الخميس 25 أيلول , 2025 11:38

نجاح الاستهداف اليمني لإيلات: رسائل إلى الجوار قبل الكيان

مع كل هجوم جديد تنفذه صنعاء على عمق كيان الاحتلال، يتضح أن المسافة لم تعد عائقاً، وأن المنظومات الدفاعية التي طالما جرى الترويج لها باعتبارها حصناً منيعاً باتت عاجزة عن ان تكون كذلك. العملية الأخيرة التي استهدفت مدينة إيلاتفي فلسطين المحتلة بطائرة مسيّرة وأوقعت إصابات مؤكدة وأضراراً مادية ليست حدثاً استثنائياً، بل امتداد طبيعي لمسار بدأ منذ أواخر عام 2023، حين قررت صنعاء الانخراط المباشر في جبهة الإسناد لغزة.

منذ إعلان هذه الجبهة، تنوّعت أشكال الاستهداف من عمليات بحرية في الممرات الإستراتيجية إلى هجمات جوية بعيدة المدى. ومع أنّ الاتفاق المؤقت مع واشنطن أوقف الضربات في البحر، فإن العمليات ضد كيان الاحتلال استمرت. ضرب إيلات لا يمكن عزله عن هذا السياق؛ فهو يعكس قراراً سياسياً وعسكرياً واضحاً لدى صنعاء باستمرار الضغط على تل أبيب بوسائل متدرجة، تربكها وتضعف صورتها الردعية.

الإخفاق الإسرائيلي في إيلات يعيد التذكير بعجز القبة الحديدية ومنظومات الرصد عن التعامل مع التهديدات القادمة من اليمن. فالمسيّرة، رغم المسافة الطويلة التي قطعتها، استطاعت التحليق على مستوى منخفض فوق البحر والوصول إلى هدفها. ورغم إطلاق صواريخ اعتراض، فإن العملية انتهت بفشل مزدوج. اللافت أن هذا السيناريو تكرر في عمليات سابقة، ما ينفي صفة "المفاجأة" ويؤكد أن المشكلة بنيوية في منظومة الدفاع، لا مجرد حادث عابر.

يواصل الاحتلال الترويج لفاعلية منظومته الدفاعية بنسبة تقارب 95%، لكن المراقبة الدقيقة تكشف أن نجاحها ضد الصواريخ لا يتجاوز 60%. أما في مواجهة المسيّرات المطورة، فتتراجع الكفاءة أكثر. هذه الطائرات الصغيرة نسبياً باتت تعتمد على أنظمة مزدوجة للقيادة، تجمع بين الطيار الآلي والتوجيه الأرضي، ما يمنحها قدرة على المناورة وتغيير المسار، ويجعل اعتراضها مهمة معقدة. مع كل عملية جديدة، تتضح الهوة بين الدعاية العسكرية والواقع الميداني.

تكمن ركائز نجاح عملية إيلات في برنامج تطوير متدرج عملت عليه صنعاء طوال سنوات الحرب. سلسلة طائرات "صماد" هي المثال الأبرز على هذا التطور، حيث انتقلت من نماذج أولية محدودة الإمكانيات إلى نسخ بعيدة المدى عالية الدقة قادرة على الإفلات من الرادارات. المسيّرة الأخيرة برهنت أن هذا المسار مستمر، وأن صنعاء باتت تملك خبرة كافية لإيجاد حلول تقنية تمكّنها من تجاوز حتى أكثر المنظومات تطوراً.

من الناحية الإستراتيجية، تشكّل هذه العمليات مصدر قلق متزايد لقيادة الاحتلال. فالجبهة الداخلية تعيش أصلاً تحت ضغط العمليات العسكرية التي لا تحقق أهدافها، وإضافة تهديد قادم من اليمن يزيد العبء على المؤسسة الأمنية. ما هو أخطر أن هذه الهجمات لا تستنزف المنظومات الدفاعية فحسب، بل تضرب صورة الردع التي تقوم عليها شرعية الخطاب الأمني الإسرائيلي. ومع كل اختراق جديد، يتعمق الفارق بين خطاب الطمأنة الرسمي والواقع الذي يعيشه الجمهور.

الرسائل التي تحملها عملية إيلات لا تتوقف عند حدود فلسطين المحتلة. فهي تعكس تحوّل اليمن إلى فاعل إقليمي مؤثر قادر على تجاوز جغرافيته المحلية وإيصال صوته العسكري إلى ساحات بعيدة. فيما تأتي الاشارات التي توصلها نجاح المسيرات إلى الدول المجاورة لها، في مقدمة ما تريده صنعاء. خاصة وأن المنطقة قد وصلت إلى نقطة من الغليان باتت فيها كل الاحتمالات مطروحة، وقد ذكّر قائد حركة أنصار الله بذلك، تحديداً بعد أن اختارت الميليشيات المدعومة من الخارج أن تقف جهاراً إلى جانب كيان الاحتلال في هذه المعركة.

ضربة إيلات هي حلقة جديدة في سلسلة عمليات تؤكد مسارين متوازيين: تصاعد القدرات اليمنية من جهة، وتراجع فعالية الردع الإسرائيلي من جهة أخرى. وبينما يحاول الاحتلال الحفاظ على صورته كقوة متفوقة قادرة على حماية عمقه، تثبت الوقائع أن هذه الصورة تتآكل تدريجياً. لا يبدو أن إيلات ستكون المحطة الأخيرة، بل مؤشر على مرحلة طويلة من الاستنزاف المتبادل، حيث تفقد إسرائيل تدريجياً قدرتها على الادعاء بالسيطرة الكاملة على سمائها وأمنها الداخلي.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور