يستمر النقاش حول أولوية حكومة الاحتلال في هذه الحرب وذلك بجعل غزة الساحة رقم واحد وأولوية عن الساحات الأخرى التي تشكل خطرًا أكبر على الكيان، ولطالما مثّلت غزة مشكلة وعبئًا على الكيان وكانت الساحة الأقل قدرات بالنسبة لساحات محور المقاومة لكنها ذات الأثر الكبير في إرباك الكيان نتيجة التقارب الجغرافي بالإضافة الى امتلاكها زمام المبادرة. وبعد مرور عشرة أشهر على الحرب يستمر التباين بـ الآراء حول "اليوم التالي" لهذه الحرب بين ما تراه المؤسسة العسكرية من اكتفاء بما تم إنجازه وما يريده المستوى السياسي من استمرار لهذه المعركة باعتبارها حرب "الاستقلال الثانية" ولفهم ما تريده حكومة نتنياهو من حربها على غزة سيتم الإجابة على الأسئلة التالية:
ما دوافع نتنياهو للاستمرار في العمل العسكري بـ غزة رغم تهديدات الساحات الأخرى؟
ما هي رؤية الكيان لشكل السيطرة على قطاع غزة؟
- رؤية نتنياهو
- رؤية المعارضة
إجراءات السيطرة على القطاع وتباين المواقف
ما هو توقع نتنياهو لـ نجاح السيطرة وتفكيك التهديد؟ وما هو المدى الزمني المحتمل؟
دوافع نتنياهو للاستمرار في العمل العسكري بـ غزة رغم تهديدات ساحات أخرى
لم يوفر بنيامين نتنياهو، أي إجراء في هذه الحرب تدفعه لاستكمال العمل العسكري إلا وقام به من إفشال المفاوضات الى كسر الخطوط الحمراء في ساحات محور المقاومة، كما يقول نتنياهو إنّ: "استمرار الحرب حتى القضاء على التهديد لمرة واحدة هو الحل المناسب" من هنا يستنج أنّ ما يقوله ليس عبثيًا، وإنما تمهيدًا وتأكيدًا على أن الحرب في غزة لن تنتهي دون الانتهاء من الوجود المقاوم فيها إن كان عبر "القضاء" على حماس أو عبر إخضاع الحاضنة الشعبية لها.
بالعودة الى بداية الحرب رأت الحكومة اليمينة المتطرفة أن الأسرى هم جزء من خسائر الحرب وعلى الرغم من عدم تبني أحد لهذا القول إلا أنّ سلوك هذه الحكومة لم يشي يومًا بأنها معنية بالأسرى متحججة بالعمل العسكري الذي تعتبره أنه الحل المناسب لإنقاذهم وعلى الرغم من الأصوات المعارضة إن كان من الأهالي باعتبارهم الورقة الضاغطة أو من المعارضة السياسية التي تريد تسجيل نقاط على الحكومة الحالية، ويضاف الى ذلك الخسائر إن كان على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والعسكري والتي لم يشهد الكيان مثل هذه الخسائر طيلة وجوده في الأراضي المحتلة لذلك يستنتج أن هذه الحكومة تروج أنها قادرة على تحرير الأسرى دون صفقة وهدفها الأول غير المعلن تهجير كامل أو لأغلب أهالي قطاع غزة وتسعى الى ما تراه أنه "درة التاج" الى أن تعلن حركة حماس استسلامها وتسليمها لسلاحها وذهابها إلى مسار سياسي شبيه بـ "أوسلو" أو انتصار قاطع على المقاومة.
رؤية الكيان لشكل السيطرة على قطاع غزة
رؤية نتنياهو
يختلف قادة الكيان على شكل اليوم التالي للحرب على غزة في حين يتمسك بنيامين نتنياهو، بالسيطرة على قطاع غزة ما يعنيه وجود دائم لقوات الجيش، في المقابل ترى المؤسسة العسكرية أنّ هذا الخيار سيئ نتيجة التبعيات التي ستلحق بالجيش، وبتاريخ 23/2/2024، طرح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رؤيته لليوم التالي للحرب وحدد فيها النقاط التالية:
- نزع السلاح.
- إعادة الإعمار مشترط بـ نزع السلاح في القطاع بشكل كامل.
- القضاء على "التطرف".
- تواجد لجيش الاحتلال على الحدود بين غزة ومصر جنوبي القطاع وأن تتعاون مع مصر والولايات المتحدة في تلك المنطقة لمنع محاولات التهريب، بما يشمل معبر رفح.
- إدارة الشؤون المدنية في غزة من قبل مسؤولين محليين ذوي خبرة إدارية ليسوا على ارتباط بدول أو كيانات تدعم "الإرهاب".
- تفكيك حركتي حماس والجهاد الإسلامي وإطلاق سراح جميع الأسرى.
- إغلاق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التابعة للأمم المتحدة لتحل محلها منظمات إغاثة دولية أخرى.
رؤية المعارضة
أما فيما يخص المعارضة ترى في خيار نتنياهو، أنه الأسوأ من بين الخيارات المطروحة ويعود ذلك للأسباب التالية:
- استمرار الحكم العسكري لغزة سيكون دمويًا ومكلفًا وسيستمر أعوامًا.
- سيحتاج الجيش في هذه الحالة لقوات هائلة.
- سيتكبد الجيش خسائر بشرية فادحة تضطره لمغادرة غزة بلا رجعة.
- الضرر الكبير على الاقتصاد الإسرائيلي.
أما فيما يتعلق برؤية المعارضة لـ توجهات نتنياهو فيمكن استخلاصها من موقف الجيش المتمثل بـ رئيس الأركان هرتسي هاليفي ووزير الحرب يوآف غالانت في حين تعهد الأخير بمعارضة أي حكم عسكري إسرائيلي طويل الأمد للقطاع، أما عن موقف رئيس الأركان فـ يرى أنّ محور فيلادلفيا يجب ألا يشكل عائقا أمام تحرير 30 مختطفًا بالمرحلة الأولى، كما يقول أنّ بإمكانهم العودة الى تنفيذ العمليات متى أرادوا، وهذا ما يرفضه نتنياهو، الذي يرى أن الخروج الآن يعني الخسارة الاستراتيجية الكبرى للكيان. أما فيما يتعلق بالشخصيات المعارضة الأخرى مثل وزير الحرب السابق بيني غانتس، يحاول أن يحرج موقف نتنياهو وخصوصًا أمام مستوطني الشمال في حين يرى أنّ الأولوية الآن للتوجه نحو صفقة وتركيز العمليات في الساحة الشمالية مع علمه أنّ خيارات نتنياهو في هذه الساحة ضعيفة نسبيًا لعدة اعتبارات ومنها عدم الحسم في غزة وضغوط الإدارة الأميركية ولكن ما يلاحظ هنا أن الجو المعارض غير المنسجم يلائم نتنياهو، نتيجة غياب كتلة واحدة منسجمة في قراراتها.
إجراءات السيطرة على القطاع وتباين المواقف
يرى نتنياهو، أنّ السبيل لتدمير حماس يمر عبر السيطرة العسكرية والمدنية لجيش الاحتلال في القطاع، ولتسهيل سيطرة الجيش قد يكون الملف الإنساني هو الباب الذي يكون بداية سيطرة الاحتلال ومن هنا يفهم من القرار يوم 29/8/2024، وهو استحدث منصبًا جديدًا تحت اسم "رئيس الجهود الإنسانية-المدنية في قطاع غزة"، ليتولى إدارة الجوانب الإنسانية وتنسيق القضايا المدنية في القطاع، في خطوة هدفها تثبيت احتلال القطاع لفترة طويلة وسيكون من صلاحيات رئيس الجهود الإنسانية وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" متابعة إمكانية عودة مليون نازح فلسطيني إلى شمال القطاع، ومشاريع إعادة البناء، والتنسيق مع مؤسسات المساعدات الإنسانية، ونقل المساعدات للسكان، والاستعداد لفصل الشتاء. ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمني قوله إن المنصب معد لفترة طويلة، وليس منصبا لإدارة مشروع محدود، كما ستكون مهمة الوحدة إيجاد طريقة لمنع سيطرة حماس على المواد الغذائية والوقود الذي يسمح مؤخرًا بدخوله للقطاع. تأتي هذه الخطوة بعد مواقف المؤسسة العسكرية الرافضة لـ استكمال العمليات العسكرية. ويرى الكيان أنّ هذه الخطوة ستؤدي الى خلق واقع سياسي وأمني ومدني جديد داخل غزة، في إطار رغبة الكيان بالتواجد عسكريًا والسيطرة على منافذ القطاع خلال الفترة المقبلة ومراقبة الحافلات والشاحنات التي تحمل مساعدات للفلسطينيين.
أما في الجهة المقابلة ترى المؤسسة العسكرية أنّ من شأن هذه الخطوة أن تضعف الجيش والاقتصاد الإسرائيلي كما تقدّر تكلفة تفعيل مثل هذه الإدارة حوالي 20 مليار شيكل سنويًا إضافة إلى 400 وظيفة جديدة في الجيش الإسرائيلي، كما ستعمل خمس فرق باستمرار في أراضي قطاع غزة من الناحية العسكرية، ستؤدي الإدارة إلى إلحاق ضرر كبير بالدفاع مع تقليص كبير إلى حد إلغاء تدريب المقاتلين، وزيادة نطاق خدمة الاحتياط. يقول المحلل العسكري لـ القناة 12، نير دفوري، بتاريخ 4 أيلول 2024، أنّ رئيس الوزراء نتنياهو أصدر تعليماته للجيش بالاستعداد لتوزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة بدلاً من المنظمات الدولية ويرى دفوري، في ضوء هذا التوجيه وفي ظل مؤتمر نتنياهو الصحافي الذي عقده مساء 2/9/2024، والذي أصرّ فيه على البقاء في محور فيلادلفيا فإنهم في الطريق إلى إنشاء حكومة عسكرية في قطاع غزة يضيف المراسل: يخطط الجيش لتوزيع المساعدات الإنسانية على المستوى اللوجستي والعملياتي، وكذلك ترتيب القوات التي ستتعامل معها، وفي المناقشات الأخيرة، عارض رئيس الأركان هرتسي هاليفي هذا التوجيه - مدعيا أنه يمثل مخاطرة غير ضرورية لقوات الجيش وبالتالي لا ينبغي للجيش أن يشارك في المساعدات ولهذا الغرض يجب أن يتولى ذلك منظمات دولية.
ما هو توقع نتنياهو لـ نجاح السيطرة وتفكيك التهديد؟ وما هو المدى الزمني المحتمل؟
وفق ما يراه بنيامين نتنياهو في الحلم المتعلق بإعادة احتلال غزة وإعادة بناء المستوطنات وهو الذي يريد التفوّق على بن غوريون في حال استطاع عزل قطاع غزة وفصله عن الضفة الغربية لـ تمزيق الهوية الفلسطينية ليصبح الشعب الفلسطيني جماعات منفصلة، ولكل جماعة مطالب خاصة، وبذلك لا تكون هناك مقاومة وطنية، أو مطالب وطنية لتقرير المصير، وهذه الرؤية المتعلقة بـ غزة تحتاج الى سنوات عدة لتنفيذها في حين إذا نجحت خطة الإدارة المدنية في القطاع والتي تعني أنّ تواجد الجيش في القطاع سيستمر لفترة طويلة نتيجة المهام التي سيتولاها الجيش، قد تقدر بـ عشر سنوات وإذا قسمنا المراحل التي سيتم العمل عليها فقد تكون وفق الآتي:
المرحلة الأولى: العمل على الملف الإنساني.
المرحلة الثانية: عودة السكان في قطاع غزة الى المناطق الآمنة.
المرحلة الثالثة: إعادة الإعمار.
أما فيما يتعلق بنجاح هذه المراحل فهو مرتبط بقدرة نتنياهو، على البقاء في الحكومة وإفشاله لأي صفقة محتملة ما يجعل موضوع المعاناة في القطاع متفاقم الى الحد الذي يتطلب مخرجًا يستطيع عبره تنفيذ الاحتلال المخطط المطروح، ويرتبط هذا المسار بشكل مباشر بـ إجراءات محور المقاومة التي تعمل على إفشاله متمثّلةً بساحات الإسناد في لبنان واليمن والعراق، وبدعم من الجمهورية الإسلامية الإيرانية.