إذا هو انسحاب مذل لجيش الاحتلال الأمريكي من أفغانستان، الذي لم يكسب من حرب ال 20 عاماً سوى الهزيمة الكبرى، ولتتثبت مرة بعد أخرى مقولة أن هذا البلد هو مقبرة الغزاة والإمبراطوريات، كما أكد على ذلك الرئيس الأمريكي "جوزيف بايدن". فأمريكا التي ظنت أنها قادرة على غزو هذا البلد، والبقاء فيه وتهديد الدول المجاورة وعلى رأسهم إيران، لم تستطع الصمود أمام ضربات وعمليات المقاومة، التي كانت حركة طالبان ركناً أساسيا فيها، والتي حصلت على دعم عسكري كبير من الجمهورية الإسلامية من أجل أداء هذا الدور.
فعلى الرغم مما كان بين الجانبين من تصادم عنيف، كاد أن يصل الى حدود الاشتباك المباشر في العام 1998 (إثر قتل الدبلوماسيين في قنصلية مزار شريف)، إلا أن ذلك لم يمنع طهران من تقديم الدعم لطالبان في مقاومتها للوجود الأمريكي بكل ما أمكن، وفق القاعدة الإستراتيجية الثابتة عندها: تقديم الدعم لكل جهة صادقة تقاتل الاحتلالين الأمريكي والاسرائيلي في المنطقة، مهما اختلفت عقيدتها وثقافتها، والأمثلة على ذلك كثيرة.
20 سنة من العلاقات الإيجابية
كما ذكر سابقاً، تبدلت أحوال العلاقة، منذ بدء الغزو الأمريكي لأفغانستان وسقوط حكم طالبان عام 2001، وكانت الحركة بحاجة للدعم والتسليح وفرض الأمن بمناطقها، بالإضافة الى الحاجة الماسة للاقتصاد في ظل أوضاع معيشية صعبة، فوجدت في الجمهورية الإسلامية ضالتها وحاجتها، وشكّلت متنفسًا وعاملًا مساعدًا لها، ومدت إيران يد العون والمساعدة للشعب الأفغاني لا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة طالبان ما انعكس ارتياحًا وتطويرًا للعلاقات، حيث قام الجانبان بالعديد من الأمور التي ساهمت في هذا التحسن والتطور في العلاقة بينهما من خلال:
_ استقبال إيران وتسهيل لجوء آلاف العوائل الطالبانية خلال الحرب، في منطقة سيستان وبلوشستان تحديداً.
_ التحول في موقف الحركة من الفكر التكفيري (المتأثر بالفكر السلفي والوهابي) ودعم الجماعات الإرهابية مثل القاعدة والأفغان العرب ولاحقاً داعش، بحيث لم تعد تسمح بوجودهم في مناطقها، وكان آخرها طردهم 300 عنصر من داعش كان الأميركيون استقدموهم الى منطقة جلال آباد.
_ دعم إيران للحركة عسكريًا، في تنفيذ العمليات ضد الوجود الأمريكي: فهناك عدة تقارير للكونجرس تتحدث عن هذا الدور، إضافة للبنتاغون والمسؤولين والقادة العسكريين، بمن فيهم ديفيد بترايوس ووزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس، وعلى الأخص في مقاطعات "فرح" و"نيمروز" و"هرات".
_ إعلانهم للعديد من المواقف والبيانات الداعمة للقضية الفلسطينية، خصوصاً بيانات يوم القدس العالمي (الذي دعا اليه الامام الخميني الراحل) لا سيما في السنوات الأخيرة.
_ بيان النعي الذي صرح به المتحدث باسم الحركة "ذبيح الله مجاهد"، حين استشهاد اللواء الحاج قاسم سليماني، والذي حذرت فيه أمريكا من عواقب "المغامرة الكبرى"، ولاحقاً تم اسقاط طائرة استخبارات عسكرية أمريكية من طراز E-11A، فأعلنت الحركة عن مسؤوليتها عن ذلك، ما اعتبر يومها مشاركة من الحركة في عملية الانتقام للشهيد سليماني.
_ تجاوب الحركة مع المبادرات الإيرانية، للحل وإقامة الحوار الأفغاني الداخلي، لمناقشة مصير البلاد ما بعد الانسحاب الأمريكي.
_ تقارب البلدين جغرافياً وقومياً:
ففي إيران هناك 3 محافظات تحاذي أفغانستان:
1)خراسان رضوي.
2)خراسان جنوبي.
3)سيستان وبلوشستان.
ومن الناحية القومية فإن طالبان هي من الأصول البلوشية، التي تعتبر من القوميات الإيرانية، مع الإشارة الى أنه يتواجد في إيران أكثر من 4 مليون بلوشي في بلوشستان، أكثريتهم من المذهب الحنفي، وفيهم أيضاً نسبة من الطائفة الشيعية، بالإضافة الى إيواء إيران اكثر من مليون أفغاني خلال السنوات الماضية.
قوة القدس والعميد قآاني أساس العلاقات مع أفغانستان
تتحدث العديد من التقارير الإعلامية، أن قائد قوة القدس العميد إسماعيل قآاني، كان له المكانة والدور المؤثر، في صنع العلاقات مع الحركة وفي أفغانستان بشكل عام، فهو تسلم قيادة فرع القوة في هذا البلاد (قاعدة الأنصار في مشهد)، نظراً لعلاقته الوثيقة بالأفغانيين، خلال عمله في "لواء الرضا "21 ، واللواء الخامس "نصر"، واستمر الحاج قاآني بهذه المسؤولية حتى عندما كان نائب قائد قوة القدس، فقد جرى مؤخراً الكشف عن أحد جوانب أدواره ووجوده، من خلال الزيارة التي قام بها الى مدينة "باميان" صيف العام 2018، وأخرى من خلال التحاقه بوفد رئيس المجلس الأمن القومي علي شمخاني خلال زيارة الأخير لباكستان.
الكاتب: غرفة التحرير