وجّه قائد الثورة الإسلاميّة الإمام السيد علي الخامنئي، رسالة إلى الشباب والطلاب الجامعيّين في الولايات المتحدة الأمريكيّة، الذين نزلوا إلى ما وصفه بـ"ميدان" الدفاع عن أطفال غزّة ونسائها. فكانت لافتةّ عبارة الإمام الخامنئي التي وجهها للشباب الجامعي، بأنهم باتوا يشكّلون الآن جزءاً من جبهةِ المقاومةِ، التي شدّد بأنها باتت قوية وستقوى أكثر في المستقبل. معرباً برسالته عن تعاطفه معهم ومؤازرته لهم، ومبيناً لهم لأنّ التاريخ يطوي صفحاته وأنّهم في الجهة الصحيحة منه.
ولا تعدّ هذه الرسالة هي الأولى من نوعها، التي يوجهها الإمام الخامنئي للشباب في الغرب، فقد سبق وأن أرسل لهم رسالتين خلال العام 2015، بما يعكس أهمية التواصل مع الشباب الغربي وتبيين الحقائق لهم، عند الإمام الخامنئي لا سيما في المحطات الأساسية والمصيرية التي يمرّ بها عالمنا.
نص الرسالة
أكتبُ هذهِ الرّسالةَ للشّبابِ الذين حَثّتهُم ضَمائرُهُمِ الحيّةُ على الدّفاعِ عن نساءِ غزّةَ وأطفالِها المظلومين.
أيّها الشبابُ الجامعيّونَ الأعزّاءُ في الوِلاياتِ المتّحدةِ الأمريكيّة! إنّها رسالةُ تعاطفِنا وتآزِرنا معكم. لقد وقفتُمُ الآنَ في الجهةِ الصحيحةِ مِنَ التاريخِ، الذي يَطوي صفحاتِه.
أنتُم تُشكّلونَ الآنَ جزءًا من جبهةِ المقاومةِ، وقد شَرَعتُم بِنضالٍ شريفٍ تَحتَ ضُغوطِ حكومتِكم القاسيةِ، التي تُجاهِرُ بِدفاعِها عن الكيانِ الصهيونيِ الغاصبِ وعديمِ الرَّحمةِ.
إنَّ جبهةَ المقاومةِ العظيمةِ تُكافِحُ منذُ سنينَ، في نقطةٍ بَعيدةٍ [عنكُم]، بالإدراكِ نَفسِهِ وبالمشاعرِ ذاتِها التي تعيشونَها الآنَ. والهَدفُ من هذا الكفاحِ هوَ وَقفُ الظّلمِ الفاضِحِ الذي ألحَقَتهُ شبكةٌ إرهابيّةٌ عديمةُ الرّحمةِ تُدعى الصهيونية بالشّعبِ الفلسطينيِّ، مُنذُ أعوامٍ خَلَت، ومارسَت بِحقّهِ أقسى الضُّغوطِ وأنواعِ الاضطهادِ بعدَ أن احتَلّت بِلادَه.
إنّ الإبادَةَ الجَماعيَّةَ التي يَرتَكِبُها اليومَ نِظامُ الفَصلِ العُنصريِّ الصهيونيِّ، هيَ استمرارٌ لسلوكِه الظّالمِ جدًّا خلالَ العُقودِ الماضية.
إنَّ فِلسطينَ أرضٌ مستقلّةٌ ذاتُ تاريخٍ عَريقٍ، وَشعبٍ يَجمَعُ المُسلمينَ والمسيحيّينَ واليهودَ.
لقد أدخَلَ رَأسماليّو الشبَكَةِ الصَهيونيّةِ بعدَ الحربِ العالميّةِ الأولى، وَبدعمٍ مِنَ الحكومةِ البريطانيّة، عِدَّةَ آلافٍ من الإرهابيّينَ إلى هذهِ الأرضِ على نحوٍ تدريجيٍ، وَهاجَموا مُدُنَها وقُراها، وقَتلوا عشراتِ الآلافِ أو هَجّروهم إلى دولِ الجوارِ، وسَلبوهُمُ البيوتَ والأسواقَ والمزارعَ، ثُمّ أسّسوا في أرضِ فلسطينَ المُغتصبةِ كيانًا يُدعى "إسرائيل".
إنّ أكبَرَ داعمٍ لهذا الكيانِ الغاصبِ، بعد المساعداتِ البريطانيِّة الأولى، هو حكومةُ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيّةِ التي ما زالَت تُقدّمُ مُختلفَ أنواعِ الدّعمِ السياسيِّ والاقتصاديِّ والتَسليحيِّ لذاكَ الكيانِ بنَحوٍ متواصلٍ، كما أنّها بِمُجازَفَتِها التي لا تُغتَفَر، أشرَعَتِ الطريقَ أمامَهُ لإنتاجِ السلاحِ النوويِّ وأعاَنتهُ في هذا المسار.
لقد انتهَجَ الكيانُ الصَّهيونيُ، مُنذُ اليومِ الأوّل، سياسَةَ القَبضَةِ الحَديديّةِ في تَعاطيهِ مع شَعبِ فِلسطينَ الأعزَل، وضاعفَ، يومًا بعدَ يوم، قَسوتَهُ واغتيالاتَهُ وقَمعَه، مِن دونِ الاكتراثِ لكلِّ القيمِ الوجدانيّةِ والإنسانيّةِ والدينيّةِ.
كما أنَّ الحُكومَةَ الأمريكيّةَ وشركاءَها امتنعوا حتّى عن إبداءِ استيائِهم، ولو لمرّةٍ واحدةٍ، إزاءَ إرهابِ الدولةِ هذا، والظلمِ المتواصِل. واليومَ أيضًا، إنَّ بعضَ تَصريحاتِ حُكومةِ الولاياتِ المُتّحدةِ حَولَ الجريمةِ المروّعةِ في غزّة، هي نِفاقٌ لَيسَ إلّا.
لَقَد انبَثَقَت جَبهةُ المقاومةِ من قلبِ هذهِ الأجواءِ المُظلمةِ، التي يخيّمُ عليها اليأسُ، وعَزّزَ رَفعتَها وقُوّتَها تأسيسُ حكومةِ الجُمهوريّةِ الإسلاميّةِ في إيران.
لقد قدّمَ قادَةُ الصّهيونيّةِ الدوليّةِ، الذينَ يستحوذونَ على مُعظَمِ المُؤسساتِ الإعلاميّةِ في أمريكا وأوروبا أو يُخضِعونَها لنُفوذِ أموالِهم والرِشا، هذهِ المقاومةَ الإنسانيّةَ والشُّجاعةَ على أنّها إرهاب؛ فهَل الشَّعبُ الذي يدافعُ عَن نَفسِهِ في أرضِهِ أمامَ جَرائمِ المُحتلّينَ الصهاينةِ إرهابيٌّ؟! وهل يُعدُّ الدَّعمُ الإنسانيُّ لهذا الشّعبِ وتَعضيدِ أذرعِه دَعمًا للإرهاب؟!
إنَّ قادةَ الغطرسةِ العالميّة لا يَرحمونَ حتّى المفاهيمَ الإنسانيّةَ! إنّهُم يقدّمونَ الكيانَ الإسرائيليَّ الإرهابيَّ عَديمَ الرحمةِ مُدافعًا عن النّفسِ، ويَنعَتونَ مُقاومَةَ فِلسطينَ، التي تُدافِعُ عَن حُريَّتِها وأمنِها وَحقِّها في تقريرِ مَصيرها، بالإرهاب.
أودُّ أن أُطَمئِنَكُم بأنَّ الأوضاعَ في طَورِ التغييرِ اليوم، وأنَّ أمامَ منطقةِ غَربيِ آسيا الحساسةِ مصيرٌ آخَر. لقد صَحَت ضَمائِرُ كَثيرةٌ على مُستَوى العالَم، فالحقيقةُ في طَورِ الظُّهور.
كما أنَّ جبهَةَ المُقاومةِ باتَت قويّةً، وستَغدو أكثر قُوّةً.
التاريخُ يَطوي صَفَحاتِه أيضًا.
وبِمُوازاتِكُم أيّها الطلابُ مِن عشراتِ الجامعاتِ في الولايات المتحدة، نَهَضَتِ الجامعاتُ والنّاسُ في سائر الدولِ أيضًا. إنّ مؤازرةَ أساتذةِ الجامعاتِ ومُسانَدَتَهم لكم، أيّها الطلّاب، حدثٌ مهمٌّ ومؤثّرٌ، يُمكنُ له أن يُريحَ أنفُسَكُم بعضَ الشيءِ إزاءَ سُلوكِ الحكومةِ "البوليسيِّ" الفظّ، والضغوطِ التي تمارِسُها بحقِّكُم. أنا أيضًا أشعر بالتَّعاطِفُ مَعكُم، أيّها الشبابُ، وأُثمّنُ صمودَكُم.
إنّ درسَ القرآنِ الموجّهِ إلينا، نَحنُ المسلمين، وإلى جميعِ الناسِ حولَ العالمِ، هو الثّباتُ على طريقِ الحقّ: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} (هود، 112)، كما أنّ درسَ القرآنِ بشأنِ العلاقاتِ بين البشرِ هو: {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (البقرة، 279).
جبهةُ المقاومةِ، وبالاستلهامِ مِن هذهِ التعاليمِ والمئاتِ مِن مثيلاتِها والعملِ بها، تَمضي قُدُمًا، وسوفَ تُحقّقُ النّصرَ بإذن الله.
أوصيكُم أن تَتَعرّفوا إلى القرآن.
السّيد علي الخامنئي
25/05/2024
جبهة المقاومة العالمية
وبعد التأمل في محتوى رسالة الإمام الخامنئي، سنلاحظ العديد من النقاط الهامّة واللافتة، والتي تؤشّر بأن المستقبل سيتخلله العديد من الخطوات التي تؤكّد حصول توسع لجبهة المقاومة، لتأخذ بُعداً عالمياً، بعدما استطاعت إثبات بعدها الإقليمي من خلال جبهات معركة طوفان الأقصى المتعددة.
وأبرز هذه النقاط:
_ التأكيد على الانقسام العمودي الحاصل ما بين الشباب في الجامعات والإدارة الأمريكية، بما يتعلق بالعدوان الأمريكي الإسرائيلي على قطاع غزة. وهذا ما يستدعي من مختلف مكونات محور المقاومة خلال المرحلة المقبلة، إيجاد وسائل للتواصل مع هذه الشريحة الواسعة (في أمريكا وباقي دول العالم)، بما يساهم بشكل كبير في تزخيم الجهود خلال القضايا المشتركة، وفي مقدمتها قضية فلسطين.
_ تبيين الحقائق وبشكل واقعي وموجز، في قضية الصراع مع الكيان المؤقت، منذ البداية ما بعد الحرب العالمية الأولى، ودعم الدول الرأسمالية لحركات الاستيطان الصهيونية لفلسطين، وصولاً إلى دور قادة الصهيونية الدولية اليوم في محاولة تشويه صورة المقاومة إعلامياً ووصفها بالـ "إرهاب". لذلك من المهم جداً أن تُخاض معركة التبيين الإعلامية، حالياً ومستقبلاً، من خلال الابتعاد عن كل العناصر الإشكالية، التي قد تمنع من حشد أكبر قدر من تأييد هذه الفئة.
وقد أشار الإمام الخامنئي في رسالته إلى أن فلسطين "أرضٌ مستقلّةٌ ذاتُ تاريخٍ عَريقٍ، وَشعبٍ يَجمَعُ المُسلمينَ والمسيحيّينَ واليهودَ"، بما يتقاطع بقوة مع رؤيته لحل القضية الفلسطينية، الذي قدّمته الجمهورية الإسلامية منذ سنوات، وأًعيد التذكير به خلال هذه المرحلة. وبهذا الأسلوب القرآني الإسلامي، سيتأكّد العالم – خاصة الشباب الغربي – بأن جبهة المقاومة تسعى الى تحرير بلد وشعب من الاحتلال، وليس الى ارتكاب جرائم إبادة عرقية.
_ التشديد على أن مستقبل ومصير منطقة غربي آسيا سيكون مختلفاً عما كانت عليه الحال خلال السنوات السابقة. أي بمعنى أنه لن يكون وفقاً لمخططات الدول الاستعمارية والاستكبارية وفي مقدمتهم أمريكا. واليقين بتحقيق النصر.
الكاتب: غرفة التحرير