برغم من أن طبيعة عمل الأجهزة الاستخباراتية، تطلب الكتمان والشك في أي جهاز استخباراتي آخر، إلا ان هنالك ظروف تتطلب تعاوناً وتحالفاً فيما بين هذه الاجهزة، لتحقيق أهداف مشتركة، محددة لكن ليست مطلقة. وهذا ما هو عليه الحال، في واحد من أخطر وأكبر التحالفات الاستخبارية في العالم، الذي يدعى بتحالف "العيون الخمس".
خمسة عيون لكن لغة واحدة
في أربعينات القرن العشرين، خلال مرحلة بدايات الحرب الباردة، تشكل اتحاد استخباراتي سري في العالم، يجمع أجهزة كلاً من: الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا، كندا، أستراليا، ونيوزيلندا. عرف هذا الإتحاد بتحالف "الأعين الخمس"، المنبثق من اتفاقية “UKUSA" الأمريكية البريطانية، للتعاون في مجال التجسس. مع تركيز في البداية على التعاون المشترك في استخبارات الإشارات، بهدف معرفة كيفية اختراق الجواسيس الروس.
وتطورت وسائل تجسس هذا التحالف، لتشمل التنصت على المكالمات الهاتفية، ورصد الرسائل المشفرة ومراقبة الأقمار الصناعية عبر نظام "إيكيلون". الذي كان يعمل بشكل سري وغير قانوني، على جمع بيانات ومعلومات الدول والأفراد والمؤسسات الخاصة، قبل أن يكتشف أمره في التسعينيات.
وتطورت لاحقاً (في العام 2001) إمكانيات "إيكيلون" في التجسس، لتشمل مهام مراقبة الإنترنت، عبر برامج رقمية وأخرى كهرومغناطيسية عالية الدقة مثل برنامج "تمبست - الزوبعة"، الذي يخترق جدران المباني، ويستطيع مراقبة الحواسيب والتقاط صور شاشاتها، كما أنه يستطيع تسجيل وتحليل نقرات لوحة مفاتيح.
كما اعتمد هذا التحالف لاحقاً، على برامج دقيقة للغاية مثل نظام "فلوينت" للترجمة الفورية، ونظام "أويزيس" لتحويل الأصوات إلى كتابة. وعلى الرغم من ذلك، استطاعت مواقع التنظيمات الإرهابية أن تعمل بحرية، وبواسطة مزودات من دولة راعية للأعين الخمس، ألا وهي الولايات المتحدة الامريكية!!
سبعة عقود من الأسرار الدفينة
_ نشأ هذا الحلف في آب 1946 بين أمريكا وبريطانيا وانضمت لهما أواخر الخمسينيات كلاً من كندا وأستراليا ونيوزيلندا.
_ اللغة الرسمية في هذا الحلف هي الإنكليزية، ولا يقبل انضمام أي دول أخرى اليها غير ناطقة بالإنجليزية.
_ بقي وجود هذا الحلف طي الكتمان حتى شهر آذار من العام 1999، حينما أقرت أستراليا أن جهاو مخابراتها يتعاون مع نظرائه من الأجهزة خارج أستراليا، تحت إطار اتفاقية (UKUSA). وتوضحت الأمور لاحقاً عام 2013، حينما سرب المتعاقد السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية "ادوارد سنودن"، عدداً من الوثائق التي حصل عليها أثناء عمله تكشف وجود رقابة حكومة واشنطن السرية لأنشطة المواطنين على الانترنت، وكشفت أيضاً عن وجود تحالف مشاركة استخباراتي دولي، ينشط منذ سبعة عقود كاملة.
_لدى التحالف اتفاقيات شراكة مع عدة بلدان، ينظر إليها على أنها شريك لكن كطرف ثالث لتبادل المعلومات الاستخبارية. لذلك فإن من هذا التحالف انبثق تحالفات أخرى:
1)العيون التسع: الذي يضم إلى جانب الدول الخمس كلًا من الدانمارك، وفرنسا، وهولندا، والنرويج.
2)العيون الأربع عشرة: يضم الدول التسع بالإضافة الى ألمانيا، وبلجيكا، وإيطاليا، وإسبانيا، والسويد.
3)أما تحالف الـ 41 عينا: فيضم عدداً مهماً من الدول الأخرى من ضمنها أفغانستان.
_ وهنالك العديد من الدول التي تتعاون مع هذه التحالفات منها كيان الاحتلال الإسرائيلي واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل، تستعيض عن العضوية الدائمة ففي هذه التحالفات، بعلاقتها الإستراتيجية والوظيفية بأمريكا، التي لا تقتصر على الجوانب الإستخباراتية، بل تتعداها الى مختلف الجوانب وأهمها عسكرياً.
_ لا يتشارك هذا التحالف معلوماته مع أي مؤسسة أو دولة خارج التحالف، مهما كانت العلاقة معه استراتيجية مثل الناتو أو الدول كفرنسا مثلاً، إلا في حالات انتقائية.
_ يضم التحالف المؤسسات الاستخباراتية التالية:
1)وكالة الأمن القومي الأميركية (NSA).
2)القيادة العامة لاتصالات حكومة المملكة المتحدة.
3)مؤسسة أمن الاتصالات الكندية.
4)المديرية الأسترالية للإشارات.
5)مكتب أمن اتصالات الحكومة النيوزيلندية.
_ يتركز عمل التحالف على:
1)جمع المعلومات في منظومات الاتصال المختلفة.
2)الاستحواذ على تسجيلات الاتصالات والوثائق والمعدات.
3)تحليل حركة الاتصالات والشفرات والرموز، وفكها وترجمتها.
4)بناء بنك معلوماتي شامل عن المؤسسات العاملة في مجال الاتصالات في كل البلدان.
_ لهذا التحالف شبكات تعاون كبيرة ومعقدة، مع العديد من الأجهزة الإستخباراتية والأمنية في العالم، عبر التجنيد أو عبر توقيع اتفاقيات التعاون.
_ يعتمد على شبكة "إيكيلون" للتجسس على الاتصالات، التي تتم عبر مختلف أنواع الأجهزة: الهواتف السلكية واللاسلكية، بالإضافة إلى جميع أجهزة الاتصال عبر الأقمار الاصطناعية.
كما تتحدث بعض التقارير أن لشبكة "إيكيلون"، أجهزة مثبتة على كوابل نقل الإنترنت الموجودة في قعر البحار، تتيح لها مراقبة جميع الأنشطة على الإنترنت، وذلك في محطات رئيسية يديرها التحالف بشكل مباشر في: الولايات المتحدة – بريطانيا – البرازيل – ألمانيا – الهند – تايلاند – اليابان – عمان – كينيا – أستراليا – نيوزيلندا - قبرص.
كل وسائل الاتصالات غير آمنة
بعد التعرف على هذا التحالف، نستطيع الوصول الى خلاصة مهمة مفادها، أن وسائل الاتصالات بمختلف أنواعها، هي محل مراقبة العديد من الدول، التي لها مصالح استعمارية وأهداف عدائية ضد منطقتنا. لذلك فإن على شعوب هذه المنطقة (خصوصاً شعوب محور المقاومة)، الحذر والانتباه في تعاملهم مع مختلف أنواع أجهزة الاتصالات، لكي يمنعوا هذه الأجهزة الاستخباراتية من تحقيق أهدافها، ولكيلا نقدم لها الخدمات والمعلومات من حيث لا ندري.
الكاتب: غرفة التحرير