الإثنين 03 آذار , 2025 12:21

ترامب: الشخصية والاستراتيجية

الرئيس الأميركي دونالد ترامب

احتفى الرئيس الأميركي الجديد يوم تنصيبه، وقد أرسى نزعة إمبريالية حيال حلفائه قبل الخصوم، اعتمد فيها الترهيب والتهديد مستثمرًا مجموعة المحيطين به من الموالين الذين يشاركونه في الكثير من آرائه الشعبوية. أعاد في خطابه الرئاسي الأول ما ركّز عليه سابقًا من سياسة "أميركا أولًا" وبناء الجدران، واستعادة الولايات المتحدة لعظمتها عبر إخضاع العدو الاستراتيجي، الصين، ولو كانت الكلفة حرب تجارية واسعة النطاق. بيد أن نهج سياسته الخارجية كان أكثر "عدوانيًّا" مع مخططه للاستحواذ على جزيرة غرينلاند التابعة للدانمارك، والسيطرة على قناة بنما وضم كندا وتغيير تسمية خليج المكسيك إلى "خليج أميركا".  كما أحاط نفسه بهالة من "عظمة النفوذ الأميركي" في الوعد بإنهاء الحروب والبحث عن تسوية ديبلوماسية، وتعزيز آماله بالفوز بجائزة "نوبل للسلام".

 يعود الرئيس ترامب إلى الحكم في فترة من الغليان الإقليمي نتيجة الحرب في غزة ولبنان. وفي حين فرض اتفاقيات وقف إطلاق النار قبل يوم تنصيبه في العشرين من كانون الثاني 2025، إلا أن الحروب لم تصل إلى نهاياتها والنقاط الساخنة ما تزال ملتهبة وقابلة للاشتعال مرة أخرى. ويختلف المراقبون حول مقاربة ولاية الرئيس ترامب الثانية للسياسة الأمريكية في المنطقة.

 خلال ولايته الأولى (٢٠١٦-٢٠٢٠)، تفرّد من بين كل الرؤساء الأميركيين في الاعتراف بالقدس عاصمة لـ "الكيان المؤقت"، وبسيادة الأخير على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وإعطاء الضوء الأخضر لضم أجزاء من الضفة  الغربية، وحجب التمويل الأميركي عن وكالة "الأونروا"، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واغلاق القنصلية الأمريكية فيها؛ إضافة إلى الدفاع عن قانونية الاستيطان في الضفة الغربية، والانسحاب من الاتفاق النووي (2018) بضغط من اللوبي الإسرائيلي، والتقدم في إطلاق مسار التطبيع أو ما يعرف بِـ "اتفاقات أبراهام"، وذلك ضمن "صفقة القرن" التي أعلن عنها مطلع عام ٢٠٢٠، وأسقطها طوفان الأقصى عام 2023.

 أما وقد بدأت ولايته الثانية في العشرين من كانون الثاني 2025، فالسؤال الرئيسي الذي يشغل الجميع من الساسة والخبراء الاستراتيجيين والمحللين والإعلاميين والصحفيين يتعلق بكيفية التعامل مع كلمات الرئيس ترامب وعباراته، هل هي مواقف رسمية أم أنه في سياق اختبار ردود الأفعال تجاه ما يدور بالفعل في عقله الباطن، أو الترهيب الفعلي بغية الدفع بالآخرين نحو خدمة لمصالح الولايات المتحدة؟ وكيف سيتعامل مع الملفات الساخنة في المنطقة خلال ولايته الثانية في ظل الحروب الإسرائيلية في غزة ولبنان والتحولات الإقليمية الجارية في سوريا واليمن؟ هل ستشهد المنطقة مقاربات جديدة أو قديمة مستهلكة في قراءة المتغيرات وفي رؤيتها وتعاملها مع القضايا الساخنة والمتشابكة في الإقليم، خاصة وأن بعض المحيطين به في المواقع يتبنون نهج الاستمرارية في معالجة مشكلات المنطقة، وهل تنطلق السياسات "الترامبية" خارج الصندوق لتلتقط رسائل "الانتقال إلى نظام عالمي جديد"؟ وفي حين يتبنى العديد القول بـ "ضبابية" المشهد في المرحلة المقبلة إلا أن تفكيك اللغز يبقى محاولة ضرورية لالتماس القدر الممكن والأكبر من معالم المرحلة ومساراتها العامة.

تطرح الورقة المرفقة أدناه، شخصية ترامب، من ناحية الجانب النفسي والاستراتيجي، بالإضافة إلى الأولويات والتحديات الكبيرة التي تعصف في عهده الرئاسي، خصوصاً سياسته وخياراته في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط).

خلاصة الورقة:

الرئيس ترامب نفسه رجل أعمال بالدرجة الأولى، رجل "صفقات". وفى إطار حساباته دائماً ينظر إلى ما يأخذه من الجانب الآخر. البرنامج الترامبي يتجه نحو تجنب الحروب وإدارة الصراع لكن شخصية الرئيس ترامب قد تقلب المعايير، خاصة في ظل الغموض الاستراتيجي لتوجه السياسة الخارجية للرئيس. والأكيد أن الطموحات الإقليمية الإسرائيلية ستكون بعين الإدارة الأميركية الجديدة. هل ينجح بالحصول على جائزة نوبل للسلام كما يطمح أو يزداد المشهد العالمي والإقليمي تعقيداً؟ الرئيس ترامب يريد أن يسجل الإنجازات قبل انتخابات الكونجرس بعد أول سنتين من الحكم للرئيس الجديد التي قد تكون نتائجها لا ترضي غروره وفقاً لنتائج السياسات الخارجية التي قد يعتمدها. والشعور بـ "العظمة" التي تسيطر على الرئيس ترامب قد تدفع به لتصدر قمة الإنجازات التي قدمها نتنياهو باتجاه رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط الجديد، بحيث يستكمل مهام صنع نظام دولي جديد، ولو على حساب فترة من الحروب التي قد ينظر لها الرئيس من باب التحدي كما يحب بمعزل عن النتيجة.

تلعب المصالح والاستثمارات دوراً كبيراً في رسم السياسات "الترامبية" في المنطقة لذلك قد يشكل ذلك فرصة لترامب لتحقيق مكاسب غير مسبوقة من دول المنطقة باتجاه مشروع إسرائيل الكبرى وتحقيق الحلم الصهيوني. شخصية الرئيس تفسر احتمال لجوئه للقسوة والتقلبات السريعة وغير المنضبطة.

العناوين العريضة للتوجهات السياسية لإدارة ترامب ستخضع لمتغيرات المنطقة والتطورات الراهنة والآنية بحثاً عن القرار الأنسب لصالح شعاره "أمريكا أولاً"، ومراعاة مطالب اللوبيات الموجودة داخل الدولة وضغوطها. "إلى أي درجة يتماثل القرار الرئاسي مع هؤلاء أو يتواجه؟" هو سؤال يترتب عليه تحديد استراتيجيات جديدة لدى الولايات المتحدة في التعامل مع ملفات المنطقة. المسؤولون في إدارته هم ممن يدينون له بالولاء الكلي، والذين يستلمون المناصب الرئيسة كوزير الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومي معروفون بالسياسات المتطرفة ضد القضية الفلسطينية وإيران، وهناك مؤثران قد يكونا قادرين على تغيير القرارات أو الذهاب باتجاه مضاد، وهما: إيلون ماسك واللوبي الصهيوني.

قد لا يكون مؤكّداً اللجوء إلى خيار ذي اتجاه واحد: الحرب المركبة الأمنية/السياسية/الاقتصادية أو التورط في معركة إقليمية، وفي المقابل الدمج بين التوجهين. بيد أن الأكيد أن الرئيس يريد أن يصنع "إرثًا"، بنظره، يحكي الجميع عنه، ويتمايز به عمن سبقه من الرؤساء، والأهم أنه يمثل بالنسبة إليه "قتالًا" حقيقيًّا. الأمر الذي قد يفسر قراراته "المستنهجنة" من سياسيي العالم، فهو يريد "السلام" بنفس الوقت الذي تشعل فيه قراراته "الحريق" فيما لو لم تنضبط. يرجح أن حسّ الصفقات مرتفع في مفاوضات الرئيس؛ على طريقة الضغط الأعلى حتى يخرج من الآخرين الثمن الأقصى، وكذلك عبر التفاوض مباشرة مع قمة الهرم.  حتى اليوم، أوقف الرئيس الحرب في لبنان وغزة، وتاليّاً جبهة الإسناد من اليمن والعراق، حتى يتفرغ لمحاورة إيران. كيف سيتصرف الرئيس بعد فترة من الصمود الإيراني أمام العقوبات المفروضة؟ ما هي انعكاسات أزمة الحليف الإسرائيلي المركبة والمتشعبة في ظل صمود المقاومة في لبنان وفلسطين؟ كيف سيقرأ الشارع العربي التناقضات في الرؤى والمصالح الأميركية الصهيونية مع حكوماته، وبالأخص في ما يخص مصير فلسطين؟





روزنامة المحور