الثلاثاء 12 آب , 2025 03:08

انقلاب الخطاب الغربي على الصهيونية: من الدعم المطلق إلى المساءلة العلنية

مؤتمر دولي لليهود المناهضين للصهيونية في فيينا

منذ قيام الكيان الصهيوني، شكّل الغرب - سياسيًا وعسكريًا وإعلاميًا - الحاضنة الأساسية للمشروع الإسرائيلي. لكن السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد الحروب المتكررة على غزة، أظهرت تصدعات عميقة في هذا الدعم وصلت حدّ الحديث عن "انقلاب" على الصهيونية داخل قطاعات متزايدة من المجتمع الغربي.

هذا التحول لم يعد مقتصرًا على النشطاء الحقوقيين، بل امتد إلى برلمانات، وأحزاب، ومؤسسات أكاديمية وثقافية، مدفوعًا بوعي جمعي متزايد بواقع الاحتلال والفصل العنصري، وانكشاف السردية الصهيونية أمام الحقائق الميدانية والتاريخية. ومع انتشار الإعلام المستقل، فقدت الدعاية الإسرائيلية سيطرتها على تشكيل الرأي العام، وظهرت أصوات تطالب بمساءلة إسرائيل وإعادة النظر في الإرث التاريخي للعلاقات الغربية- الإسرائيلية.

من أبرز ملامح هذا التحول انعقاد أول مؤتمر دولي لليهود المناهضين للصهيونية في فيينا بين 13 و15 حزيران/ يونيو 2025، بمشاركة نحو 500 شخص من أنحاء العالم. حمل المؤتمر شعار "اليهودية ≠ الصهيونية" وأعلن رفضه احتكار الصهيونية لتمثيل اليهود. البيان الختامي أكد أن الصهيونية "نظام احتلال استعماري أبارتايد"، ودعا لتعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ودعم حركة المقاطعة (BDS)، وتشكيل ائتلاف فلسطيني–يهودي عالمي لإسقاط نظام الفصل العنصري. كما رفض المؤتمر حلّ الدولتين واعتبره "ستارًا للاستعمار"، مطالبًا بدولة ديمقراطية واحدة من النهر إلى البحر.

المؤتمر مثّل لحظة رمزية بالغة، إذ صرّح المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه بأن إسرائيل تمارس "جرائم تطهير عرقي لا جدال فيها"، فيما قال الناجي من الهولوكوست ستيفن كابوس: "من عاش جحيم النازية لا يمكن أن يصمت عما تفعله إسرائيل اليوم في غزة". أما داليا ساريغ، وهي منظمة رئيسية، فقالت: "نحن يهود ضد الصهيونية... ونقف مع الفلسطينيين كجزء من التزامنا بالعدالة".

الخطاب الراديكالي للمؤتمر تميز برفضه "التمييز بين الصهيونية الجيدة والسيئة"، واعتبار المشروع الصهيوني برمته قائمًا على العنصرية والتمييز. كما دعا إلى بناء شبكة يهودية دولية ضد الصهيونية، والانخراط في تحالفات مع حركات مناهضة للعنصرية والاستعمار حول العالم. وأكد المشاركون أن هذه الخطوة تهدف أيضًا إلى "تحرير اليهودية من الصهيونية".

هذا التحول في المزاج العام الغربي لم يكن وليد المؤتمر وحده، بل تجلى في مواقف سياسية وأكاديمية بارزة:

- في الجامعات: أكثر من 6,600 أكاديمي وموظف جامعي في بلجيكا دعوا إلى مقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية. وفي الاتحاد الأوروبي، وقع 490 أكاديميًا على عريضة لوقف التعاون مع كيانات إسرائيلية متورطة بانتهاكات.

- في السياسة الأوروبية: رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز دعا لوقف العدوان على غزة، فيما طالبت نائبة رئيس الوزراء إيون بيلارّا بإحالة إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية. في إيطاليا، قدّم زعماء المعارضة مقترحًا للاعتراف بدولة فلسطين، وتعليق مبيعات الأسلحة لإسرائيل.

- في فرنسا: نواب من تحالف NUPES اتهموا إسرائيل بممارسة "الأبارتهايد"، ورفع بعضهم علم فلسطين داخل البرلمان.

- في بريطانيا: وزير الخارجية ديفيد لامي وصف الوضع في غزة بأنه "مروع"، مع تهديد بفرض عقوبات على إسرائيل.

كما شهد المشهد الغربي مواقف نقدية من شخصيات فكرية وثقافية مثل المؤرخ أومر بارتوف، الذي وصف ما يجري في غزة بأنه "إبادة جماعية"، والمقررة الأممية فرانسيسكا ألبانيزي التي تعرضت لحملة تشويه بسبب مواقفها المؤيدة للفلسطينيين.

التحولات الفكرية تجلت أيضًا في الإنتاج الأكاديمي. في عدد أيار/ مايو 2025 من مجلة Géostratégiques، وصف ميشيل ريمبو الصهيونية بأنها "مشروع استعماري قائم على نزع حقوق السكان الأصليين"، بينما قدّم صفوت إبراغيث تحليلًا يربط بين النكبة عام 1948 والحروب الحالية باعتبارها "استمرارًا لسياسة التطهير العرقي". واعتبر أرزقي إغيمات أن الاستيطان والفصل العنصري هما الأدوات الأساسية لعرقلة حق الفلسطينيين في تقرير المصير، فيما انتقد جان-ميشيل فيرنوشيه "الموقف الغامض والسلبي للاتحاد الأوروبي" تجاه تدمير غزة.

تؤشر هذه المواقف والمؤتمرات على بداية تحول جذري في علاقة الغرب بالصهيونية، من دعم مطلق إلى مساءلة وانتقاد علني، ما يفتح الباب أمام إعادة تعريف المشهد السياسي والأخلاقي في التعاطي مع القضية الفلسطينية. وكما ختم أحد المشاركين في مؤتمر فيينا: "النكبة ليست ذكرى، بل واقع متجدد... والاستعمار لا يُصلح، بل يُفكك".


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور