هناك إشكالية يقع فيها الكثير من المراقبين للشأن العراقي، وهي المزج بين فصائل المقاومة العراقية وبين الحشد الشعبي. فهاتين الجهتين وإن كانتا تمتلكان نفس الرؤية والأهداف، إلى أنهما يختلفان في الوظائف والمهام، لكن يتكاملان في مسؤولية الدفاع عن العراق في وجه كل التهديدات.
ولكي نستطيع أن نفهم الفرق أو العلاقة ما بينهما، يجب أن نعرف ظروف نشأة كل جهة، وتحديد علاقتها بالدولة:
_ فالحشد تأسس بعد دخول تنظيم داعش الى العراق، واحتلال هذا التنظيم مساحات واسعة، وتهديده للعاصمة بغداد والمراقد المقدسة في النجف وكربلاء، ليصدر في حينها المرجع السيد علي السيستاني فتوى الجهاد الكفائي ضد "داعش". عندها لبى شباب العراق من مختلف الطوائف والمذاهب هذه الفتوى، وانضموا الى صفوف هذه الهيئة، وترافق ذلك مع دعوة الدولة للاعتراف بالحشد، كمؤسسة عسكرية تابعة للدولة، وهذا الذي جرى من خلال اعتراف البرلمان بذلك. ليصبح الحشد مؤسسة رسمية، تتبع لقائد القوات المسلحة العراقية (رئيس مجلس الوزراء) مباشرة.
لذا فإن الحشد يتمتع بالصفة القانونية والرسمية، التي تجعل من الاعتداء عليه، هو اعتداء على دولة العراق ومؤسساتها الدستورية. وهذا ما حصل في استهداف الولايات المتحدة الامريكية مؤخراً، لمواقع اللواء الرابع عشر التي تقع على الحدود العراقية السورية.
_ أما المقاومة العراقية، فهي الفصائل التي تأسست من أجل تحرير العراق من الاحتلال الأمريكي، والتي استطاعت إرغامه على الانسحاب عام2011. وبقيت هذه التشكيلات فاعلة، لكي تبقى جاهزة في حال تحول الوجود العسكري الأمريكي من استشاري تدريبي، الى طبيعة أخرى تخالف الاتفاقية التي تجمع البلدين.
وكان لهذه الفصائل المقاومة الدور الأكبر، في رفد الحشد بالإمكانيات الأساسية والمقاومين، المدربين وذوي الكفاءة العالية. بحيث صار العديد من هذه العناصر، نواة مؤسسة الحشد الرسمية وألويتها وقيادتها.
وعندما استغلت أمريكا وجود ونشأة داعش، لكي نوجد لنفسها ذريعة تسمح لها بالبقاء في العراق، وزيادة حجم قواتها. كان للمقاومة ردها التحذيري الواضح، بأن من أنهى هذا الوجود أول مرة، سيستطيع انهاءه مرة أخرى. لكن أمريكا استمرت في اعتداءاتها على السيادة العراقية، فكانت قصف مواقع مدينة القائم، والذي تلاه اغتيال الشهداء القادة الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما. عندها أعلنت المقاومة العراقية بشكل رسمي، أنها لن تسمح ببقاء القوات الأمريكية في البلاد بعد الآن. كما أنه كان للبرلمان العراقي قراره الواضح بإلزام هذه القوات الخروج نهائياً. فما كان من واشنطن الا استغلال الانقسام الداخلي العراقي، لتفرض الخروج بعد إجراء المفاوضات مع الحكومة العراقية. وهذا ما سمحت به فصائل المقاومة، من أجل الإفساح في المجال لخروج يجنب العراق أي خسائر في أرواح أبنائه. لكن أظهرت جلسات المفاوضات، أن الأمريكيين لا يريدون الخروج مطلقاً، بل يستخدمون المماطلة والتسويف لتأجيل ذلك.
عندها بدأت مجموعات تابعة لفصائل المقاومة العراقية، باستخدام حقها الطبيعي، باستهداف القواعد والوجود العسكري الأمريكي.
المستقبل
إن من المؤكد أن الحشد سيبقى الجهة التي ستحمي العراق، من أي محاولة إرهابية لزعزعة أمنه، كما أنه سيبقى ملتزماً بما تقرره الدولة وبالتنسيق مع القوى المسلحة الأخرى في مواجهة أي تهديد. فبذلك يكون ملتزماً بفتوى إنشاءه من جهة، وبالقرار الرسمي من جهة أخرى، خصوصاً بعد أن أثبت انه مؤسسة جامعة لكل الأطياف العراقية، لذا سيكون حريصاً على عدم القيام بأي خطوة قد تؤثر على وحدة قواته.
أما المقاومة العراقية فستصعد من عملياتها ، خصوصاً بعد الإعتداءات الأخيرة، وستجبر الأمريكيين على الانسحاب مرة أخرى، لكن نهائية هذه المرة.
الكاتب: غرفة التحرير