اتّهمت إيران والعديد من الدول والقوى ذات التوجّهات الإسلامية (شيعيّة وسنيّة الانتماء المذهبي)، الولايات المتحدة الأمريكية بتأسيس ما يُسمّى تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام (داعش)، وتنظيمات إرهابية أخرى، قبل "داعش" وبعده، من أجل
تسعير الفتنة السنيّة- الشيعيّة في بلاد المسلمين، وتحديداً في دول غرب آسيا، أو ما يُسمّى الشرق الأوسط، حسب المصطلح الغربي المُوجّه.
وعلى الرغم من إقرار مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى (مثل وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون)، وكذلك خبراء وإعلاميين غربيين كثر، خلال السنوات الماضية، بأنّ التنظيمات التكفيرية الإرهابية هي صناعة أمريكية (وغربية)، تسليحاً وتمويلاً، وحتى توجيهاً، فقد بقيت أغلب النّخب العربية والإسلامية المُسَيّسة، وشرائح من الرأي العام العربي والإسلامي، رافضة بشدّة لهذا الطرح، مع انقسامها بين مؤيّدة بشكل أعمى لتلك الجماعات التكفيرية، أو مُبَرّرة لممارساتها الوحشيّة وأفكارها المتطرّفة بدوافع "موضوعية"، مثل ديكتاتورية النّظم العربية والإسلامية، على الأقل في مرحلة صعود تلك الجماعات بعد اندلاع ما سُمّي "الربيع العربي"، في أواخر 2010، وما تلاه من نزاعات داخلية مريرة، لم تَخْمد نارها الحارقة حتى اليوم.
من هنا تتأتّى أهميّة هذا الكتاب «دَواعش بِرَبْطات عُنُق»، حيث يُبَيّن ناشره للقارئ والمثقّف المُسَيّس في البيئة العربية والإسلامية، بأنّ السلوك الوحشي الذي قامت به جماعة "داعش" الإرهابية ما هو إلّا تكرار للأساليب الوحشيّة لدى الحضارة الغربية في القِدَم. ومن خلال تجربتها في استخدام هذه الأساليب، قامت "الشيطان الأكبر" أمريكا بتأسيس جماعة "داعش" الإرهابية وتدريبها على هذه الأساليب الوحشيّة لكي تُعيد التاريخ من جديد.
ويوضح أنه وفقاً لبيانات قائد الجمهورية الإسلامية، السيّد الخامنئي، حول أهميّة جهاد التبيين، "رَأَيْنا من الواجب تبيين الوجه الحقيقي للحضارة الغربية وربط ظاهرة "داعش" الإرهابية بالجذور الحقيقية لها". يُذْكَر هنا أن الإمام الخامنئي كان قد اشترى هذا الكتاب من بين أربعة كتب اختارها أثناء زيارته لمعرض طهران الدولي للكتاب، في منتصف مايو/ أيار من العام الماضي.
أما المؤلّف، سيّد هاشم ميرلوحي، فيورِد في مطلع كتابه، عدّة نصوص (مقاطع) قصيرة تتضمّن تفاصيل مُرْعِبة ومُقَزّزة (اعْتَذَرَ عن عَرْضِها مُسبقاً) حول جرائم تَقشعرّ لها الأبدان، حصلت في مراحل الاستعمار الأمريكي والأوروبي (البريطاني والفرنسي خصوصاً) لشعوب مختلفة، قبل قرون من الزمن (بحقّ النساء والأطفال خصوصاً)؛ وهو يربطها بشكل متين ومُوَثّق بالجرائم التي ارتكبتها "داعش" خلال سنوات سيطرتها قصيرة الأمَد على مناطق واسعة في العراق وسوريا، قبل سنوات قليلة مضت.
يقول ميرلوحي: عندما تُقْرَأ المقاطع المذكورة على شخص أو أشخاص، ويُسْأَلون عمّن ارْتَكب هذه الجرائم، يقولون: داعش! لكن أيّ داعش؟! إنّهم يقصدون داعش ذوي اللحى الطويلة الذين ارتكبوا جرائم مُماثلة لهذه في سوريا والعراق بأمْرٍ من أربابهم وساداتهم، أي «الدّواعش برَبْطات عُنُق»؛ وهم لا يعلمون – ويا يا للأسف الشديد! – أنّ هذه الجرائم ارتكبها الدّواعش بربطات عُنُق، لا الدّواعش ذوو اللحى الطويلة، ولا يزالون يرتكبونها! لقد ارتكبها «الدّواعش برَبْطات عُنُق» وعُملاؤهم على الأراضي الأمريكية والأوروبية وأماكن أخرى.
المقطع الأوّل وشرحه - أسبانيا - كريستوف كولومبوس
تالياً سنورِد مقطعاً واحداً فقط من أربعة مقاطع عَرَضها المؤلّف وعَلّقَ عليها، وذلك لتفادي ذكر وقائع أو جرائم مَهولَة ومُرْعِبة، مع تحقيق الفائدة المَرْجُوّة من نشرها:
إذا سافرتْ بعض السفن التي يُديرها شخصٌ ما من أرضها إلى منطقة بعيدة عن موطنها ومنطقتها، ودخلتْ إلى منطقة وقارّة شعبها وأهاليها:
أوّلًا: يعيشون في تلك المنطقة قبل أكثر من 6000 سنة، وكان عددهم يصل إلى 75 مليون نسمة.
ثانياً: كانوا مشهورين بحُسْن الضيافة استناداً إلى ما كَتَبَه العديد من المؤرّخين؛ وعندما رأوا تلك السفينة سَبَحوا باتجاهها لاستقبالها، واستقبلوها، وقدّموا لهم الهدايا أيضاً.
ثالثاً: لم يكن الأهالي المحليّين لتلك المنطقة حتى على عِلْمٍ بكيفيّة استخدام السيف، حسب اعترافات رئيس تلك السفن؛ فعندما قدّموا سيفاً لأحدهم حَمَله من الطرف الحاد ممّا أدّى لجَرْحِه يده.
لكن في المقابل، يُلاحَظ أن ركّاب تلك السفن:
أوّلًا: عندما رأوا الحلى الذهبية التي يرتديها سكّان تلك المنطقة، كالأقراط والقلادات، أخذوها منهم، وسألوهم عن مكان مناجم الذهب.
ثانياً: قَتَلوا عدداً كبيراً من أهالي تلك المنطقة، وأسَروا ما يُقارِب 1500 شخص منهم، وأخذوا منهم 500 شخص للبيع في بلادهم كعبيد؛ وقد لَقِيَ 200 شخص منهم حَتْفَهُم أثناء الطريق.
ويستطرد المؤلّف: ماذا يُسَمّى هذا الأداء وهذه الأفعال؟ وماذا يجب أن نُطْلِق عليها وفق الموازين، والتعابير، والمصطلحات، والكلمات، والمفردات الغربية الحديثة؟
إن المُطّلعين بالثقافة الغربية السياسية ومصطلحاتها ومفرداتها العملية في الغرب، وسادَتَهُم (أي اليهود الصهاينة)، ومن يعرفونها، ويسمعون المصطلحات والكلمات من الغربيين دائماً، يقولون: إن هؤلاء الأشخاص إرهابيون، نَفّذوا عمليات إرهابية في أهالي تلك المنطقة وتلك القارّة.
ويمكن وصف الموارد المذكورة في المقطع الأوّل، بتعبير دقيق، بأنها عمليات إرهابية نَفّذها كريستوف كولومبوس [إرهابي] (ويعتقد بعض الأمريكيين أنه يهودي مُتَخَفٍ)، هو وزملاؤه [الإرهابيون]، بحقّ السكان الأصليين لقارّة أمريكا (أي الهنود الحمر)؛ واعتبروه بعدها كاشف قارّة أمريكا، وأطلقوا يوماً من أيام العام باسمه، وهم يحتفلون به. وبعد دخول كريستوف كولومبوس إلى منطقة أمريكا، استمرّت العمليات الإرهابية - كالتي ذكرناها - على مساحة واسعة من تلك المنطقة وخارجها؛ ولا تزال هذه العمليات مستمرّة، مع الإشارة إلى نماذج منها في هذا الكتاب، بالاستناد إلى المصادر، والوثائق الأمريكية، والبريطانية والإسرائيلية.
وهنا يشير المؤلّف إلى ما يقوله مؤسّسو أمريكا وزعماؤها دائماً: إن أمريكا كانت قارّة خالية من السكّان، وإنهم اكتشفوها بينما كان يعيش عليها عدد ضئيل من الناس المتوحّشين الذين يفتقرون للثقافة، وقد حاولوا قَتْلهم، لأنّهم يَرونهم الأعداء البيض. لكن هذا الأمر وغيره من الأمور التي يذكرونها كذبٌ وتلفيق؛ ومن الواضح أن هذا هو دَيْدَنهم، وليس بشيءٍ جديدٍ عليهم...
أميركا وراء تأسيس جماعة داعش التكفيرية
حول تسمية "داعش"، يكشف المؤلّف أنه في 8/5/1990، أي بعد 11 سنة من انتصار الثورة الإسلامية في إيران، أجْرَت القناة التلفزيونية الأمريكيةSPAN” C-“مقابلة مع كاتِبيْ كتاب Every Spy a Prince “كلّ جاسوس أمير"، وهما: دان رافيف ويوسي ملمن. وقد أجرى المقابلة على قناة «سي سبان» بْراين لِـم. والكتاب المذكور يتحدّث عن المنظّمة الإسرائيلية للتجسّس والإرهاب، المعروفة في البلدان العربية وغيرها من البلدان، باسم الموساد. وأشار دان رافيف، في قسم من هذه المقابلة، إلى أنّ الموساد باللغة الإنكليزية Israeli Secret Intelligence Service؛ فيكونISIS اختصارًا. وسَتَروْن لاحقًا أنّ اليهود الصهاينة في الكيان الصهيوني قد أطلقوا مُخَفّفاً اسم الموساد، أي ISIS، على عملائهم "داعش". وصارت "داعش" مَعروفة بـ ISIS أيضًا؛ وتكون في هذه الحالة مختصراً لعبارة Islamic State of Iraq and Syria، أي الدولة الإسلامية في العراق والشام؛ والمختصر لها بالعربية هو "داعش". ولا يمكن أن يكون هذا التشابه بالتسمية حصل صدفة. طبعًا آنذاك، لم يَبْدُ هذا الأمر على قَدَرٍ من الأهمية لِمَن شاهدوا تلك المقابلة على قناة "سي سبان".
لكن ظهرت لاحقاً ISIS من مخبئها، وأَعلنت وجودها، وتبيّن أنّ وراءها "إسرائيل" وأمريكا و.إلخ؛ وقد اعترفوا بذلك. كما أنّ بعض أعضاء «داعش» كانوا حتى الأمس يهوداً، وقد انضمّوا إلى «داعش» لاحقًا، لِيَقْتلوا الأبرياء، تمامًا كما فعل «الدّواعش برَبْطات عُنُق»، ويُمَهّدوا الطريق لتحقيق أهداف "إسرائيل" واليهود الصهاينة الشيطانية. وبتعبيرهم، لكي يُهَيّؤوا الأرضيّة لحُكْم الصهاينة، لا من النيل إلى الفرات وحسب، بل حتى يُمَكّنوا اليهود الصهاينة من حُكْم العالم؛ وحينها سَيُدرك العالَم أنّ تشابه التسمية بين الموساد وداعش باللغة الإنكليزية، أي ISIS، ليس أمرًا حدث محض صدفة. وهذه القضية، تمامًا كالعديد من القضايا في سيناريو 11 أيلول، والأحداث المشابهة لها، لم تحصل صدفة؛ لكنّ تبيين زواياها المختلفة والحقائق المستورة فيها يستغرق وقتًا من الزمن.
وفي السياق، يُشير المؤلّف إلى تأسيس الأمريكيين لحركة طالبان في عهد رئاسة "رونالد ريغان"، وكانوا آنذاك يُطْلِقون عليهم اسم مُحاربي الحريّة. كما رَبَطت أمريكا و"القاعدة" علاقة وطيدة. وقد أذعن المسؤولون الأمريكيون أنفسهم - كهيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية - بهذا الأمر مراراً؛ فضلاً عن إشارة كلينتون إلى الاتجاه الوهّابي لهؤلاء (القاعدة وطالبان)، والذي أسّسته أمّ أمريكا - أي بريطانيا - ثمّ دعمته أمريكا.
كذلك، اعترف الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، علناً، بأن "باراك أوباما هو من أوجد داعش". وقد بَثّت وسائل الإعلام الأمريكية ذلك الخبر ونَقَلَتْه الكتب الأمريكية أيضاً. والأمر الآخر حول "داعش" هو أنّ العديد من أعضاء "داعش" وأذنابهم وأقاربهم هم عملاء لإسرائيل واليهود الصهاينة (كجون مك كين، وكان أحَد أعضاء الكونجرس الأمريكي؛ توفّي في عام 2018، وكان هو ووالده عميلين لإسرائيل؛ وقد انتشرت صوَره في منزل أبو بكر البغدادي بعد مدّة من إعلان تأسيس "داعش"؛ وقد اعترف مك كين نفسه بأنه يعرف بعض أعضاء "داعش"، وهو على تواصل معهم؛ بل حتى بعض أعضاء "داعش" هم يهود صهاينة).
ملايين من البشر ضحايا الحروب الأمريكية
بعد عَرْضه لوقائع تاريخية موثّقة حول جرائم أمريكية ارتُكِبت في إيران والعراق وأفغانستان وغيرها، قبل عقود قليلة - سواء بشكل مباشر أم عبر عملاء لها - ومقارنتها بما ارتَكَبَتْه أمريكا من جرائم بحقّ الهنود الحمر، يَخْلص المؤلّف إلى جملة من الحقائق، وأهمّها:
-إذا كان عدد القتلى الأمريكان في حرب الفيتنام 58 ألف شخص، فقد قَدّم الفيتناميون 5 ملايين و800 ألف قتيل، وذلك وفق الدراسات التي أجراها مُحَقّقو جامعة هارفارد وواشنطن في عام 2008. فقد أعلنتا أنّ عدد القتلى في الحرب (من جنود ومدنيين) يصل إلى 3.8 مليون شخص.
-قُتِلَ أو ماتَ في المجموع 9.2 مليون عراقي جرّاء الحرب الأمريكية على العراق بين السنوات 1991 و 2003، والعقوبات الاقتصادية بين الأعوام 1990 و 2003. 7.1 من هؤلاء الأشخاص قُتِلوا أو ماتوا بين 1990 و2003، و2.1 منهم قُتِلوا بين 2003 و2011-أي بعد احتلال العراق-ويكون المجموع 9.2 مليون شخص.
-قُتِل أو ماتَ ما يُقارب 6 ملايين شخص في أفغانستان إثْر الحروب التي شَنّتْها أمريكا وحلفاؤها على أفغانستان (باسم الحرب على طالبان والقاعدة) في عام 2001، وفي التداعيات التي تَلَت الحرب.
-إنّ بعض الأشخاص يظنّون-ويا يا للأسف الشديد- أن اغتصاب النساء في العراق وأفغانستان وقتلهنّ صفة ظهرت حديثاً، وجريمة جديدة قد ارتكبها الجيش الأمريكي. والأمر ليس كذلك؛ فلطالما كان ارتكاب تلك الجرائم أسلوبهم وتكتيكهم. ولطالما سعى المجرمون الأمريكيون لتغطية جرائمهم البشعة، وكَشَفوا للعالم قسماً منها، أي تلك التي لا تبدو مُريعة فقط. ومن ذلك صبّ الماء والملح في أفواه ضَحاياهم. وهم تَأسّوا بأمّهم بريطانيا في استعمال هذا الأسلوب من التعذيب.
خاتمة
إن المراجعة الموجزة لهذا الكتاب لن تُغْني عن لزوم قراءته كاملاً، لما يحويه من جرائم موثّقة (بالمستندات والصور)، لا يمكن للعقل البشري استيعابها أو تصديقها، والتي ارتكبها رُعاة "داعش" الأمريكيون والأوروبيون (أصحاب رَبْطات العُنُق) قبل قرون بعيدة، بحقّ السكّان الأصليين؛ وهم كَرّروها خلال العقود الأخيرة، في مختلف بقاع الأرض، ولو بأساليب مُمَوّهة، أو عبر إنشاء وتمويل وتوجيه جماعات إرهابية تَدّعي مُعاداتها ومُحاربتها للغرب المُسْتَعْمِر ورَبيبَته "إسرائيل" صُبْحَ مَساء.
-المؤلّف: سيّد هاشم ميرلوحي.
-ترجمة: مريم صفي الدين.
-الناشر: دار الوفاء للثقافة والإعلام.