بعد مرور حوالي 9 أشهر على اندلاع الحرب في قطاع غزة، ومع تصاعد عمليات جبهة الإسناد في الشمال، يجد الكيان نفسه أمام معضلة معقّدة، حيث تتصاعد الضغوط السياسية والعسكرية لتوسيع الحرب على لبنان مع تصاعد حدة المواجهات الحدودية، وفي ظل تراكم الخسائر التي يتكبّدها الكيان على هذه الجبهة. وقد تطوّرت المواجهة بين الطرفين إلى مستوى جديد سواء من حيث النوع أو حتى الكثافة حتى بات شبح الحرب يلوح في الأفق.
عوامل التأثير على قرار الحرب على لبنان:
- عوامل متفاعلة: تلعب مجموعة من العوامل دورًا فاعلًا في التّحكم باتخاذ قرار "شن الحرب" على لبنان والتي تتبدّل بحسب تطوّر الظروف والأحداث، وأبرزها:
صفقة التبادل، العملية في رفح، موقف الجمهور الصهيوني، ضغوط النازحين الإسرائيليين، سلوك حزب الله، الموقف الأمريكي، الطموحات الشخصية والمصالح السياسية كما استقالة غانتس وآيزنكوت.
- المسارات التراكمية: هناك عوامل عدّة تلعب دروًا أساسيًا في تشكيل المسارات التراكمية التي تدفع نحو مأزق استراتيجي يكاد ينافس المأزق في الجنوب:
انتشار الحرائق والتهامها مساحات شاسعة، خسائر اقتصادية فادحة، التفكك الاجتماعي والانقسامات السياسية، الاستنزاف على مختلف الأصعدة وتوسيع نطاق ورقعة المواجهة، تهجير قسم كبير من سكان الشمال ورفض عدد منهم العودة، تصاعد ضربات حزب الله وتطورها تدريجيًا في ظل استخدامه أسلحة جديدة ومهاجمته أهداف استراتيجية كما وفقدان التوازن الاستراتيجي على الحدود الشمالية نتيجة الفشل الأمني.
- المؤشرات الميدانية: هناك مجموعة من المؤشرات الميدانية، تتعلق بحملة كبيرة لإعداد الملاجئ وتوفير المياه والمواد الغذائية، استدعاء 50 ألف جندي احتياط إضافي، البحث عن متطوعين للقتال عبر إعلانات بمجموعات واتساب، عرَض خططًا لحرب محدودة المدة في جنوبي لبنان فقط، مصادقة الحكومة الإسرائيلية على قرار يسمح للجيش الإسرائيلي بزيادة قوات الاحتياط التي سيتم استدعاؤها ليصل عددها إلى 350 ألف جندي احتياط، وذلك حتى نهاية شهر آب المقبل، نيران جيش الاحتلال لا تردع حزب الله فالمطلة وكريات شمونة مدينتا أشباح وهذه المشكلة الاستراتيجية لا زالت دون حل، إجراء جيش الاحتلال مناورة عسكرية في إطار استعداداته لمعركة محتملة في الجبهة الشمالية، تصاعد حدة ضربات وهجمات حزب الله لتستهدف نقاط وأهداف استراتيجية، تقوم المؤسسة العسكرية بمحاولات شراء متسارعة بإجمالي مئات الملايين من الشواكل للحصول على أنظمة مكافحة الطائرات من دون طيار.
معوّقات التصعيد
لا يستطيع الكيان أن يشن حربًا في لبنان من شأنها أن تحقق إنجازًا كبيرًا من دون دعم أميركي وليست لدى "الجيش" اليوم القوات الكافية التي تتيح له القدرة على هزيمة حزب الله، بالإضافة إلى:
- التآكل (التعب والإرهاق) في الوحدات المقاتلة.
- احتمال مرتفع لأن تؤدي حرب شاملة على لبنان إلى فتح جبهات أخرى.
- صعوبة في التعامل مع المسيّرات.
- إن التصعيد من شأنه أن يلحق ضررًا هائلًا بأمن الكيان.
- في حال قرر توسيع المعركة، على الكيان أن يضع في الاعتبار استهداف الطائرات الحربية التي تعتبر سلاحًا أساسيًا يعبّر عن تفوّقه النّوعي.
- الضغط الدولي لمنع التصعيد على الجبهة الشمالية.
السيناريوهات المتوقعة
إذا تم التوصل الى هدنة في غزة، فسنكون أمام سيناريوهات ثلاث:
- الهدوء على الجبهة الشمالية.
- لجوء الكيان إلى توجيه ضربة كبيرة قبل وقف إطلاق النار في لبنان لحفظ ماء الوجه، كاحتمال عملية اغتيال لأحد كبار قادة المقاومة، ولكن قد تؤدي هذه الخطوة إلى استمرار العمليات بناءً على طبيعة الرد من قبل حزب الله.
- الذهاب الى حرب مع لبنان، وبالتالي، إشعال حرب كبيرة لن تنتهي في المنطقة.
عدم التوصل إلى هدنة في غزة:
- الاستنزاف والاستمرار في تبادُل الضربات سعيًا لإيقاع أكبر ضرر ممكن بحزب الله من دون الانجرار إلى حرب واسعة النطاق.
- عملية عسكرية محدودة دون الوصول إلى حرب شاملة.
الخاتمة
يسير الكيان المؤقت وحزب الله في إدارة المعارك بينهما على قاعدة "من يستسلم أولاً؟"، وعلى الرّغم من أن كليهما لا مصلحة لديه في اندلاع حرب شاملة إلّا أنهما يمكن أن يصلا إلى ذلك نتيجة توسيع نطاق المواجهة وتصعيد أحد الطرفين لضرباته الاستراتيجية. ونظرًا للظروف التي خلقتها الحرب في غزة، يفضّل الكيان عدم الدخول في حرب واسعة النطاق مع حزب الله، في ظل محاولاته تأجيل أي قرار لإبعاد التهديد الذي يشكله الحزب عن حدوده حتى تاريخ لاحق.
لكن تطوّر الأحداث بصورة تصعيدية قد يضع الكيان تحت الضغط الذي يؤدي إلى تبديل موقفه وقراره، خلافًا لما هو عليه، كمقدمة لعمل ما، دون بلوغ الحرب الشاملة، يهدف إلى تفعيل ضربات نوعية، والتي سيقابلها حزب الله بضربات من نفس درجة الفعل حتمًا. إلاّ أنّ المزيد من التصعيد في المواجهة المباشرة، قد يدفع الطرفان إلى الدخول في حملة يمكن أن تغيّر الطريقة الحذرة والمدروسة التي تعاملا بها مع الصراع حتى الآن، نتيجة حسابات خاطئة أو سوء تقدير أو محاولة من الكيان لإثبات القوة والقدرة على لجم المقاومة سعيًا منه لتحقيق صورة مكسب أو نصر تخلّصه من الفشل الذريع الذي لحقه في غزة، وبالتالي، ينجم عن ذلك اشتباك غير مرغوب به، قد يخلق ديناميكية قوية نحو تصعيد متسارع يكون من الصعب جدًا السيطرة عليه. إلا أن حزب الله في لبنان، قد يرى أن قيام الاحتلال بتكثيف العمليات والانتقال إلى عملية عسكرية موسّعة، ولو لم تكن على مستوى حرب شاملة، كفرصة لتحقيق الهدف الأعلى للجبهة اللبنانية وهو وقف الحرب.