مع انتهاء الشهر السابع من العدوان على غزة، تزايد الحديث الإسرائيلي عن جملة الخيارات المتوقعة لنهاية هذه الحرب، وفق الصيغة المتداولة المعروفة باسم "اليوم التالي"، وظهر الأمر كما لو أننا أمام "بازار" من السيناريوهات، المتوقعة منها والمأمولة وصعبة التحقيق.
وقد حفلت المراكز البحثية ووسائل الإعلام الإسرائيلية باستعراضٍ لجملة من خيارات "اليوم التالي" في غزة.
بالإمكان استعراض أهم السيناريوهات الإسرائيلية عن "اليوم التالي" في غزة على النحو الآتي:
السيناريو الأول: إسقاط حماس، ثم القبول ببقائها "ضعيفة".
السيناريو الثاني: التهجير الطوعي بعد فشل القسري.
السيناريو الثالث: احتلال غزة، وبقاء قوات الجيش فيها فترة طويلة، وإقامة إدارة مدنية أو حكم عسكري.
السيناريو الرابع: البقاء العسكري "المؤقت" في غزة لتنفيذ بعض المهام العملياتية.
السيناريو الخامس: إعادة القطاع لسيطرة السلطة الفلسطينية "المتجددة".
السيناريو السادس: تعزيز السلطات المحلية، ودور العشائر.
السيناريو السابع: استدعاء قوات عربية ودولية.
مواقف الأطراف المختلفة
حماس وقوى المقاومة:
تؤكد قوى المقاومة وعلى رأسها حماس أن مطلبها الأساسي اليوم هو وقف العدوان على غزة، وانسحاب العدو، وعودة النازحين، وفتح المعابر وبدء برنامج الإعمار، وتحقيق صفقة أسرى مشرفة. وما عداه من خيارات وسيناريوهات حول اليوم التالي قابلة للنقاش طالما بقيت في إطار البيت الفلسطيني، بعيداً عن التدخلات الخارجية، دون التمترس خلف خيارٍ بعينه، بما يضمن انخراط الفلسطينيين في ترتيب شؤونهم الداخلية، بما في ذلك تشكيل حكومة توافقية، والتحضير لانتخابات عامة، بعيداً عن المواقف الأحادية من طرف واحد.
ولا تخفي المقاومة إصرارها على تحقيق أهدافها، خصوصاً بعد التضحيات الكبيرة التي قدمتها، وبعد الصمود الأسطوري للحاضنة الشعبية وتضحياتها الكبرى، والذي يجب أن يكون منجزه متناسباً مع تضحياته.
السلطة الفلسطينية:
لم يكن سراً أن مواقف رام الله بقيت مترقبة لسير العدوان في غزة، صحيح أن مواقف تقليدية صدرت عن إدانته ورفضه، ومطالبة المجتمع الدولي لوقفه، لكن الأروقة الأمنية والسياسية داخل المقاطعة تراقب الوضع الميداني في غزة عن كثب، وتتحيّن فرصة سقوط حماس نهائياً للعودة من جديد. وستسعى ألا يكون ذلك على “ظهر دبابة إسرائيلية”، ولكن من خلال توجّه سياسي دولي يُعيد من جديد عملية التسوية مع الاحتلال إلى السكّة.
الدول العربية:
يكشف فحص المبادرات الإقليمية عن "اليوم التالي" عن تباينات مع الاحتلال، أهمها أن تلك الخيارات تجعل من حماس لاعباً سياسياً أساسياً، وأعطيت مكاناً في اليوم التالي لغزة، ليس كحاكم حصري، ولكن كجزء من الحكومة المقبلة التي سيتم تشكيلها، وهذا احتمال يبدو غير مقبول لدى الاحتلال، وربما يتعارض مع الموقف الأمريكي الذي يرى أن حماس ليست لاعباً شرعياً له الحق بالسيطرة على القطاع، وفي الوقت ذاته بقاء فجوات واضحة بين المبادرات العربية نفسها، بما يعكس اختلافات في الرأي في المنطقة العربية، وبشكل رئيسي بين الإمارات والسعودية ومصر وقطر.
المحددات الإسرائيلية:
ما زال الاحتلال يضع فيتو أمام جملة من السيناريوهات الخاصة باليوم التالي؛ أهمها بقاء حماس في صدارة المشهد السياسي، وعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، والانفتاح على ما سواها من خيارات، دون أن يمتلك "بوليصة تأمين" لتحقيق تطلعاته السياسية والأمنية، لأنه لم يعد لوحده صاحب القول الفصل في الوضع القائم، وهناك العديد من العوامل والمحددات التي باتت تُشكّل قيوداً على مواقفه، بما في ذلك عجزه عن استعادة أسراه، وحالة الاستقطاب الداخلية التي بدأت تعود إلى ما كانت عليه قبل الحرب، وتفاقم الضغوط الدولية الخارجية عليه، الرسمية والشعبية، بالإضافة إلى استمرار المقاومة في غزة في التصدي لجنوده وقواته، وما يدفعونه من أثمان باهظة بصورة يومية.
المواقف الغربية والأمريكية:
اليوم، تبدو المواقف الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منفتحين على أي خيار وسيناريو لليوم التالي في غزة من شأنه وقف حالة الحرب الدائرة، شريطة عدم تصدر حماس للمشهد السياسي في غزة، وبما يضمن أمن غلاف غزة، وعدم تكرار ما حدث في تشرين الأول/ أكتوبر، وضمان حالة من الهدوء الأمني في غزة لسنوات طويلة قادمة في ضوء خشيتها من تمدد الحرب إلى جبهات إقليمية أخرى في المنطقة، الأمر الذي من شأنه تفجير الوضع فيها بما يتعارض مع المصالح الغربية.
السيناريو المرجح:
تُظهر القراءة المتأنية للسيناريوهات الواردة أعلاه أن هناك حالة من التداخل فيما بينها، وليس هناك من سيناريو بعينه يمكن ترجيح كفته على سواه، في ضوء تعقّد المشهديْن السياسي والميداني، وعدم توفر أفضلية لخيار بحدّ ذاته على الخيارات الأخرى، مما يستدعي الحديث عن حالة من الدمج بين عدد منها، وصولاً لاستقراء أقرب إلى الدقة لما سيكون عليه اليوم التالي في غزة بعد انتهاء الحرب.
يظهر السيناريو المتعلق ببقاء الاحتلال المؤقت في غزة، مع عودة تدريجية للسلطة الفلسطينية إليها، وتراجع ملموس لحماس عن المشهد السياسي هو السيناريو الذي قد تلتقي عليه حكومة الاحتلال مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين وحلفائها العرب في المنطقة، في ظلّ استبعاد إعادة الاحتلال الدائم للقطاع، ودعوة قوات عربية ودولية، واستنهاض أدوار العشائر. غير أن كفاءة أداء المقاومة وصمودها والتفاف الحاضنة الشعبية حولها، سيفرض شروطه في النهاية من خلال صفقة تبادل واسعة تتضمن انسحاباً إسرائيلياً كاملاً من قلب القطاع، وفتح المعابر وعودة النازحين، وبدء الإعمار، مع عمل ترتيبات مناسبة ضمن توافق داخلي فلسطيني يحافظ على سلاح المقاومة، دون ضرورة أن يكون لها دور ظاهر مباشر في إدارة القطاع.
المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات