لم تكن الضربات الإيرانية الأخيرة على الكيان الإسرائيلي مجرّد رد رمزي على العدوان، بل شكّلت تحولاً نوعياً في طبيعة المواجهة وأهدافها. فخلافاً للهجمات السابقة التي كانت تكتفي بإيصال رسائل سياسية أو تكتيكية، جاء الرد الإيراني هذه المرة ليصيب ما طالما اعتُبر عصياً على الكسر: "الغرف المحصنة" أو ما تُعرف عسكرياً بملاجئ القيادة والتحكم الأرضية التي تُستخدم لحماية الجنود والضباط خلال فترات الطوارئ.
ما هي الغرف المحصنة؟
الغرف المحصنة في إسرائيل هي هياكل إسمنتية مدفونة تحت الأرض، بعضها مزوّد بأبواب فولاذية مزدوجة، وأنظمة تهوية مستقلة، وشبكات اتصالات ومراقبة متقدمة. بُنيت هذه الغرف في مواقع حساسة مثل الجولان والجليل والمستوطنات الحدودية، بهدف حماية القيادة الميدانية وقوات النخبة من الصواريخ أو الهجمات المباشرة. في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، تُعتبر هذه الملاجئ خط الدفاع الأخير، وبُنيت استناداً إلى فرضية أن العدو لن يمتلك القدرة على خرقها مباشرة.
الاستهداف
في منتصف حزيران/يونيو 2025، أطلقت إيران رشقة صاروخية باتجاه عدد من المواقع الإسرائيلية الحساسة. وبحسب حجم الأضرار قالت المواقع العبرية إن أحد هذه الصواريخ كان من نوع "خيبر شكن" أو ما يُعتقد أنه نسخة مطوّرة منه، استطاع اختراق سقف إحدى الغرف المحصنة في منطقة بتاح تكفا شرق تل أبيب، وأصابها بشكل مباشر رغم عمقها وتحصينها. المعلومات المسرّبة لاحقاً أشارت إلى وجود جنود داخل الغرفة لحظة الاستهداف، وقد اعترفت القنوات العبرية بإصابة عدد من الجنود، بينما تحدّثت تقارير أخرى عن قتلى من ضباط وجنود لم يُعلن عنهم رسمياً.
لماذا يُعد هذا التطور خطيراً؟
تكمن خطورة هذا الاستهداف في أنه كسَر واحدة من أكثر المعادلات التي بنت عليها "إسرائيل" عقيدتها الدفاعية: "القدرة على الصمود تحت أي قصف، بفضل التحصينات تحت الأرض". أن يتمكن صاروخ إيراني –بلا طائرات مرافقة ولا دعم استخباراتي مباشر من الجو– من تحديد مكان الغرفة وضربها بهذه الدقة، يعني أن الردع قد بدأ يتآكل.
كما أن قدرة الصاروخ على اختراق سقف الغرفة المحصنة تكشف عن تطور كبير في رأسه الحربي، إما من حيث قوة الاختراق أو من حيث دقة التوجيه. وهذا يطرح تساؤلات جدية داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية: هل لا تزال هذه الملاجئ صالحة لحماية الجنود في الحرب المقبلة؟
المفاجأة الاستراتيجية تحترق؟
لطالما راهنت "إسرائيل" على عنصر "التحصين الذكي" كأحد مفاجآتها في أي حرب مستقبلية. أن تختبئ النخب في الأرض بينما تُدار الحرب من بُعد، دون خسائر بشرية إسرائيلية كبيرة، كان أحد أعمدة العقيدة الأمنية. لكن ما كشفته الضربة الإيرانية الأخيرة هو أن هذا الرهان لم يعد مضموناً. فإذا كان صاروخ أرض-أرض دقيق –أُطلق من مسافة مئات الكيلومترات– قادراً على شلّ غرف القيادة، فإن مفاجأة الحرب الإسرائيلية قد احترقت قبل أن تبدأ.
الخسائر الاستراتيجية
بعيداً عن الخسائر البشرية التي أحاطها الكيان بالكتمان، فإن الخسارة الاستراتيجية تمثلت في اهتزاز صورة الحصانة. جمهور الاحتلال، والجنود والاحتياط، لم يعتد أن يرى "الملجأ يُضرب"، بل كان يُروّج له على أنه الملاذ الآمن. المسّ بهذه الصورة أحدث شرخاً في ثقة المستوطنين بالمنظومة الأمنية.
هذا وأطلقت الجمهورية الإسلامية خلال العدوان الإسرائيلي الأميركي الذي استمر 12 يوماً (13 - 25 حزيران 2025)، ضمن رؤية استراتيجية وخطة دفاعية موضوعة مسبقاً، مئات الصواريخ البالستية وفرط الصوتية والطائرات المسيّرة نحو العمق الإسرائيلي، مستهدفة عشرات المراكز العسكرية والحيوية والاستراتيجية، ما أجبر قادة تل أبيب على الرضوخ وطلب وقف إطلاق النار.
المصادر:
تعرّف على الملاجئ والغرف المحصنة وأماكن وجودها في إسرائيل | أخبار | الجزيرة نت
الملاجئ Vs الصواريخ.. هكذا استهدفت إيران "غرف إسرائيل المحصنة" | مصراوى
كيف أصاب صاروخ إيراني ملجأ إسرائيليا محصنا؟ الدويري يجيب | أخبار | الجزيرة نت
الكاتب: غرفة التحرير