تتفاقم الخلافات بين الشخصيتين البارزتين اللتين تقودان الحرب ضد المقاومة في غزة ولبنان، وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خلافات حول مسائل استراتيجية ومواجهات حادّة تتطور إلى مشادات كلامية.
وصّف محلل الشؤون العسكرية يوسي يهوشع الخلافات بين المسؤولين بأنها "جبهة سابعة للقتال" وهذه الجبهة تؤثر على حرب غزة ومعنويات جيش الاحتلال. وعلى الرغم من الخلافات، إلا أن كلي الطرفين يتفّق على أن "الضغط العسكري على حماس في غزَّة هو الذي سيؤدّي إلى صفقة تحرير الأسرى".
ويحاول كل من نتنياهو وغالانت إخفاء احتدام التوتر بينهما بشكل دائم، لكن في كل لقاء بينهم يسلّط الإعلام العبري على أزمة الثقة والانقسامات الحادّة بين الرجلين، وكان آخرها مواجهة كلامية بسبب جلسة مباحثات بشأن اجتياح رفح، وسبقها وقوع خلاف بينهما قبل عدة أيام، خلال جلسة مصغّرة للقيادة السياسية - الأمنية، حول توسيع العملية العسكرية في رفح، بعدما اكتشف نتنياهو أمر الجلسة التي عُقدت دون علمه.
ما هي نقاط الخلاف؟
أبرز نقاط الخلاف بين وزير الدفاع ورئيس الوزراء هي التالية:
- كيفية إدارة الحرب على قطاع غزة وأهدافها، حيث هناك خلافات حول التقييمات والخطط والقرارات. بالإضافة إجراءات اليوم التالي، وتناقض التصريحات بينهم حول تحديد موعد اجتياح رفح.
- تحميل نتنياهو الجيش مسؤوليات الحرب والاخفاقات في ظل الفشل والخسائر الفادحة التي تكبّدها الاحتلال مع طول أمد الحرب. وتبادل الاتهامات بين المستوى السياسي والمستوى العسكري في داخل الحكومة منذ السابع من أكتوبر.
- كيفية الرد على الهجوم المباشر من إيران وتآكل الردع بين الطرفين لمصلحة الجمهورية الإسلامية.
- خلاف حول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، إذ يرى غالانت أنه على السلطة الفلسطينية توزيع المساعدات وهذا ما يعارضه نتنياهو.
- اتهام نتنياهو، لغالانت، بتسريب المناقشات الأمنية.
- منع نتنياهو اتخاذ قرار بشأن عملية استباقية في الشمال ضد حزب الله، على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي ووزير الدفاع أوصيا بتنفيذ هذه العملية، وفق يديعوت أحرونوت.
- رفض نتنياهو مرات عدة الموافقة على تصاريح دخول لرئيس الأركان، ما أثار غيظ غالانت وتسبب في صراعات دورية، بالإضافة إلى امتناع غالانت أحياناً عن الرد على اتصالات مكتب نتنياهو لأيام كاملة، بحسب موقع واللّا العبري.
- محاولة نتنياهو الحد من صلاحيات غالانت وتقويض نفوذه داخل الليكود من خلال توزيع صلاحيات وزارة الأمن على شركائه من اليمين المتطرف. في هذا الإطار، مؤخراً دعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير نتنياهو لإقالة غالانت بسبب دوره في سلسلة من التعيينات رفيعة المستوى، مشيراً إلى أنه لا يصلح لمواصلة عمله وزيراً للدفاع وغير مؤهل لذلك.
اعتبرت القناة 12، أن بين نتنياهو وغالانت تسود علاقة خيبة أمل متبادلة لفترة طويلة، فنتنياهو عيّن غالانت في أهم منصب في حكومته، وزير الدفاع، بعد أن رأى فيه جندياً مخلصاً، ليس للجيش طبعاً بل لرئيس الوزراء نفسه، كرجل يمكن التلاعب به بسهولة. ومنذ اللحظة الأولى كان على غالانت أن يتعامل مع إملاءات أعضاء اليمين المتطرف أمثال بن غفير وسموتريتش، وأصبح في خلاف مستمر مع الطرفين.
التقرّب من غانتس
في الفترة الممتدة من تشرين الثاني 2023 إلى كانون الثاني 2024، أكد غالانت مراراً وتكراراً، على أن السلطة الفلسطينية كانت بشكل قاطع جزءاً من المشكلة ولا يمكن أن تكون جزءًا من الحل. ولكن بعد ذلك، تغيّر موقف غالانت بشكل جذري، فبحسب صحيفة "جيروزاليم بوست" اتّحد غالانت مع زعيم حزب الوحدة الوطنية بيني غانتس لدعم تشكيل مجموعة من سكان غزة التابعين للسلطة الفلسطينية للإشراف على إيصال المساعدات الإنسانية، وهذا ما يضع غالانت وغانتس أمام تحالف جديد ضد نتنياهو.
إذ يقتنع غالانت أنه بسبب الانتقادات المتزايدة من حلفاء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي حال عدم قيام حركة فتح بمراقبة المساعدات، فإن البديل الوحيد المتبقي هو أن يفعل الكيان ذلك، الأمر الذي، كما يعتقد، سيؤدي إلى المزيد من الكوارث.
ختاماً، سواء كانت الخلافات بين نتنياهو وغالانت، أو بين نتنياهو وباقي الأطراف والخصوم داخل الحكومة وخارجها، فإن ما يكشفه مسار هذه الخلافات، أنها لا تتعلّق بأسماء، بل تعبّر عن صراعات عميقة في الكيان، تأججت منذ بداية الحرب، وظهر بعضها للعلن، وتأتي نتيجة الاختلافات الجوهرية في الانتماءات السياسية والتركيبية الداخلية، على شكل مكونات لا يمكن لها أن تنصهر، وأن تبني كياناً متجانساً، كونها تنطلق من مصالح وطموحات شخصية متضاربة، بالإضافة إلى كونها أمام تحديات خارجية مصيرية ووجودية.
الكاتب: غرفة التحرير