يُتوقع ان تبرم اتفاقية صينية -عراقية، في السنة الحالية، لزيادة مبيعات النفط العراقي للصين، لمدة 20 سنة، فی حال تمت الموافقة على قانون الميزانية والمادة المتعلقة بالتأمين المالي لهذه الاتفاقية، لكن الولايات المتحدة، قد تضغط على الحكومة العراقية لعرقلتها.
وكانت الصين منذ سنوات، و"بطرق ذكية"، قد عملت على تعاون اقتصادي مشترك بينها وبين العراق، وفي هذه الدراسة عرض تاريخي لأهم الاتفاقيات.
عناصر السياسة الخارجية للصين الذكية في الخليج
تمتاز منطقة الخليج الفارسي بمكانة مرموقة في مجال الطاقة في العالم وذلك بسبب موقعها الجغرافي الخاص ولهذا تمتلك أهمية خاصة بالنسبة للقوى العظمى على مر العصور. بالرغم من أن أمريكا تفوقت على نظيراتها الأوروبية ولكن الصين استطاعت وبذكاء الاستفادة من الإجراءات الأمريكية لضمان الأمن وتمرير مشروعها في الطاقة عبر الخليج.
تغیّر الرؤية الصينية
إستطاعت الصين فتح بوابات السياسة والتحرك نحو الرأسمالیة بعد موت مائو سنة 1976 وبدایة تسلم دنغ شيائوبينغ مقاليد الحكم، وتم ذلك بواسطة إجراء تعديلات في قسم الزراعة والصناعة وهكذا أصبحت أكبر مستورد ومُصدر للطاقة. وانطلقت نحو التطور بصورة غير لافتة للانتباه وبعد العبور من هذه المرحلة وتحديداً سنة 2009 أصبحت قوة لا يُستهان بها.
الإقتصاد، أول هدف للسياسة الخارجية
تسعى الصين الاستفادة من مساحتها الجغرافية الواسعة والتعداد السكاني الكثيف للتأثير على جميع أنحاء العالم، ولتحقيق هذا الهدف تحاول أن تكون لاعباً مؤثراً في المنطقة وبذكاء تأخذ مكان أمريكا في الخليج الفارسي، من دون اللجوء إلى القوة العسكرية. ولا يُستبعد أن يسعى هذا التنين الأحمر لتعزيز قوته العسكرية بعد تحقيق التفوق في الاقتصاد.
تعتبر المصالح المحور الأساس في علاقات الصين بباقي دول العالم، وبما أنها الدولة الأعلى إستيراداً لنفط الخليج الفارسي فإن أمن هذه المنطقة يعتبر من الأمور الضرورية بالنسبة لها، لذا نرى بأن الصين تحافظ على علاقتها بالدول المؤثرة في هذه المنطقة مثل إيران والسعودية.
أهداف الصين الأخرى للحضور في الخليج
في السنوات الأخيرة لم تشأ الصين التدخل في أمن الخليج الفارسي كقوة خارجية، بل أرادت الاستفادة من أسواق المنطقة دون التعرض للأخطار العسكرية. إلا أنه وبعد الإعلان عن مشروع "الحزام والطريق" الصيني فإنها تتجه وبوتيرة ناعمة لتعزيز قوتها العسكرية والأمنية.
تعتزم الصين الحفاظ على السوق الاستهلاکیة في غرب أسيا والعقود التجارية مع دول شمال أفريقيا، على وجه الخصوص دولة مصر.
الصين شريك مناسب لدول الخليج
الصين تمتاز عن باقي الدول الخارجية بأن تأريخها لم يسجل تدخلاً عسكرياً لها في منطقة الخليج الفارسي وبما أن القادة يتخذون القرارات بناء على الذاكرة التاريخية فإن الصين خلافاً لأمريكا التي تتدخل بالشؤون الداخلية للدول، تحترم السيادة الدول التي تتعامل معها وتراعي المصالح الاقتصادية.
أظهرت إجراءات الدول الأوروبية في فرض عقوبات على إيران بأن العنصر الأساس في سياسة الصين الخارجية يتمثل في الاقتصاد. حينها استطاعت الصين مساعدة إيران لاجتياز العقوبات والحصول على أرباح إقتصادية مناسبة. تسعى الصين باتخاذ سياسات عسكرية ناعمة عن طريق تعليم الخبراء وقوات السلام وتعزيز البنى التحتية العسكرية تبيين أنها لا تملك مقرات عسكرية خارجية بل خلافاً لذلك تجني قوتها من إكتساب مساحة النفوذ. بعبارة أخرى فإن الصين تذهب نحو إبعاد أمريكا على المدى البعيد وتصبح هي القوة العظمى. بسبب الحروب المتتالية في العراق وتخلفها عن ركب التطور تعتبر هذه الدولة مکاناً خصباً للإستثمار. وبسبب المزايا الجيوسياسية للعراق فإن لها دوراً أساسياً في مشروع "الحزام والطريق".
نبذة عن العلاقة التاريخية الصينية - العراقية
بدأت علاقة الصين بالعراق بعد ثورة 1958 وانتهاء الحكم الملكي وتعززت في سنة 1960 بعدما حصل العراق على السلاح من الصين وروسيا في حرب الأيام الستة وحرب يوم كيبور مع الكيان الصهيوني. فالكثير من الأسلحة تم شراءها من الاتحاد السوفيتي والصين. وفي عام 1980 حتى 1988 كانت الصين المصدر الأساس لتوفير السلاح لكل الأطراف. بالرغم من أن الصين كانت معارضة لغزو العراق سنة 2003 ولکنها ظهرت كأكبر مستثمر في مجال النفط العراقي. وفي سنة 2013 كانت الصين تشتري نصف حجم النفط العراقي المُصّدَر بمقدار مليون ونصف المليون برميل في اليوم وفي سنة 2015 دخلت العراق في تقنية الطائرات بدون طيار المسلحة، والمصنوعة في الصين. وفي سنة 2018 أصبح العراق ثالث مَصدر للنفط بالنسبة للصين وبقي التعاقد التجاري للطرفين على أساس المصالح المشتركة. فلم تقتصر الصين في استثماراتها على اكتشاف النفط، بل وعملت علی المصافي ومصانع الإسمنت ومراكز تصفية المياه. وهي الآن تعمل في مجال مواد البناء مثل شركة CITIC و (EPC) لبناء محطة الدورة المركبة في محافظة ميسان.
يمكن القول بأن الصين نجحت في العراق بفضل تقبل المخاطر والصمود والحظ الجيد والاحتراف في الدبلوماسية. فالصين تستفيد من أمور عدة منها: تقبل ظروف أصعب في مجال العمل والمثابرة، ولكنها تواجه عائقاً كالولايات المتحدة الأمريكية. فإن واشنطن عندما ترى الظروف ملائمة لعقد اتفاقية بين الصين والعراق تضغط على الحكومة العراقية وتضع العراقيل أمام تنفیذ المشاريع المشتركة بين بغداد وبكين. فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما وقّع عادل عبدالمهدي علی عدة عقود إقتصادية، وسياسية، وعسكرية، وأمنية في زيارته للصين، إشتعلت نيران المظاهرات في العراق وأدت إلى استقالة عبدالمهدي عن رئاسة الوزراء. تهدف هذه الدراسة للإجابة عن الإجراءات الأمريكية لتضعيف العلاقات الصينية-العراقية.
ج. العراق في خضم المعركة الاقتصادية بين أمريكا والصين
يعتقد بعض المتابعين للشأن العراقي بأن التقارب الصيني للعراق يأتي في إطار منافستها التجارية مع أمريكا ولذلك من جهة نشهد زيادة في عقود الطاقة بين بغداد وبكين في السنوات الأخيرة ومن جهة أخرى ترغب كل من العراق والصين بإلحاق بغداد في مشروع "الحزام والطريق"، والعديد من المحللين يعتقدون بأن الصين تسعى من خلال المشروع التأثير على مستقبل العراق وأن حضور أمريكا في هذا البلد يهدف لقطع الطريق على إنجاز هذا المشروع.
إشارات تدل على التقارب العراقي - الصيني
يعتبر العراق أحد أهم شركاء الصين في الشرق الأوسط، والأسواق العراقية مكتظة بالسلع الصينية. فكما أعلن "تشانغ تاو" سفير الصين في بغداد بأن حجم التعاملات التجارية بين البلدين بلغ ملیار دولار في سنة 2018. فالصين ثاني أكبر مستثمر في العراق وتعتبر بغداد ثاني مُصدر للنفط إلى الصين ورابع شريك تجاري للصين في الشرق الأوسط. قدمت الصين 11 ملیار دينار مساعدة لإعادة الاعمار في المناطق المتضررة جراء الحرب وفي سنة 2005 أيضاً قدمت مليون دولار لدعم العملية الديمقراطية في العراق.
_ لماذا يعتبر العراق مهماً بالنسبة للصين:
_ الضغوط الأمريكية: تسعى الصين الضغط على أمريكا من خلال بسط النفوذ الاقتصادي والتعامل مع النخب العراقية.
_ مشروع "الحزام والطريق": يعتبر العراق بحكم موقعه الجغرافي قلب الشرق الأوسط ونقطة إتصال أسيا بأوروبا وهذا ما يجعل العراق محط اهتمام الصين.
_ تصدير نفط العراق: أعلنت وزارة النفط العراقیة في أبريل 2018 عن عقد إتفاق مع الشركة UGE الصينية لتوسيع حقل سندباد النفطي، وأوكلت تطوير حَقلا الخانه والحويزة في محافظة ميسان إلى شركات صينية. يعتقد بعض المحللين أن الصين قد استبدلت نفط إيران بالنفط العراقي. تصرف الصين ملياري دولار سنوياً على شراء النفط والمرونة التي تتمتع بها الصين تجعلها من أكبر المستثمرين في هذا المجال في العراق.
_ سوق السلع الصينية: تُعتبر العراق بسبب قربها للصين مقارنة بأمريكا وأوربا، مكاناً مناسباً لعرض السلع الصينية.
_ تعزيز المكانة الدولية للصين: تساعد الصين على إرساء الاستقرار في العراق ضمن الحصول على مصادر الطاقة.
أهداف الصين من الاستثمار في العراق
تهدف الصين لإحياء مشروع "الحزام والطریق" عبر تطوير الموانيء وتحديث السكك الحدیدیة. يعتقد "مثني العبيدي" استاذ العلوم السياسية العراقي، بأن الصين تدرك مكانة العراق وأهمية هذا البلد بالنسبة لأمريكا وتستغل هذه الفرصة للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية. أضف إلى ذلك أن العراق يتمتع بإحتياطي عظيم من مصادر الطاقة واستخراج النفط يُعد سهلاً في هذا البلد مقارنة بباقي الدول.
"أحمد عبدالصاحب" خبير في مجال النقل يؤكد بأن الكثير من العراقيين وبعد خروج الأمريكیین سنة 2011 كانوا يفضلون العمل مع الصين بدلاً من أمريكا وبريطانيا.
فمن أهم الحقول النفطية العراقية التي يعمل فيها الصينيون بصورة فعالة هي حقل الأحدب في محافظة واسط وقد استثمرت الشركة الوطنية الصينية في هذا الحقل وتأتي في المرتبة الثانية حلفاية في العمارة وقد أمّنت شركة CNPC 50 بالمئة من إجمالي الاستثمار فيها.
تشارك الصین في حقل الرميلة النفطي والذي يُعد أكبر حقل نفطي في العراق مع شركة بريتيش بتروليوم البريطانية، ولكن الصين تمتاز عن منافسيها في تقديم خدمات أكبر للعراق. فنلاحظ بأن الميزانية لسنة 2021 ذكرت بأن الشرکات الصینیة تستثمر في بناء آلاف المدارس في جميع مناطق العراق وبناء عدة مستشفيات ب 100 سرير في المحافظات المختلفة وبناء أربعة آلاف وحدة سكنية في محافظة ميسان وإكمال عدد من مشاريع محطات الكهرباء في إطار إتفاقية النفط مقابل الإعمار.
باعتقاد عبدالحسن الشمري الخبير الاقتصادي فإن ميناء فاو لديه القابلية كي يتحول إلى معبر مهم في مشروع "الحزام والطريق" وتتحول البصرة إلى معبر مهم ومفصلي وتصبح أهم من دبي، لأن عمق الماء في هذه المنطقة يصل إلى 24 متراً بينما لا يتعدى عمق الماء في ميناء مبارك الاماراتي 16 متراً ويضيف الشمري بأن الصين تسعى للدفع بهذا المشروع كي يكون باستطاعتها نقل السِلع إلى ميناء فاو ومن ثم تكمل طريقها بواسطة السكك الحديدية من البصرة إلى تركيا ومن ثم إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط وأوروبا وبهذا تجني أرباحاً طائلة لها وللعراق. وبهذه الطريقة سيشهد الإقتصاد العراقي تطوراً لافتاً وستصل الحاجة إلى النفط إلى أدنى المستويات.
بناءً على الدراسات التي أجريت بشأن مشروع "الحزام والطريق" ستكون أرباح العراق في حال الالتحاق بمشروع طريق الحرير الجديد 20-60 مليار دولار في السنة. هذه الأرقام ستدفع إقتصاد العراق نحو التحسن وتقضي على البطالة والفقر.
إتفاق سنة 2019 بين العراق والصين والضغوط الأمريكية
قبل بدء الاحتجاجات أوكتوبر 2019 ذهب عادل عبدالمهدي في زيارة إلى الصين للتوقيع على اتفاقيات تعاون في المشاريع المالية، والتجارية، والأمنية، والإعمارية، والثقافة، والتعليم، والاتصالات. وإتفاقيات تعاون بين وكالة "تشينا شور" الصينية ووزارة المالية العراقية. وتم إبرام إتفاقيات في مجالات أخرى مثل: وكالة الفضاء والأقمار الاصطناعية الصينية وإتفاقية بين وزارة الداخلية العراقية والأمن العام الصيني وإبرام صفقة بناء مكتبة في جامعة بغداد والتوسع في مجال التعاون الثقافي. بناء على تلك الاتفاقيات المبرمة كان على بغداد بيع 100 ألف برميل نفط للصين وتُحفظ الأموال في صندوق مشترك، كي يتم توفير الضمان للاستثمارات الصينية في العراق بقيمة 500 مليار دولار. فكانت الإتفاقيات محط اهتمام اللجنة الاقتصادية في البرلمان وقد عبّر البرلمانييون بأن إتفاقية "النفط مقابل الإعمار" تحل مشاكل قطاع الإعمار وتساعد على بناء البنى التحتية وشبكة المياه والطرق والجسور، وتأسيس المستشفيات الكبيرة والمدارس والجامعات، والتطور في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا في مجال الزراعة والصناعة من ضمنها ميناء فاو.
الضغوط الأمريكية لإلغاء إتفاق بغداد-بكين
أشار "مهدي تقي أمرلي" عضو لجنة الدفاع في البرلمان العراقي إلى التحركات الأمريكية لمنع تنفيذ الإتفاقيات المبرمة مع الجانب الصيني. ويعتقد "حسن خلاطي" النائب عن تيار الحكمة بأن أمريكا غضبت بسبب ىالإتفاقية التي كانت تنص على تخزين الأموال في الصندوق المشترك بين العراق والصين ولم تكن لتودَع تلک الأموال في البنك الفيدرالي الأمريكي، لذا ساعدت الأخيرة في تأجيج الشارع العراقی المحتج على الفساد وهكذا دفع عادل عبدالمهدي ثمن زيارته للصين.
تعاون العراق مع الصين؛ دعم الناس ومعارضة أمريكا
بالرغم من الإجراءات الأمريكية لوضع العراقيل أمام بكين ولكنها في سنة 2020 إستطاعت أن تبرم إتفاقاً هو الأضخم في العالم بين 14 دولة أسيوية-أطلسية في إطار "آسيان"، والذي يضم أكبر إتفاقية في إطار مشروع "طريق الحرير" الاقتصادي العظيم. يؤكد الكثير من نواب البرلمان، والأحزاب السياسية، والمراقبون على ضرورة تنفيذ الإتفاقيات المبرمة مع الصين في حين أن الدولة العراقية لا تؤلي إهتماماً بهذا الجانب. وقد أشار السفير الصيني "شاو تاو" في إقليم كردستان بأن البعض لا يريدون تنفيذ الإتفاقيات المبرمة بين الصين والعراق. حينها أكد "احمد ملال طلال" المتحدث باسم مكتب رئاسة الوزراء العراقية فی نوفمبر 2020 بأن الإتفاقيات المبرمة مع الصين موجودة وبقوة والإتفاقيات الأخيرة مع مصر والسعودية أيضاً أضيفت إلى جدول الأعمال.
بالنسبة لتكهنات البعض بشأن أن تحل إتفاقيات التعاون بین العراق ومصر والسعودية محل الإتفاقيات مع الصين قال رئيس الوزراء العراقي مصطفي الكاظمي بأن لا شيء يأخذ مكان الإتفاقيات المبرمة مع الصين. مع كل هذه التأكيدات ولكن البعض ينتقدون تنصل المسؤولين العراقيين عن الإجابة على الدعوات الرسمية التي يقدمها السفير الصيني لهم لزيارة بكين ويؤكدون على أنهم وتحت الضغط الأمريكي لا يجيبون على تلك الدعوات. وفي لقاء لرئيس المجلس الأعلى العراقي الشيخ همام حمودي مع السفير الصيني أكد الشيخ همام حمودي على أن إجراء الأتفاقيات المبرمة مع الصين مطلب لكل العراقيين. وطلب رئيس المجلس الأعلى العراقي من الدولة العراقية الإقدام على تنفيذ تلك الإتفاقيات. وفي نفس الإطار أكد رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر على أن تنفيذ الإتفاقيات بين العراق والصين تعتبر إحدى السبل لتحسين الظروف في العراق.
يعتقد البعض بأن تهافت بعض الدول لإبرام الإتفاقيات مع العراق تأتي نتيجة الضغوط الأمريكية. فالولايات المتحدة الأمريكية وضمن مشروع "صفقة القرن" لا ترغب بتعاون حلفاءها مع الشرق. وتسعى جاهدة تغيير المسارات الدولية للطاقة بصورة تخدم المصالح الاسرائيلية لإفشال مشروع طريق الحرير الاقتصادي. تأتي التحركات الأمريكية في الشارع العراقي ومشروع قتل الناشطين بيد مجهولين أيضاً في نفس إطار منع الدولة العراقية التعاون مع الصين.
لماذا يتم الضغط على العراق لإلغاء الصفقة النفطية العظيمة مع الصين؟
تنص الصفقة النفطية المبرمة بين العراق وشركة "زيهوا" الصينية على أن يتعهد العراق ببيع 48 ملیون برمیل من 2021 حتی 2025 بسلفة قدرها 2 مليار دولار من قبل الصين. وبسبب الضرر الذي لحق بقسم كبير من الأعمال بسبب جائحة كرونا والأوضاع الاقتصادية المتردية لشريحة كبيرة من المواطنين وهبوط 11 بالمئة من الإقتصاد العراقي، كان البلد بحاجة ماسة لسلفة تلك الصفقة لتحسين الواقع المعيشي. مع هذا فإن الصين لن تستسلم للضغوط الأمريكية وستواصل العمل حتى الوصول لأهدافها في العراق.
أهداف الصين في العراق تتعدى النفط
إستطاعت الصين تحقیق مكاسب مهمة في العراق عبر طريقتين أساسيتين هما:
_ إتخاذ سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية العراقية.
_ التأكيد على الاستعداد لاتخاذ "خطوة للخلف وخطوتين للأمام".
مثلما حدث في حقل أحدب النفطي في الجنوب في سنة 1997، فكان الجميع يعتقدون بأن الصفقة غير مربحة ولكنها حققت أرباحاً باستخراج 120 ألف برميل يومياً.
ل. إلغاء الصفقة أو تعلیقها؟
إلغاء الصفقة النفطية إذا تم فسيتم بناء على 3 أسباب:
_ التغيرات في الأسواق النفطية العالمية؛ إذا لاحظ الطرف العراقي بأن السعر المتفق عليه لا يتماشي مع الزيادة الحاصلة فی الأسواق العالمیة.
_ السبب الثانی یعود لنوایا أمریكا بشأن علاقاتها مع الصین، فلا يُتوقع أن تلجأ الإدارة الأمريكية الحالية بتطوير علاقاتها مع الصين. وبما أن الصين لا تستطيع مساعدة العراق في القضايا الأمنية بسبب سياستها الحيادية اتجاه الموضوع فإن بغداد لا تريد تطوير علاقاتها مع الصين على حساب الولايات المتحدة التي تزعم بمساعدة العراق في القضايا الأمنية.
_ السبب الثالث هي روسيا التي لديها مصالح إستراتيجية بشأن النفط العراقي وبسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية بعد جائحة كرونا والعقوبات المفروضة علیها، ترغب موسكو بزيادة تصدير نفطها للصين وبغداد أيضاً لا ترغب بتوتر في علاقتها بروسيا التي تؤمّن منها السلاح.
ما السبب وراء القرار المفاجيء للكاظمي باستئناف الإتفاقيات المبرمه مع الصين؟
بعد ثلاثة أيام فقط من توقيع إتفاق التعاون الموسع لمدة 25 عاماً بین إیران والصین أصدر الكاظمي قراراً بتنفیذ الاتفاقیات الموقعة بین العراق والصین، مما أوجد تساؤلات بشأن هذا القرار ومن غیر سابق إنذار؟!
الأوضاع العراقیة المرتبکة والأیادی الأمریکیة ودول الخلیج
جمهوریة الصین الشعبیة وفی ظل الأوضاع السیاسیة العراقیة المرتبکة بسبب الدیون المتفاقمة عملت علی حل قسم کبیر من مشاکل العراق، ولکن تجمید تنفیذ الاتفاقیات مع الصین خلق شكوك حول دور أمريكا فی عرقلة تنفیذ تلک الصفقات. فلا تستطیع أن توقف بغداد تنفيذ صفقة النفط مثلاً بحجة أن قيمتها قد ارتفع بعد مضي عامين على إبرام الاتفاق لأن الأرباح العائدة من خلال هذه الصفقة كفيلة بحل قسم لا يُستهان به من المشاكل مثل تأمين رواتب موظفي الدولة.
دول الخليج فارسي الصغيرة في الجغرافيا والكبيرة في التآمر
إبرام أتفاق بقيمة 500 مليار دولار بين الصين والعراق يُعد انهياراً لأسواق دول الخليج الفارسي. فالفضاء السياسي العراقي كان مُلتهباً بعد عقد تلك الصفقات وبعد مُضي عامین من تلك المرحلة إتضح الدور الأمريكي في تلك الأحداث. بالطبع فبعض وسائل الإعلام حاولت إلصاق الإتهامات الموجهة لأمريكا إلى إيران ولكن بعدما انجلى غبار تلك الأيام بانت التحركات في الساحة العراقية على حقيقتها.
سيتم تنفيذ إتفاقية العراق مع الصين في 2021
تعهد مستشار المالية لرئيس الوزراء العراقي "محمد صالح" بتفنيذ الاتفاقية الصينية-العراقية التي مدتها 20 سنة في العام 2021. فی حال تمت الموافقة على قانون المیزانية والمادة المتعلقة بالتأمين المالي لهذه الاتفاقية فسيتم إجراء بنود الاتفاقية في العام الجاري. تتطلع الصين إلى زيادة مبيعات نفط العراق للصين إلى 500 برمیل یومیاً. مع هذا کله فإن بعض النواب یتعقدون بأن أمریكا لا تدع حكومة الكاظمي تهنأ بتنفیذ الاتفاقیة المبرمة مع الصین. وفی هذا الإطار قال "ریاض المسعودي" نائب فی البرلمان العراقي عن تحالف سائرون بأن الكاظمي قد اقترض من الصندوق المشترك مبلغ ملیار دولار ولم یبق سوی 100 مليون دولار في الصندوق.
كانت أمريكا خلال 150 سنة الماضية القوة العظمى في العالم. وبعد الحرب العالمية الثانية أصبحت تمثل نصف الاقتصاد العالمي. ومن ثم حدث الانهيار في الاتحاد السوفيتي وتحولت إلى القوة الوحيدة في العالم والتي تتدخل في شؤون الدول متى ما تشاء.
ولكن شهدت الولايات المتحدة تصدعاً غير مسبوق في عهد ترامب وتوالت الخسائر الاقتصادية ولم تستطع الحفاظ على المكانة التي كانت تتمتع بها في العالم. وتقدمت الصين على أمريكا في المجال الاقتصادي فسقطت إلى المرتبة الثانية. وبالرغم من محاولات الولايات المتحدة لتضعيف الصين ومنعها من أن تكون القوة الأولى في العالم إلى أن الكثير من المحللين يعتقدون بأن العالم على أعتاب عهد یقبل بالصين القوة الأولی في العالم.
الكاتب: غرفة التحرير