في قلب الصراعات الكبرى، تبرز مفاهيم قادرة على إعادة تعريف موازين القوى، ليس بالقوة المادية، بل بقوة العقيدة. ومن بين هذه المفاهيم، تحتل "الشهادة" مكانة مركزية في العديد من الثقافات والأديان، لكنها تكتسب في الفكر الشيعي المعاصر، وخصوصًا في سيرة وخطاب سيد شهداء الامة، السيد حسن نصر الله، بعدًا وجوديًا ووجدانيًا فريدًا يتجاوز مجرد التضحية بالنفس ليبلغ مرتبة "العشق". هذا المصطلح، المشحون بالدلالات الروحية، ليس مجرد خيار لغوي، بل هو مفتاح لفهم منظومة فكرية متكاملة استطاعت أن تبني حركة مقاومة وتدير صراعًا ممتدًا لأكثر من أربعة عقود في واحدة من أكثر مناطق العالم تعقيدًا.
منذ انطلاقة المقاومة الإسلامية في لبنان في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، تشكّل خطاب السيد نصر الله، الذي تسلم قيادتها عام 1992، ليصبح ليس فقط استراتيجيًا سياسيًا وعسكريًا، بل مربيًا وقائدًا روحيًا لبيئة كاملة. وفي صلب هذا الدور التربوي، يكمن مفهوم "عشق الشهادة" الذي عمل على ترسيخه كحجر زاوية في هوية المقاومة، ومصدر قوتها الأعمق، وسلاحها الذي لا يُقهر. هذا العشق ليس دعوة للموت، بل هو، كما ستوضح هذه الدراسة، فلسفة متكاملة للحياة، ترى في الموت الاختياري الواعي في سبيل قضية عادلة ذروة الحياة الحقيقية وقمة الانتصار.
تتناول هذه الدراسة مفهوم عشق الشهادة كما تجلّى في خطاب ومسيرة السيد حسن نصر الله، لتكشف عن أبعاده الروحية والعقائدية والفلسفية، وكيف تحوّل من فكرة دينية إلى فلسفة حياة ومنهج مقاوم. فهي تسعى إلى إظهار كيف أعاد السيد نصر الله تعريف الشهادة من كونها موتًا أو نهاية مأساوية، إلى كونها قمة الحياة وذروة الانتصار، وكيف استطاع أن يحوّل هذا المفهوم إلى قوة استراتيجية ومجتمعية ونفسية شكّلت سرّ صمود المقاومة اللبنانية لعقود. الدراسة تبيّن أيضًا أنّ صدقية هذا الخطاب لا تأتي من طابعه النظري فقط، بل من التجربة الحياتية للقائد نفسه، الذي عاش الشهادة كخيار شخصي، وقدّم ابنه شهيدًا، فصار قدوةً ومربيًا للأجيال في مدرسة المقاومة.
كما تشرح الدراسة الدلالات الاستراتيجية للشهادة كسلاح ردع نفسي في حرب غير متكافئة، والدلالات الاجتماعية في بناء مجتمع مقاوم متماسك يجد في التضحيات فخرًا ومعنى، والدلالات النفسية في تحويل الخوف إلى شجاعة والألم إلى أمل.
وأخيرًا، تبرز الدراسة السيد نصر الله كقائد تربوي يستخدم خطاباته لترسيخ ثقافة الشهادة عبر استحضار النماذج الكربلائية وسير الشهداء، مقدمًا نفسه كقدوة عملية. وهكذا يتحول عشق الشهادة إلى مفتاح لفهم سرّ صمود المقاومة وقدرتها على مواجهة التفوق العسكري للعدو، وإلى دليل على أن قوة العقيدة والثقافة يمكنها أن تصنع ما تعجز عنه الترسانات.
لتحميل الدراسة من هنا