تشكّل السياسة الخارجية معضلة معقدة في جدول أعمال أي رئيس أميركي يطمح للفوز بولاية ثانية، وغالباً ما تكون النتائج تحمل أنباءً غير سارة عندما تتسلل الأحداث إلى الشارع الأميركي وتصبح من اهتماماته. هذا الواقع الذي يواجهه الرئيس الحالي على بعد أشهر من الانتخابات الرئاسية، بات يترجم أرقاماً غير مبشّرة خاصة بعد التصريح الأخير لجو بايدن الذي وقف فيه بوجه الطلاب الناخبين المتظاهرين تأييداً لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وبارك جهود الشرطة القمعية والتي أسفرت عن اعتقال ما يزيد عن 2200 طالب.
عادة ما يكون التنبؤ بميول الناخب -الأميركي تحديداً- قبل أشهر من الاستحقاق الانتخابي صعباً. لكن، بايدن وجد نفسه على خلاف متزايد مع الناخبين الذين يحتاج إليهم من أجل هزيمة الرئيس السابق دونالد ترامب، بعد أن أدان تحركاتهم ووصفها "بنشر الكراهية والفوضى".
وقال البيت الأبيض في بيان "الاستيلاء بالقوة على المباني ليس سلمياً - إنه خطأ" متهماً الطلاب ب "خطاب الكراهية" قائلاً أن "خطاب الكراهية ورموزها ليس لها مكاناً في أميركا... المعارضة يجب ألا تؤدي أبداً إلى الفوضى".
هذا التعليق، وضع بايدن -سواء قصد ذلك أم لا-، إلى جانب حملة القمع التي طالت مختلف الجامعات الاميركية، والتي تم فيها اعتقال أكثر من ألفي طالب وأطلق خلالها ضابط واحد على الأقل رصاصة "عن طريق الخطأ".
ويقول الناشط الديموقراطي، جيمس زغبي، منتقداً سياسة بايدن، ان مثل هذا القرار يمثل "نقطة الانهيار". واعتبر أن ما يجري "مسماراً في قلب فرص إعادة انتخاب بايدن". في حين رأى أحد الطلاب الناشطين في المظاهرات المطالِبة بوقف الحرب على غزة انه "عندما تستدعي شرطة مكافحة الشغب لسحب زملائك في الفصل بربطات عنقهم وإلقائهم في عربات الشرطة، فإن ذلك يضرب حقاً شيئاً عميقاً بين الشباب... من المؤكد أن ذلك لن يُكسبه أي أصوات بعد أن يقوم المزيد من الشرطة بضرب ناخبيه".
ثمة من يربط ما يجري اليوم بما جرى في فيتنام قبل أكثر من 50 عاماً لناحية المشهد الأميركي الداخلي. وكما هو الحال مع فيتنام، فإن الحزب الديمقراطي اليوم ممزق بسبب الانقسام حول سياسة إدارة بايدن بالتعامل مع السلوك الإسرائيلي الدموي غير المبرر مع الشعب الفلسطيني الذي لم يعثر بعد على مكان يأويه بعد احتلال كامل القطاع وأخيراً رفح. وتترجم الأرقام التي حصدها بايدن في الانتخابات التمهيدية لولاية ميشيغان في شباط/ فبراير هذا الامر. حيث أكد أكثر من مئة ألف ديمقراطي بأنهم "غير ملتزمين"، مطالبين بايدن ببذل المزيد من الجهد لوقف قتل المدنيين والأطفال في غزة. في حين تجدر الإشارة أن بايدن فاز بما يزيد قليلاً عن مئة وخمسين ألف صوت، في انتخابات عام 2020، بولاية ميشيغان.
من ناحية أخرى، فإن طريقة بايدن في إدارة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتعهده في حصر المواجهات ضمن أسوار القطاع ثم فشله في ذلك، تضعه موضع نقاش ليس لدى الجمهوريين المعارضين وحسب بل داخل حزبه الديموقراطي أيضاً.
يعيد هذا المشهد التحديات التي واجهها الرئيس الأسبق جيمي كارتر بما يتعلق بأزمة الرهائن في إيران، بعد تنفيذه عملية عسكرية فاشلة نفذتها القوات المسلحة الأميركية بجانب القوات الخاصة في 25 نيسان/أبريل عام 1980 لتحرير رهائن أميركيين في السفارة الأميركية بطهران، والتي باءت بالفشل وأدت إلى تدمير طائرتين ومقتل ثمانية جنود أميركيين.
حينها، فشل كارتر بالتوصل إلى اتفاق خلال فترة رئاسته، لكن تم إطلاق سراح الرهائن يوم تنصيب خلفه رونالد ريغان. ولم يكن هذا التوقيت صدفة. فعلى الرغم من كثرة الانتقادات التي طالت كارتر حينها، إلا ان اطلاق سراح الرهائن -الذي نسب الفضل به إلى ريغان اعلامياً على الأقل- جاء بعدما انخرطت إدارة كارتر في مفاوضات مطولة مع إيران حتى يوم انتهاء رئاسته. كانت تلك المفاوضات هي التي أسفرت في النهاية عن صفقة لإطلاق سراح الرهائن. وهو الامر الذي يطرح جملة من التساؤلات حول الدور الفعلي الذي لعبه ريغان في حل تلك الأزمة.
الواقع، أن بايدن لا يحتاج إلى أكثر من تراكم الاحداث غير المفهومة بالنسبة للناخب الأميركي والتي تضع الرئيس موضع التهمة، ترافقها دعاية إعلامية سياسية تتحدث عن ضعف الإدارة بالتعامل مع المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار في غزة، حتى يخسر الاستحقاق الانتخابي القادم. وعلى ما يبدو ان ترامب يجتهد بتسليط الضوء على الفجوة التي أخطأ بايدن في ابرازها عن طريق تعاطفه المفرط مع الاسرى الإسرائيليين والمستوطنين والالتزام بالدعم الكامل لكيان الاحتلال رغم الانتهاكات الإنسانية الدولية دون أن يعرّج على ما يشهده الفلسطينيون من قتل وتجويع وانتهاك.