الجمعة 09 أيار , 2025 04:51

صراع الدول حول كشمير

خريطة السيطرة على كشمير

تعدّ منطقة كشمير، الواقعة في جبال الهيمالايا، والتي توصف بأنها من أجمل المناطق في العالم، ميدان صراع جيوسياسي بين دولتين نوويتين هما الهند وباكستان، وبؤرة ساخنة بين الهند والصين كذلك. فهذه المنطقة التي تبلغ مساحتها نحو 223 ألف كيلومتر مربع، تحتلّ قلب آسيا الجنوبية، وتتميّز بموقعها الاستراتيجي بين الدول الكبرى الثلاث، ما جعل منها هدفاً دائماً للتنازع طوال التاريخ، وجعل استقرارها رهينة لمعادلات القوى الخارجية أكثر منها الداخلية. لذا كانت هذه الأرض موطن حضارات وأديان وممالك منذ القرن الرابع عشر.

وبالعودة الى الأحداث التي حصلت مؤخراً - والتي لا يُستبعد أن تكون بإيعاز أمريكي، كونها المُستفيد الأكبر من توتير الأوضاع في هذه المنطقة وفي هذا التوقيت بالذات - فإنه من المهم جداً الاطلاع على تفاصيل هذه القضية، من النواحي الجغرافية والتاريخية والسياسية والعسكرية، لكي نُدرك بأن ما حصل ما هو إلا حلقة في مسار طويل لن ينتهي إلا بالحسم، خاصةً على صعيد الصراع الأمريكي الصيني، وحتى تنتهي المصالح الإمبريالية الغربية التي تشكّل العقبة أمام أي حلّ لهذه القضية.

الناحية الجغرافية

وكما أسلفنا، فإن هذا الإقليم ينقسم الى 3 أجزاء، كل جزء منها يتبع لدولة:

_الهند تسيطر على الجزء الذي يتكون من وادي كشمير المكتظ بالسكان من المكوّن المسلم، ومنطقة حول مدينة جامو معظم سكانها من الهندوس، ولداخ. ويعدّ هذا الجزء من أخصب المناطق وأغناها بالموارد الطبيعية.

_باكستان تسيطر بشكل غير مباشر على قطاع من الأراضي في غربي الإقليم: آزاد كشمير، وجيلجيت، وبلتستان.

_الصين تسيطر على منطقة ذات ارتفاع عال يقطنها عدد قليل من السكان في الشمال، وهي
منطقة ديمشوك، ووادي شاكسغام، ومنطقة أكساي شن.

الناحية التاريخية والعسكرية

_في سنة 1947، بعد نيل الهند استقلالها عن الاستعمار البريطاني، ومن ثم تقسيم شبه القارة الهندية إلى دولتين: الهند ذات الأغلبية الهندوسية، وباكستان ذات الأغلبية المسلمة.

وتُرك لكشمير وبعض المناطق الأخرى، حق تقرير المصير بالانضمام إلى إحدى الدولتين بناءً على التركيبة السكانية.

لكن حاكم كشمير الهندوسي فضّل بقاء كشمير منطقة مستقلة عن البلدين، ما أدى إلى قيام مسلمي كشمير بحراك مسلح مدعوم بمجموعات جاءت من باكستان. عندها قام حاكم كشمير بتوقيع اتفاق مع الهند، ينص على انضمام الإقليم إلى الأخيرة. عندها تدخّل الجيش الهندي لدعم الهندوس الكشميريين، ما أدى إلى نشوب أول حرب بين الهند وباكستان، ونتج عن هذه الحرب تقسيم الإقليم إلى جزء هندي وجزء باكستاني. إلّا أن ما حصل لم يكن مجرد انقسام جغرافي، بل تأسيس لتناقض بنيوي بين إرادة السكان المسلمين والواقع السياسي المفروض عليهم (خاصةً لجهة عدم نيلهم لحقوقهم). ومنذ ذلك الحين، لم يعد الصراع حول كشمير مجرد خلاف حدودي، بل صراع على شرعية الدولة، وحق تقرير المصير، ومفهوم السيادة.

_ في سنة 1948، طلبت الأمم المتحدة من الهند وباكستان وقف إطلاق النار وإجراء استفتاء شعبي لتقرير مصير الإقليم، فوافقت باكستان بينما اشترطت الهند انسحاب القوات الباكستانية من كشمير أولًا، وهو ما قوبل برفض باكستان، وبقي الاستفتاء مجمدًا حتى اليوم.

_بسبب الخلاف الهندي الباكستاني حول كشمير وقعت بين البلدين 3 حروب كبيرة:

1)حرب 1947–1948: التي أدّت إلى تقسيم كشمير.

2)حرب 1965: بسبب سعي باكستان لتحريك مجموعات مسلحة في كشمير الهندية، وانتهت بتدخل الأمم المتحدة.

3)حرب 1971: بسبب انفصال بنغلادش عن باكستان، ما عزز سيطرة الهند على كشمير.

بالإضافة إلى هذه الحروب، كاد النزاع بين البلدين في منطقة كارغيل الكشميرية سنة 1999 أن يتحول إلى حرب نووية بعد تسلل جنود باكستانيين إلى داخل خطوط السيطرة الهندية في كشمير.

الناحيتين السياسية والاجتماعية

منذ سنة 1989، بدأت انتفاضة مسلحة في وادي كشمير قادها مسلمون مطالبون بالاستقلال أو الانضمام إلى باكستان. واتهمت نيودلهي إسلام آباد بدعمهم، بينما واجهت هذه الانتفاضات بحملات عسكرية وأمنية عنيفة، تخللتها انتهاكات موثقة لحقوق الإنسان من قتل وإخفاء واغتصاب.

كما شهد الإقليم أيضاً انتفاضات شعبية واسعة، أبرزها في سنوات 2008 و2010 و2016، وكلها قمعتها القوات الهندية، ما أدى إلى تصاعد الكراهية والانقسام بين السكان المسلمين والسلطات.

الهند تُلغي الحكم الذاتي

وفي 5 آب / أغسطس 2019، قامت الحكومة الهندية برئاسة ناريندرا مودي بإلغاء المادة 370 من الدستور، التي كانت تعطي جامو وكشمير وضعًا خاصًا بحكم ذاتي. ثم عمدت الى تقسيم المنطقة إلى إقليمين اتحاديين تحت الإدارة المركزية للهند (جامو وكشمير، ولداخ).

وقد أثار قرار حكومة مودي ردود فعل غاضبة من باكستان ومن الكشميريين المسلمين، خاصةً بعد اتخاذ قرار مودي فرض الإغلاق الشامل للمنطقة، وقطع الاتصالات، واعتقال آلاف الناشطين والسياسيين.

النزاع الهندي الصيني

أمّا النزاع الهندي الصيني على هذه المنطقة، فقد بدأ منذ تشرين الأول / أكتوبر 1962، عندما خاض البلدان حرباً قصيرة، لكن وحشية بسبب المنطقة.

وقد بدأت الحرب بين البلدين، التي عُرفت أيضاً باسم الصراع الحدودي بين الصين والهند، حينما نشرت الهند نقاطاً عسكرية على طريق بري كانت الصين قد أنشأته ليربط إقليم التبت بإقليم سنجان.
وكانت الحدود في جبال الهيمالايا المتنازع عليها، هي الذريعة الرئيسية للحرب، بالإضافة إلى السيطرة على إقليم أكساي تشين. وكانت المنطقة قد شهدت سلسلة من الحوادث الحدودية العنيفة بعد انتفاضة التبت سنة 1959، عندما منحت الدولة الهندية حق اللجوء للدالاي لاما، وانتهت بانتصار الصين في 21 تشرين الثاني / نوفمبر 1962.

العلاقات الصينية - الباكستانية
تجمع بين الصين وباكستان مصالح مشتركة تؤرق الهند منذ عقود، حيث تسعى الصين إلى جعل باكستان حلقة رئيسية في مبادرتها "حزام وطريق"، من خلال مشروع ربط إقليم سنغان بميناء غوادار الباكستاني الذي بنته الصين، وهو ما يعرف بالممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني، الذي تقدر تكلفته بـ46 مليار دولار ويمرّ عبر كشمير الباكستانية ويتصل بشبكة من الطرق الصينية البرية والبحرية والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب؛ الأمر الذي سيتيح للصين الوصول إلى المحيط الهندي.

لذلك فإن هذا المشروع، جعل نيودلهي تشعر بالخطر، لأنه يسمح للصين بالوصول الى ما تعتبره حديقتها الخلفية البحرية. كما تخشى الهند من أن هذا الممر سيسمح للصين بالتحرك سريعاً لنجدة باكستان في حال اندلاع حرب بينهما.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور