تعتبر حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين من أهم الحركات المقاومة، التي تمكنت من هزيمة كيان الاحتلال الإسرائيلي عدة مرات. ما دفع بحكومات الاحتلال لوضع اغتيال قادتها دائماً، على رأس أولويات مهام أجهزته الاستخباراتية. وتنوعت ميادين مقاومة هذه الحركة، فشملت تنفيذ العمليات الاستشهادية والعسكرية النوعية، وخلق معادلات توازن الردع عبر إطلاق الصواريخ، وفي جانب مهم جداً تنفيذ عمليات هروب الأسرى من المعتقلات. وآخر عمليات الهروب هذه، ما نفذه أسرى عملية "نفق الحرية" مؤخراً، والتي ينتمي 5 من أفرادها الى حركة الجهاد.
وانطلاقاً من هذه الحادثة، كتب الصحفي والمحلل الإسرائيلي "أمير بحبوط" مقالاً تحت عنوان: "العمليات والتصفيات والصواريخ والهُروب من السجن.. الحساب الطويل لـ”إسرائيل” مع الجهاد الإسلامي".
وهذا نص ترجمة المقال:
قامت المنظمة "الإرهابية" التي أسستها مجموعة طلاب، ببناء قوتها في الثمانينيات بمساعدة من طهران. ومنذ ذلك الحين، يحاول جهاز الأمن العام (الشاباك) والجيش الإسرائيلي إفشال خطواتها وفضح بنيتها التحتية. في المقابل يرفع "إرهابيو" التنظيم رؤوسهم مرارًا وتكرارًا. وفي الآونة الأخيرة، زادت قوة الجهاد في جنين، فإذا وصل الأسرى الهاربون إلى المدينة، فمن المتوقع أن يخوض الجيش الإسرائيلي معركة صعبة للغاية.
بدأت مراحل تأسيس الجهاد الإسلامي مع الثورة الإسلامية في إيران أواخر السبعينيات وصعود الخميني إلى السلطة. وتأثر كذلك بالروح التي غذت النشاط العسكري للإخوان المسلمين في مصر، والتي بلغت ذروتها باغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981. وكذلك ألهم التنظيم بالنشاط العسكري للإسلام السياسي في السودان، مما أدى إلى إقرار الأيديولوجية الإسلامية كنظام عسكري قائم في الحركة.
قامت مجموعة صغيرة من الطلاب في مصر، بتشكيل المنظمة الصغيرة والمتطرفة التي سميت الجهاد الإسلامي الفلسطيني (GAP). هذه المجموعة شملت الدكتور فتحي الشقاقي الذي تحول بعد فترة إلى الأمين العام للتنظيم، والذي طالب ببداية نشاط المجموعة التوحيد بين الإسلام السُني والشيعي من أجل تحرير “فلسطين” بواسطة العُنف (والإرهاب).
ساعد هذا النهج على التواصل مع إيران، والذي سيؤدي لاحقًا إلى إنشاء مسار دائم لنقل الأموال من طهران إلى المناطق. وخلال الأعوام 1986-1987، نفذ نشطاء الجهاد عمليات قاتلة طغت على "الإرهاب" الذي نفذته حماس، والذي كان يُنظر إليه في البداية على أنه اجتماعي أكثر منه ديني.
"الإرهاب" الذي ارتكبته حركة الجهاد ساعد في جمع التبرعات، لكنها أدت بعد سنوات إلى طرد كبار أعضاء الحركة من لبنان ، بمن فيهم الشقاقي. وفي تشرين الثاني 1994، أُعطيت أقوى إشارة لتغيير الاتجاه فيما يتعلق بنشطاء التنظيم وكبار المسؤولين، عندما قُتل هاني عبيد، أحد قادة التنظيم في غزة، في انفجار سيارة مفخخة.
فوجئت قيادات حركة الجهاد الإسلامي بالكشف عن مكان وجود المطلوب الكبير، زاعمة أن السلطة الفلسطينية ساعدت في اغتياله. وعليه سُمعت في الجنازة صيحات "خائن" ضد ياسر عرفات. وبعد أسابيع قليلة، اندلعت اشتباكات عنيفة بين مسؤولي السلطة الفلسطينية ونشطاء الجهاد الإسلامي.
ومع ذلك ، قررت المنظمة تغيير أنماط عملها ، عبر إرسال مفجرين "انتحاريين" إلى أهداف في عمق إسرائيل. ووقعت العملية الأكثر إيلاما في أوائل عام 1995، عندما فجر "إرهابيان" نفسيهما في "بيت لابيد" وقتلوا 21 جنديا و"مدنيا".
ردًا على الهجوم ، قررت إسرائيل تغيير قواعد اللعبة ، وفي تشرين الأول من ذلك العام قُتل الدكتور الشقاقي في مالطا بنيران نُسبت إلى مقاتلي الموساد. وبعده تم تعيين الدكتور رمضان شلح أميناً عاماً للحركة وقبل عدة سنوات من الآن تدهورت حالته الصحية، وبعد وفاته تم تعيين المسؤول المتطرف زياد النخالة المقيم في دمشق خلفاً له.
في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، تم الكشف عن بنية "إرهابية" واسعة جدًا لحركة الجهاد الإسلامي في السامرة (الضفة الغربية)، والتي نفذت سلسلة كبيرة جدًا من التفجيرات الانتحارية في جميع أنحاء إسرائيل، بما في ذلك عملية الهجوم الجهنمي في مركز ديزنغوف في تل أبيب خلال مسيرة عيد المساخر. والتي أدت إلى الدفع بسياسة الاغتيال وإقامة السور الواقي في مناطق التماس.
في تشرين الأول 2000 ، أطلق سراح إياد حردان من السجون الإسرائيلية، الذي كان من سكان قرية عرابة قضاء جنين. وعُرِّف عن حردان وقتها بأنه قائد الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في جنين بعد اغتيال أنور حمران. عمل "حردان" على تنفيذ عمليات "إرهابية"، منها تفجير سيارات مفخخة في سوق محانيه يهودا وفي حي تلبيوت في القدس. وفي 5 نيسان 2001 ، أطلق سراحه من سجن السلطة، وعندما دخل الى كشك هاتف عمومي في جنين بالقرب من مبنى البلدية، رافعاً سماعة الهاتف، تم تفجير عبوة ضده لم تترك له أي فرصة للنجاة.
وبحسب مصادر "الجيش الإسرائيلي" في نفس الفترة بدأت عمليات ملاحقة ومطارة نشطاء الجهاد في الضفة، فأسهم الشاباك بالكشف عن مكان اختباء وائل عساف وأسعد دقا، وتمت تصفيتهم على يد قوة من الجيش، وكذلك تم اعتقال كل من محمود طوالبة وثابت مرداوي وكلاهما من جنين وتم الحكم عليهم بالسجن المؤبد.
واصلت إيران ضخ الأموال في إلى الضفة وغزة على مر السنين، وبالتوازي استمرت الهجمات "الإرهابية"، منها عملية مطعم مكسيم في حيفا عام 2003 ، والتي أسفرت عن مقتل 21 "مدنياً ".
إيران ساعدت في بناء قوة المنظمة في غزة، وساعدت في صناعة الصواريخ، وارسال الصواريخ المضادة للدروع المُتطورة ، وقدمت العلوم العسكرية، وحتى بتقديم الرواتب للنشطاء، وتمويل النشاطات الاجتماعية وتوجيه الدعم المالي. لعائلات النشطاء القتلى(الشهداء).
في كانون الثاني 2012، تم الكشف مرة أخرى عن شبكة واسعة للجهاد الإسلامي على يد الشاباك في جنين، الذين حصلوا على دعم كبير من قيادة التنظيم المتواجدة في سوريا، وقد تم تحويل أموال كثيرة لتمويل العمليات وامتلاك الأسلحة ولدفع رواتب الأسرى أيضاً، وبعد اعتقال عشرات الناشطين، تم تكوين صورة كاملة عن طبيعة عمل شبكات الجهاد في جنين.
عمل التنظيم على تجنيد الطلاب أصحاب الفكر الايدلوجي المُتطرف تجاه “إسرائيل”، وفي العقد الأخير عمل على تنفيذ العديد من عمليات إطلاق النار بالضفة واطلاق الصواريخ من غزة، وبالمقابل لم يتوقف التنظيم عن تنفيذ العمليات المُحكمة والذكية مثل الأنفاق وإرسال البراميل المُفخخة إلى سواحل "إسرائيل".
وكان أبرز شخصية في العقد الماضي، هو قائد اللواء الشمالي في قطاع غزة بهاء أبو العطا، الذي أطلق عليه كبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي اسم "الفتيل المتفجر". أبو العطا اعتاد على اطلاق الصواريخ تجاه "إسرائيل"، والحدث الأبرز كان اطلاق صاروخ خلال اجتماع شارك به رئيس الوزراء نتنياهو في أسدود. رداً على ذلك وجهت إسرائيل رسائل تهديد عبر الوسيط المصري مفادها، أنه إذا لم يوقف العطا أفعاله، فسوف تكون حياته هي الثمن.
بتاريخ 21 تشرين الثاني 2019، وقعت الصدمة على تنظيم الجهاد الإسلامي حينما نفذ الشاباك عملية اغتيال لبهاء أبو العطا، وبنفس الليلة هاجم سلاح الجو في سوريا منزل القيادي بالجهاد اكرم عجوري نائب الأمين العام للتنظيم. العجوري نجى من الموت، لكن ابنه ومرافقه استشهدا في هذا الهجوم.
وفي عام 2020 كثف الجيش والشاباك العمل ضد الجهاد الإسلامي بالضفة الغربية، وبدأوا بتنفيذ حملات اعتقالات موسعة طالت عناصر التنظيم في جنين.
اندلعت المواجهة التالية بين "جيش الدفاع الإسرائيلي" والجهاد الإسلامي في إطار عملية "حارس الأسوار". وعلى الرغم من الميزانية الكبيرة والمساعدة المستمرة من إيران وحزب الله للتنظيم ، إلا أن عناصره لم يتمكنوا من تنفيذ هجمات نوعية ضد إسرائيل، وكانت مساهمته في "الإرهاب" منخفضة للغاية. وفي بداية العملية تم تصفية قائد القوة الصاروخية للتنظيم مصباح عبد الممكلوك الذي كان "مختبئاً" بشقة في مدينة غزة، وبعدها بعدة أيام تم تصفية قائد اللواء الشمالي حسام أبو هربيد.
في غضون ذلك ، واصل مقر الجهاد الإسلامي في سوريا الضغط لتنفيذ الهجمات، وبناء عليه رفعت البنية التحتية في جنين رأسها. وفي العام الأخير، كان كل دخول للجيش الإسرائيلي إلى مخيم جنين يواجه بنيران كثيفة من مقاتلي الجهاد الإسلامي. وقبل نحو شهر اقتحمت قوة سرية من حرس الحدود (يمام) قلب المخيم واعتقلت نشطاء التنظيم. ورداً على ذلك ، أطلقت الذخيرة الحية على المقاتلين من عدة اتجاهات ، وأجبروا على الرد بإطلاق النار ، مما أسفر عن مقتل أربعة نشطاء خلال دقائق. وبأمر من المقر الرئيسي في دمشق، رد التنظيم بإطلاق صواريخ من قطاع غزة على إسرائيل.
إن الصراع لا يزال مستمراً هذه الأيام بين “إسرائيل” والجهاد الإسلامي، وذلك في إطار حملة البحث عن أسرى التنظيم الذين هربوا من سجن جلبوع ومعهم زكريا الزبيدي، خطة الهروب لم تفاجئ مصادر كثيرة بالجيش والمنظومة الأمنية، وذلك لأن الحديث يدور عن تنظيم يُربي عناصره على السرية التامة.
وتقدر "مؤسسة الدفاع" أن الأسرى سيحاولون العودة إلى المنطقة (جنين) التي هم على دراية بها، ومن هنا جاء تقييم "جهاز الدفاع" بأن الزبيدي قد تم إدراجه في خطة الهروب، نظرًا لقدرته على تلقي المساعدة والحماية من مخيم اللاجئين في المدينة.ومنذ عملية الهروب من سجن جلبوع وقعت عدة عمليات إطلاق نار تجاه “قوات الجيش الإسرائيلي” بمُحيط جنين، فيما تؤكد تجربة الماضي أن العدد الكبير لمُسلحي الجهاد الإسلامي في جنين سوف يشكلون حماية للأسرى الفارين، في حال تمكنوا من الوصول إلى المخيم. وإذا وصل باقي الأسرى الذين هربوا إلى جنين، فمن المُتوقع أن تحدث معركة بالمدينة، وهذه المعركة المتوقعة “للجيش الإسرائيلي” في هذه المنطقة الأكثر ازدحاماً بالضفة الغربية ستكون صعبة جداً.
المصدر: موقع والا
الكاتب: امير بحبوط