يعود بنا الزمن، الى تلك اللحظات المصيرية من بداية الألفية الثالثة، حينما تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية الى هجوم بالطائرات المدنية في 11 أيلول من العام 2001. يومها تسمر أعين سكان العالم حول التلفاز، تشاهد الدولة التي تزعم بأنها الأقوى والأعظم في العالم، تتعرض لأضخم هجوم خارجي على أرضها، رغم كل الإمكانيات التي تمتلكها، على كافة الصعد خصوصاً الاستخباراتية والعسكرية. في ليلة الهجوم، توجه الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن بخطاب تلفزيوني تضمن العبارات التالية:
" يمكن للهجمات الإرهابية أن تهز أسس أكبر مبانينا، لكنها لا يمكن أن تمس أسس أمريكا. لقد حطمت هذه الأعمال الصلب، لكنها لا تستطيع أن تقوض صلب العزيمة الأمريكية. تم استهداف أمريكا بالهجوم لأننا ألمع منارة للحرية والفرص في العالم. ولن يمنع أحد هذا الضوء من السطوع".
تحت ذريعة الرد على هذه الهجمات ومنفذيها (التي تبناها تنظيم القاعدة عبر قائده أسامة بن لادن)، شن جورج بوش ووزراءه ما سمي ب "الحرب على الإرهاب"، التي كانت تخفي في تفاصيلها مشروع المحافظين الجدد لتشكيل منطقة شرق أوسط جديد. فكانت أولى خطواته إرسال جيش بلاده إلى أفغانستان، مدعوماً بقوات عسكرية من دول أخرى تحت مسمى "التحالف الدولي للحرب على الإرهاب"، بهدف معلن تفكيك نظام حكم حركة طالبان، والقضاء على تنظيم القاعدة (الذي صنعته أمريكا بنفسها خلال الحرب السوفيتية الأفغانية)، وأهداف مستترة هي: محاصرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحركات المقاومة، التواجد في منطقة آسيا الوسطى، التي يسميها المفكرين الجيوبولتيكيين بمنطقة "قلب العالم".
ولاحقاً في العام 2003، استكمل بوش وإدارته خطوات مشروعهم بشن حرب على العراق، تحت ذريعة إسقاط نظام صدام حسين. واستمرت إدارات الرؤساء اللاحقين "باراك أوباما" و"دونالد ترامب"، بإدارة هذه الحروب والاحتلالات بشتى الذرائع والأعداء المصطنعين، لكن من دون أن يتحقق أي هدف من أهدافهم المستترة. وصولاً الى هذا العام، الذي شهد العالم في شهر آب الماضي، مشاهد تشبه بتأثيراتها مشاهد هجمات 11/9. حين قامت أمريكا بسحب قواتها العسكرية من أفغانستان، بشكل أظهر أن ما وصفه جورج بوش بخطابه " لن يمنع أحد هذا الضوء (ضوء بلاده) من السطوع"، قد كان اتخاذ قرار بداية أفول أمريكا بنفسها.
الخطط المستترة
نعم فبعد 20 عاماً من هذه الهجمات، اتضح أن الحروب التي شنت على إثرها في المنطقة، كانت السبب في عدم تحقق أهداف أمريكا أولاً، بل وانقلاب الموازين ضد أمريكا ثانياً، من خلال:
1_ كان من أهم الأهداف المستترة، محاصرة وتطويق إيران من الجهتين الشرقية والغربية، في تمهيد لشن الحرب العسكرية عليها. فلم يكن لطهران إلا أن حولت هذا التحدي الوجودي الى فرصة، من خلال إقامة محور ضم حركات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، وساعد في صمود سوريا (خلال حرب 2011)، وساهم في بزوغ دولة مقاومة جديدة هي اليمن.
2_بات حلفاءها في المنطقة خائفين بشدة على مستقبلهم، بعدما رأوا بأم أعينهم كيف تتخلى واشنطن عن حلفائها في أقرب فرصة.
3_ باتت منطقة قلب آسيا، هي النواة لقيام قطب جديد منافس لأمريكا بقوة، ومكون من دول ذات قوى مختلفة عسكرية واقتصادية وتكنولوجية، يمتد من الصين وروسيا مروراً بإيران ووصولاً الى منطقة حوض البحر المتوسط.
4_ لم يعد كيان الاحتلال الإسرائيلي قادر على تحقيق حماية وجوده، جراء ازدياد المخاطر الاستراتيجية من حوله، كما أن لم يعد قادراً على تحقيق مصالح أمريكا في المنطقة، لذلك سيشكل عاجلاً أم آجلاً عبئاً عليها.
5_ بدأت تسمع في العلن مواقف لدول يشكلون حلفاء تاريخيين لها، ينتقدونها ويعدونها لا تشكل قوة عظمى يمكن الركون إليها في الأزمات والتحديات. ما يشكل بحق مظهراً جلياً من مظاهر مرحلة أفول أمريكا.
الكاتب: غرفة التحرير