لا تزال حرب طوفان الأقصى، تكبّد الكيان المؤقت المزيد من الخسائر الاقتصادية، وتلحق به أضرارًا جسيمة وفادحة طالت مستويات متنوعة؛ اقتصادية، تجارية، مالية بالإضافة إلى الأسواق وفروع العمل، خاصة بعد مرور حوالي التسعة أشهر على اندلاع المعارك. ويتوقّع بلوغ عجز الموازنة في الكيان حوالي 8 مليارات دولار خلال العام 2024. وعليه، تلقي الحرب بثقلها على كاهل الاقتصاد الإسرائيلي ليدفع بذلك فاتورة باهظةً هي الأغلى في تاريخ الحروب التي خاضها الكيان؛ نتيجة التكاليف المرتفعة والخسائر المالية المباشرة وغير المباشرة. وقد كشف تقرير لوكالة بلومبرغ أن خسائر الاقتصاد الإسرائيلي جراء الحرب المستمرة على غزة خلال الأشهر السبعة الماضية بلغت نحو 60 مليار شيكل (16 مليار دولار).
وفي هذه المقال متابعة للوضع الاقتصادي للكيان المؤقت في ظل الحديث عن ارتفاع معدلات الدين والعجز في الموازنة كما والخسائر الاقتصادية الباهظة، والأثار المترتبة عن الغرق في حرب طوفان الأقصى.
الخسائر الاقتصادية
- احتياطي النقد الأجنبي: تراجع احتياطي النقد الأجنبي في الكيان نهاية نيسان حوالي 5.63 مليارات دولار حيث وصل إلى 208 مليارات، كما تراجعت الاحتياطيات بحوالي 41% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.
- كلفة الحرب اليومية: باتت كلفة الحرب اليومية تبلغ 94 مليون دولار بعد أن كانت 270 مليون دولار في بداية الأحداث (تشرين الأول وحتى كانون الأول 2023).
وقد كلّفت الحرب على غزّة الكيان حوالي 250 مليار شيكل حتى الآن لاسيّما فيما يخص الذخيرة، أيام الاحتياط ودفعات للنازحين.
- انكماش اقتصادي وديون هائلة: إن النمو الاقتصادي الإسرائيلي في العام الجاري، يتراوح ما بين الانكماش الضمني، وحتى الانكماش الفعلي. فنسبة النمو الاقتصادي في أي بلد في العالم، تقارن بنسبة التكاثر الطبيعي في الدولة، وفي إسرائيل هي 2% سنويًا، ولربما أقل بنسبة طفيفة منها، ولهذا فإن كل نسبة نمو فوق صفر بالمئة، وأقل من نسبة التكاثر تعد انكماشًا ضمنيًا. وتوقّع البنك الإسرائيلي الأكبر "هبوعليم"، انكماشًا اقتصاديًا فعليًا، بنسبة 1%، في حين أن تقديرات البنك الإسرائيلي الثاني من حيث الحجم، ليئومي، يتوقع ارتفاع النمو بنسبة 1.5%، وهو انكماش ضمني، إلا أن هذا البنك لفت إلى أن التوجهات اللاحقة هي نحو ما هو أقل.
- عجز الموازنة: تضخّم العجز في الموازنة العامة، الذي بلغ في نهاية شهر نيسان نسبة 7% من حجم الناتج العام، بمعنى 140 مليار شيكل، وهذا يعادل حوالي 38 مليار دولار، وكان المتوقّع بأن يقفز العجز نهاية أيار، إلى نسبة أعلى مما كانت عليه، وهذا ما حصل فخلال أيار ارتفع إلى 7.2%، وقد يصل خلال هذا العام إلى 8%. ويتوقّع حدوث انكماش يصل إلى 1,5 بالمئة في حال استمرار الحرب حتى نهاية 2024.
- التكلفة المتوقعة: 56 مليار هي التكلفة المتوقعة للحرب تتضمن الدفاع والتعويضات و40 مليار دولار في حال انتهاؤها في الربع الأول من العام 2024.
- قطاع البناء: كان قد سجّل قطاع البناء خسائر أسبوعية بقيمة 644 مليون دولار، بالإضافة لنقص في العمالة في هذا القطاع يصل إلى 140 ألف عامل.
- دخل الفرد: تراجع دخل الإسرائيليين بنسبة 20 بالمئة.
- التكنولوجيا الفائقة: تراجعت الاستثمارات بقطاع التقنية الفائقة حوالي 15 بالمئة.
- تراجع كبير في قطاع السياحة: تتعرض السياحة في الكيان لضربات قاسية تنذر بتراجع ملحوظ في إيراداتها، وذلك بعد سلسلة من الإلغاءات التي طالت مختلف الأنشطة والفعاليات السياحية. وفي الشمال، لم يعد قطاع السياحة المحلية من مصادر التوظيف الكبيرة، حيث أصبح القطاع ميتًا تقريبًا، فلا سياح أجانب، ولا المصطافون الإسرائيليون يسافرون إلى الشمال.
- تراجع في قطاع الزراعة: تقول المنظمات الزراعية، إنَّ حوالي (500) مزارع تركوا الشمال منذ بداية الحرب، كما دمرت حرائقُ الغابات، البساتين والمراعي؛ ومساحات شاسعة من المحميات، وإن كان من المبكر تحديد المساحات المُدمَّرة.
- تراجع التصنيف الائتماني.
- تفاقم الغلاء المعيشي: يعاني الكيان من موجة الزيادات في أسعار المواد الغذائية والمنتجات الاستهلاكية.
- الكلفة المدنية: أي تعويض من تمّ إخلاؤهم من بيوتهم في الجنوب والشمال، ودفع تعويضات لعائلات القتلى، وتعويضات للمصابين، عسكريين ومدنيين.
- معدلات فائدة مرتفعة: أعلن بنك إسرائيل المركزي، إبقاء الفائدة البنكية عند مستواها، 4.5%، يضاف لها فائدة أساسية 1.5%، بمعنى 6%، وستبقى هذه الحال إلى حين الإعلان التالي عن مستوى الفائدة، يوم 8 تموز المقبل، والاحتمال ضعيف جدًا بخفض الفائدة أيضًا في ذلك التاريخ، نتيجة ارتفاع معدل التضخم المالي (موجة غلاء، كلفة المعيشة).
- اتساع حجم المقاطعة الاقتصادية: مقاطعة علامات تجارية غذائية دولية، علامات أزياء تجارية وعلامات تجارية للاستجمام، وحظر شركات إسرائيلية من المشاركة في معرض السلاح الدولي إيرو-ساتوري الذي يقام في فرنسا، والتي تمثّل ضربة لعشرات الشركات الكبرى التي لن تتمكن من أن تعرض تطويراتها في المعرض والتي بعضها نتاج الحرب في غزة.
- الكيان ملزم بنفقات تفوق الحدّ المقرّر: تظهر بيانات المالية أنّ الكيان سبق أن التزم بإنفاق مبلغ يقارب 600 مليار شيكل في سنة 2025، في حين أنّ الحد الأقصى المتاح له هو 545 مليار شيكل.
- تكلفة الحرب على غزة بعد مرور أكثر من نصف عام: بلغت فاتورة الحرب حتى الآن حوالي 60 مليار شيكل (16 مليار دولار). وأظهرت بيانات وزارة المالية الإسرائيلية أن العجز المالي المستمر منذ 12 شهرًا، ارتفع إلى 7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي اعتبارًا من نيسان الماضي. كما ارتفع الإنفاق العسكري بنسبة 36 بالمائة تقريبًا عام 2024، حيث استحوذت نفقات الدفاع على ثلثها تقريبًا، بينما انخفضت الإيرادات بنسبة 2.2 بالمائة جراء تراجع مدفوعات الضرائب. وكان البنك المركزي الإسرائيلي قدّر أن التكلفة الإجمالية للحرب على غزة من المتوقع أن تصل إلى 255 مليار شيكل (68.4 مليار دولار) خلال الفترة ما بين 2023 و2025.
- انخفضت قيمة العملة الإسرائيلية، حيث شهد الشيكل تراجعا بنسبة 0.3 بالمئة مقابل الدولار.
الخاتمة
وعليه، يسير الكيان المؤقت ليسجّل أكبر عجز في ميزانيته، إذ أن الاقتصاد الإسرائيلي انكمش في الربع الأخير من العام 2023 أكثر مما كان متوقعًا نتيجة تضرّر إنفاق المستهلكين والصادرات والاستثمارات جراء الحرب، ما أدّى إلى تفاقم الأعباء المالية وأحدث أول خفض للتصنيف الائتماني للكيان والذي تدنّى بدرجة واحدة إلى" A2" في شباط الماضي، وقد صاحب هذا التراجع صعود مؤشرات التضخم وانخفاض قيمة الشيكل لأدنى مستوى، ما سينعكس سلبًا على حياة كل إسرائيلي، وسيفتح ثغرات كبيرة بين اقتصاد الكيان واقتصادات الغرب، الذي سيواجه صعوبات على الساحة العالمية، وسيكون تمويل أي حرب مقبلة أصعب على الحكومة وأكثر تعقيدًا.