خلال الحرب على سوريا لم يترك الأميركي جبهة إلّا وفتحها من أجل الوصول إلى غاياته في تفكيكها، ولذا عندما نعيد قراءة الحوادث في الجنوب السوري، يتبين لنا أنها كانت جزءاً لا يتجزء من محاولات لإنهاء سوريا كما كنا نعرفها، خدمة لمشروع برنارنارد لويس الذي وضع في عام 1954. ويقضي بإعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط على أساس إثني وطائفي من أجل السيطرة عليها.
وعليه فإن إعادة إحياء مشروع تقسيم سوريا إلى أربع دول، اثنتين سنيتين: دولة دمشق ودولة حلب، وواحدة علوية: دولة اللاذقية، والرابعة درزية: وهي دولة السويداء أو دولة جبل العرب، يتضح ان معاناة السويداء لم تقل صعوبة عن معاناة درعا واللاذقية ودير الزور والحسكة وحمص أو أية منطقة في سوريا مهما صغرت أو كبرت.
أن من وضع هذا المخطط محنك ماكر، درس وضعية كل منطقة و مدينة، ولكن ما لم يدركه، أن الحوادث بخواتيمها، وأن الصدمات لا تستمر طويلاً وتمتص من قبل شعبنا، ومن ثم يبدأ النهوض من جديد، في الوقت نفسه، فإن هذا يدل على أن أهل سوريا كانوا فعلياً يعيشون حياة مريحة وسهلة، ولم يكن في تقديرهم يوماً أن ما حدث سيحدث! وأن هناك من يتأبط الشر وراء الكواليس! وأنّ بعضاً من أهاليهم سيكونون بهذه الوحشية والطمع والغباء، وهذه حقيقة وللأسف.
السويداء من المدن السورية التي تعرضت للكثير من المآسي خلال الحرب، وحملت وبالاً عليها ذو طابع خاص، اذ كان هناك لعب قذر على المستوى الطائفي أدارته "اسرائيل" بشكل مباشر. فالأغلبية الساحقة في السويداء هم من الطائفة الدرزية، التي تعرضت للتلاعب على المستوى الديني والسياسي، وارتبطت غرفة عمليات الإرهابيين "الموك" ب"اسرائيل" بشكل مباشر. وتم التغرير ببعض "الزعران"،كما يعرفهم اهالي المنطقة، عبر ربطهم بعملاء في شمال فلسطين.
إن موقع السويداء الجغرافي الواصل ما بين مدينة درعا وقاعدة التنف على الحدود الأردنية- السورية- العراقية يكسب المحافظة أهمية استراتيجية، حيث كان المطلوب تشكيل حزام متماسك يحيط بالأراضي السورية المحتلة، ابتداء من الحمة السورية وجبل الشيخ حتى أراض الجولان المحتل، ولهذا السبب كان هجوم المجموعات الإرهابية على قوات الأوندوف UNDOF وخطف عدد من قواتها عام 2013 من نقاط تمركزها في الجولان، وذلك بهدف إخلاء الساحة لهم.
ولو أنّه قدر للمجموعات الإرهابية كسب السويداء إلى صفها فعلياً كما أشيع حول موقف أهل السويداء المتأرجح، لوقعت دمشق في براثن الحصار، لكن هناك عاملين أساسيين لعبا دوراً هاماً في نسف الخطط الموضوعة، وهما صمود الجيش العربي السوري، ورفض السويداء أن تكون المطية لهزيمة الوطن من خلال اللعب على الوتر الطائفي. النقطة الأولى باتت واضحة المعالم، ولمس دور الجيش بمساعدة الحلفاء في تحرير أكثر من 80% من الأراضي التي احتلها الإرهابيون، والذي صمد من العام 2011-2015 إلى جانب المقاتلين من المقاومة الإسلامية اللبنانية، دون أن ينهار أو تتزعزع عزيمة أفراده، والخيانات التي حدثت لا تذكر بالنسبة لحجم جيش كما الجيش السوري.
وأما النقطة الثانية المتعلقة بدور السويداء في إفشال مشروع الحزام الممتد إلى التنف، وأشار مصدر ميداني من المدينة، لم يغادرها وقاتل لحمايتها طوال فترة الحرب، الى أهمية السويداء في خطة المشروع الصهيوني وقال: "الأهمية الأولى، هي في موقع السويداء على الحدود الأردنية ومجاورتها لمحافظة درعا، ولذا فهي ضرورية بسبب موقعها الجغرافي. اذ تشكل حلقة وصل ما بين النصرة في درعا غربًا، وما بين داعش في التنف شرقًا، وعائقًا في الهجوم على دمشق من شمال المحافظة. والعامل الثاني، هو العامل الطائفي، فغالبية أهل السويداء من الموحدين الدروز، وتواصلهم مع دروز فلسطين المحتلة، ودروز لبنان وحضر السورية والجولان، يشكل باعتقاد الصهاينة حزاماً حدودياً بشرياً يمكن أن يحميهم من أي حروب تقام ضدهم من سورية ولبنان، حزام يشبه جيش لحد اللبناني".
ويضيف المصدر، أن غالبية الأهالي فهمت المشروع ووقفت مع مشايخ العقل الوطنيين والمعروفين في المحافظة منذ ما قبل أزمة 2011. كما فندوا الإشاعات الكاذبة ورفضوا مظاهر التسليح والردة الدينية المشبوهة. هذا الفهم وخروج السويداء من المشروع الصهيوني دفعت ثمنه حيث تعرض أبناؤها للخطف والقتل وللمجازر الجماعية على يد الإرهابيين، وكان آخرها مجزرة العام 2018.
في تموز/ يوليو 2012 بدأ هجوم الجماعات الإرهابية المسلحة نحو دمشق، حيث استطاع الجيش ومعه حزب الله صدّ الهجوم عن العاصمة. فجاء القرار في غرفة عمليات الموك في الأردن، بحصار دمشق وفتح ممر من درعا إلى التنف، عبر السويداء، حيث يتواجد ارهابيو داعش في البادية السورية. وبدأت خطة تنفيذ الحزام الجنوبي في حزيران/ يوليو 2015. وبدأت معها محاولات إرهابيي النصرة عبر احتلال مطار الثعلة الواقع على حدود مدينة السويداء، (يبعد 10 كيلو متر عن مركز المدينة)، بعد احتلال موقع اللواء 52 الواقع في بلدتي الحراك ورخم، التابعتين لمحافظة درعا والمتاخمتين للمطار.
خلال معركة حماية مطار الثعلة، آزر أهل الجبل بشيبه وشبابه ونسائه الجيش، وصدوا العدوان فالمطار، كان نقطة استراتيجية هامة انطلقت منه الطائرات التي تقصف الإرهابيين بعد فقدان الكثير من القواعد الجوية بدرعا. ولو أن المطار سقط لسقطت السويداء، ولتمت محاصرة دمشق من شرقها وجنوبها وغربها.
خلال المعركة حاول بعض العملاء في المدينة التدخل لإرباك القوات السورية وخلق فتنة، اذ تراجعت دبابات الجيش استراتيجياً بهدف التموضع بحيث يصبح العدو في مرمى نيرانهم. وخلال مرحلة التمركز الجديد تدخل فصيل عميل لمنع الدبابات من التراجع، وبدء بتأليب الأهالي وكيل الإتهامات والادعاء أن تراجع دبابات الجيش هدفه التخلي عن المدنيين والهرب، إلّا أنّ أهالي السويداء، منعوا الفصيل من توقيف الدبابات لتعود وتتابع عملها، وبذلك أثبتوا بأنهم حماة للجيش في معركته.
وأضاف المصدر الميداني، أن المحاولة الثانية كانت في تاريخ 25/7/2018 عندما جاء الأمر لمجموعة من الإرهابيين بإشغال أهل السويداء بتفجيرات ضمن المدينة. وفي غمرة تلبك أهل المدينة بلملمة ضحاياهم وجرحاهم، تقوم قوات داعش بمهاجمة المدينة عبر القرى الشرقية: الشريحي، الشبكي، رامي، رشيدة، وغيرها، فتنبه الشهيد الشاب "يامن أبو عاصي"، أن هناك إرهابيًا يتزنر بعبوة وأراد تفجيرها في وسط سوق الخضار في ساعة الذروة، فرمى بنفسه فوق الإرهابي ليحمي من في السوق من كارثة محدقة.
يومها حصلت عدة انفجارات في المدينة: في دوار الشنقة وآخر في شارع النجمة، وقبض الأهالي على انتحاري آخر قرب حي الجلاء، حيث لاحقوه من بناية الى أخرى، الى ان فجر نفسه خارج المكان المستهدف، ولم تأت التفجيرات بنتائجها المرجوة.
تبعد القرى الشرقية المستهدفة حوالي العشرين كيلو متر عن مركز المدينة، ولذا فقد تمكن الإرهابيون من أسر بعض العائلات، قبل وصول المقاتلين الوطنيين، واقتادوا 14 امرأة، و16 طفلاً وعددًا من الشباب، باتجاه التنف والزلف عبر البادية، والتي تعد مناطق وعرة، ومن لم يستطع السير قاموا بقتله.
هذه الحوادث المتكررة كانت دليلاً على أمرين: الأول، أن السويداء دافعت عن نفسها وعن الوطن بأكمله، لأن الناس كانوا على بينة من المخطط الكبير، والثاني، أنهم بعد كل حادثة كانوا يصدرون البيانات بانتماءهم للدولة، ورفض قطع طريق السويداء – دمشق، الذي من شأنه عزلهم عن الوطن وربطهم بالنصرة غرباً في درعا، وداعش التنف شرقاً، وغرفة الموك جنوباً.
بدأت محاولات داعش منذ العام 2016 لقطع طريق مطار خلخلة العسكري الشهير عبر هجوم من منطقة كوع حدر في قرية لاهثة، وهي أقرب نقطة للنصرة غرباً وداعش شرقاً، بعد محاولات عدة، فشل الإرهابيون بقطع هذا الطريق بالتعاون ما بين الأهالي والجيش.
بالتأكيد، ترافقت المحاولات المتكررة من أجل السيطرة على السويداء وضمها إلى أصدقاء "إسرائيل"عبر خطط وضعتها غرفة الموك الشهيرة. محاولات استخدم فيها الدين والمال والترغيب والترهيب، ونشر الإشاعات حول المدينة ونزعتها الإنعزالية عن الجيش والتجنيد ومقاومة الإرهاب. ولكن كان الواقع مختلفًا، فسويداء "سلطان باشا الأطرش" ماتزال تعيش في ضمير أهلها، ومجزرة القريا، بلدة الثائر الكبير، والمجازر التي ارتكبت، تحمل قصصاً وخبايا وطن لابد أنها ستكشف تباعاً. فيما تنتظر المحافظة اليوم تحرير درعا، لأنه بتحريرها سيقطع الحبل السري بين العصابات المسلحة وقوات الاحتلال الاسرائيلي، وشيوخ الفتنة في المدينة، لتتفرغ الدولة بعد ذلك للجماعات الإرهابية.
الكاتب: عبير بسّام