تحطّم أمام ثبات "الحوثيين"، الذين سيطروا على أجزاءٍ واسعة من اليمن، بما فيها العاصمة صنعاء. السعودية، التي بادرت إلى الحرب كجزءٍ من استراتيجية معادية لإيران، وجدت نفسها في غضون 4 سنوات على مسارِ صدامٍ ليس فقط مع "الحوثيين"، بل وأيضاً مع الكونغرس الأميركي الذي سعى لأن يفرض عليها وقف الحرب التي قُتل فيها أكثر من 100 ألف شخص وأصبحت أكبر كارثة إنسانية، بحسب وصف سكرتير الأمم المتحدة.
حوارٌ حيوي
مع تنصيب جو بايدن رئيساً، بدأت السعودية بمراجعة سياستها الإقليمية. على خلفية القطيعة الكاملة التي نشأت بين بايدن وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على خلفية قتل الصحافي جمال الخاشقجي، إلى جانب ضغوط بايدن لمنع بيع أسلحة أميركية للسعودية بسبب الاستخدام الذي قامت به في الحرب في اليمن، فيما في المقابل حرّك المفاوضات مع إيران حول الاتفاق النووي، قرر الملك سلمان دفع تحوّل في العلاقات مع إيران.
محللون سعوديون فسّروا الخطوة بأن السعودية فهمت أنها لم يعد بإمكانها الاعتماد على الولايات المتحدة، ومن المناسب لها تنويع منظومة علاقاتها الاستراتيجية وإعادة تموضعها في الشرق الأوسط.
سلسلة إخفاقات سياسية – مثل المحاولة العقيمة للدفع إلى استقالة رئيس حكومة لبنان سعد الحريري، التي انتهت بفشلٍ ذريع، وعدم قدرتها على التأثير على مسار الحرب في سوريا، وغياب الحسم في الحرب في اليمن رغم تفوقها العسكري، وانسحاب الإمارات من الحرب، وكذلك رفض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أن يهب لمساعدتها ضد إيران بعد مهاجمة منشآتها النفطية، وأوضحت للسعودية أنّ حواراً مع إيران يصبح حيوياً، من أجل ضمان ألا تتحول إلى ميدان قتال دائم يمكن ان يُلحق الضرر بمخطط التطوير الاقتصادي الضخم الذي يطمح إليه ابن سلمان.
كلما زادت فرص انتهاء المفاوضات حول الاتفاق النووي بتوقيع، كلما تطلب الأمر من السعودية أيضاً ان تدرس تداعياته في إزاء إيران على سوق النفط.
عودة إيران إلى ساحة المبيعات يمكن أن تأخذ من السعودية زبائن قدامى، وخفض الأسعار وإلحاق ضرر بمصدر الدخل الأساسي للمملكة. قد يكون قلق السعودية مبالغاً فيه، حيث من المتوقع أن تشتري الصين غالبية ناتج النفط الإيراني، بحسب الاتفاق الاستراتيجي الذي وُقّع بين إيران والصين في آذار الماضي.
لكن السعودية لا تملك ضمانات بألاّ تطمح إيران أيضاً إلى حيازة زبائن مهمين مثل الهند وباكستان وكوريا الجنوبية واليابان. إيران من جانبها لديها مصالح كثيرة في استئناف العلاقة مع السعودية، حيث أن اتفاقاً كهذا سيمنح اعترافاً – حتى لو لم يكن رسمياً – بمكانتها الخاصة في لبنان وسوريا واليمن والعراق، وسيفتح أمامها الشرق الأوسط العربي، الذي كان بأغلبه حذراً لغاية الآن، بضغطٍ أميركي شديد، من إظهار الود والقرب لطهران.
عمولةٌ دون بضاعة
ظاهرياً، تقارب واستئناف علاقات بين إيران والسعودية هو ضربة قاسية في الجناح (جناح الطائرة) الإسرائيلي.
لا يسود فقط عدم توافق جوهري بين رئيس الحكومة نفتالي بينيت، وبين جو بايدن في مسألة البرنامج النووي الإيراني، والاتفاق النووي الذي تدفع إليه واشنطن، كذلك فقاعة التحالف العربي المعادي لإيران على وشك الانفجار والتشظي. لكن من البداية كان هذا فزاعة بث فيها نتنياهو هواءً ساخناً. طائرات سعودية لم تكن لتقلع لشن هجومٍ منسّق مع "إسرائيل" على إيران من دون موافقة الولايات المتحدة، وهذا أوضح حتى في أيام ترامب أنها تيمم وجهها نحو الدبلوماسية وليس إلى حرب.
الإمارات سبق أن توصلت قبل حوالي عامين إلى اتفاقات تعاون مع إيران – الأمر الذي لم يعقها عن التوقيع على اتفاق سلامٍ مع "إسرائيل"، وقطر هي شريكة تجارية قديمة لطهران، وبقية أعضاء التحالف، مثل مصر والأردن، كانوا في الأساس يراقبون من جانب. الدول العربية، وخصوصاً السعودية، التي أرادت تعزيز مكانتها في واشنطن من خلال تسويق النضال المشترك ضد إيران، أمكنها ان تعتمد في عهد ترامب على اللوبي الإسرائيلي، ولو بغير نجاحٍ زائد.
يتبين لها الآن أنّ المعركة ضد إيران لم تعد بضاعة مطلوبة، وكذلك "إسرائيل" هي الوسيطة التي تجبي عمولات لكنها لا تستطيع توفير البضاعة.
المصدر: هآرتس
الكاتب: تسفي برئِل