تزعم إسرائيل بدء تنفيذ المرحلة الثالثة من الحرب في رفح مع بداية شهر آب/ أغسطس القادم، بعد أن أبلغ الجيش قيادته بأنه غير قادر على "تحقيق أهدافه والانتهاء من رفح خلال الأسابيع القليلة القادمة". بالتوازي، تعكس حركة الوسطاء في المنطقة، رغبة إسرائيلية في لجم التصعيد و"قطف" نتائج هذه المرحلة التي يزعم بأنه سينسحب خلالها من قطاع غزة ويُبقي على إمكانية تنفيذ "عمليات نوعية" وهذا ما يرافقه وقف إطلاق النار من جانب واحد. وعلى الرغم من التعتيم التي تظلل فيه تل أبيب تفاصيل المرحلة، للاستفادة من التأويلات الفضفاضة لاحقاً في ظل عدم وجود اتفاق رسمي علني، إلا ان هناك إشكالية تضج بها القنوات الدبلوماسية في كل العواصم المعنية، عن شكل المرحلة المقبلة بما يتعلق بجبهات الإسناد.
تناقلت وسائل إعلام عبرية منذ أيام، خبر استعداد جيش الاحتلال لدخول المرحلة الثالثة من الحرب بعد حوالي 9 أشهر ارتكب خلالها إبادة جماعية موثّقة، بعد نقاشات جرت بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت ومسؤولي القيادة الجنوبية في الشاباك.
وبحسب القناة 12 العبرية فإن المرحلة الثالثة من الحرب تعني الانتقال من القصف المكثف لغزة إلى الغارات الجوية المستهدفة بناء على المعلومات الاستخباراتية. وأضافت القناة أن قادة الجيش طلبوا من المستوى السياسي مهلة اضافية لإنهاء العمليات العسكرية في رفح جنوب قطاع غزة.
وتشير مصادر مطلعة "للخنادق" إلى ان "وسطاء عرضوا على جبهات الاسناد خاصة حزب الله، وقف إطلاق النار من جانب واحد، يبدأ بها الطرف الإسرائيلي". ويقول المصدر أن "الوسطاء اعتبروا أن المرحلة الثالثة ستتضمن انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع وبالتالي انتفاء السبب -بحسب زعمهم- لاستكمال الهجمات في كل من الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة من جهة وتلك الأخرى في البحر الأحمر إضافة للجبهة العراقية".
يشوب هذا العرض ثغرات عدة. فهو أولاً لا يضمن انسحاب كامل احتلال من كامل القطاع، مع الإصرار الذي أبداه المستوى العسكري والسياسي بالبقاء في محوري فلاديلفيا الحدودي بين قطاع غزة ومصر، ومحور نتساريم الذي يقسم القطاع إلى قسمين، بين الشمال والجنوب، إضافة لمعبر رفح، وهذا يعني ان احتمالية غزو القطاع مرة أخرى لا تزال موجودة. بالمقابل، فإن استمرار العمليات العسكرية "الموضعية" وفق التسمية الإسرائيلية، لا تسمح بعودة النازحين الفلسطينيين إلى مناطقهم نتيجة القصف المحتمل للمدنيين. من ناحية أخرى، فإن لجوء الاحتلال لاعتماد استراتيجية "لا هدنة، ولا حرب" قد تكون المخرج الأمثل له في هذه الظروف. اذ أن وقف استنزاف قواته في القطاع إضافة لاستيعاب السخط في الجبهة الداخلية، تقع ضمن سلم أولويات نتنياهو. في حين أن المناورة السياسية لكسب مزيد من الوقت، لما بعد الزيارة المرتقبة لنتنياهو إلى الكونغرس الأميركي منتصف الشهر الجاري تفرض التهدئة أيضاً. من ناحية أخرى فإن فوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في السباق الرئاسي بعد أشهر، قد يعيد خلط الأوراق ويعيد تفعيل موجة التصعيد نتيجة الضوء الأخضر الذي سيبديه الأخير، وبهذه الحال يكون كل ما يعرضه الوسطاء هو محض مناورة سياسية لن تنطلي على حركات المقاومة في جبهات الاسناد.
يشير الباحث في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي ومعهد مسغاف، البروفيسور كوبي مايكل، في هذا الصدد، إلى أن "هجوم حزب الله على إسرائيل في 4 تموز/يوليو (أي الرد على اغتيال قائد وحدة عزيز الشهيد محمد ناصر) هو جزء من "دبلوماسيته الحركية". ويضيف "يؤكد الحزب مراراً أنه سيوقف الهجمات إذا وافقت إسرائيل على وقف إطلاق النار، وسيزيدونها إذا ردت إسرائيل... بطريقة ما، إسرائيل في يد حزب الله".
ويرى مايكل أن "إسرائيل لا تريد توسيع الحرب. ومع ذلك، إذا أبقينا الأمور كما هي، فإن إيران ووكلاءها سيستمرون في حرب الاستنزاف هذه، في محاولة لإنهاك القوات العسكرية الإسرائيلية والاقتصاد والمجتمع والروح المعنوية". مضيفاً "لسوء الحظ، يقومون بعمل رائع. نحن بحاجة إلى تغيير قواعد اللعبة، ومن الأفضل القيام بذلك عاجلاً وليس آجلاً".
تجمع "الدبلوماسية الحركية" حركات محور المقاومة من حيث المبدئية في اتخاذ القرار. اذ أن تنفيذ الهجمات، إضافة لتوقيتها وقوتها النارية وتحديد سقوفها في كل مرحلة، كشفت مدى التنسيق بين أصحاب القرار فيها. وهذا لا يقتصر على العواصم -طهران وبيروت وبغداد وصنعاء- بل على غزة أيضاً التي لم ينقطع معها الاتصال منذ اليوم الأول للحرب. وبالتالي، فإن ما يتعلق بقواعد الاشتباك في "المرحلة الثالثة" للحرب الإسرائيلية على القطاع، سيكون قراراً جماعياً بما يتعلق بخفض التصعيد أم عدمه. لكن السؤال على الجانب الآخر يكمن في خيارات نتنياهو المطروحة على الطاولة، فيما لو فشلت "المرحلة الثالثة" بخفض التصعيد في جبهات الاسناد. هل سيعود إلى سردية "المرحلة الثانية" وهي "الحرب حتى تحقيق النصر وعودة الأسرى؟".