تصاعدت الاحتجاجات في الجامعات الأميركية المطالبة بوقف دائم لإطلاق النار في غزة، وإنهاء المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، وسط إجراءات صارمة من قِبل إدارة الجامعات والسلطة السياسية. تُظهر هذه التحركات حجم الأزمة داخل المجتمع الأميركي مع توسّع المؤيدين للقضية الفلسطينية من فئة الشباب الطلابي، الذي يبدو كانفجار داخل حُرم الجامعات الأساسية المرموقة في الولايات المتحدة الأميركية، وصفت بأنها الأضخم منذ مظاهرات رفض الغزو الأميركي لفيتنام.
ضمن هذا الإطار، أوقفت جامعة كولومبيا وكلية بارنارد التابعة لها عشرات الطلاب المشاركين في الاحتجاجات. وأُلقي القبض على أكثر من 100 متظاهر في كولومبيا، حيث استدعت رئيسة الجامعة، نعمت شفيق، شرطة نيويورك لإخلاء المخيم بعد يوم من إدلائها بشهادتها أمام لجنة بمجلس النواب. وقالت إن المخيم انتهك القواعد المناهضة للاحتجاجات غير المصرح بها. ولم تكن المظاهرات محصورة في جامعة كولومبيا بل امتدت إلى أكثر من 14 صرحاً جامعياً في مختلف الولايات.
بايدن العاجز
لم يعد خفيّاً عمق إشكالية الحزب الديمقراطي في كيفية التعاطي مع قاعدته الشعبية الأساسية التي يتسع التأييد فيها للقضية الفلسطينية خاصة في الجيل الجديد الذي يحصل على معلوماته من منصات التواصل الاجتماعي، في هذا الإطار، أَظهر استطلاع للرأي أن ما لا يقلّ عن 61% من الأميركيين يؤيّدون وقف الحرب في غزة. في المقابل، يرى آخرون أن البيت الأبيض يقلّل من شأن تلك التظاهرات، ويعمل على إفراغها من مضمونها، على أمل "قولبتها في سياق مؤامرتي" ضدّ إسرائيل أمام ناخبيه.
يقف بايدن عاجزاً أمام إدراك التغييرات الجذرية داخل قاعدته الديمقراطية أو الناخبين من الحزب الديمقراطي، الذين سيحددون مستقبله السياسي في الانتخابات الرئاسية المرتقبة في نوفمبر، ولم تفلح خطاباته المنمّقة عن الأزمة الإنسانية في غزة، التي لم تكن مرضية لفئة الشباب تحديداً من القاعدة الديمقراطية. واكتفى بالتعليق على هذه الاحتجاجات بالقول إنها "معادية للسامية" ووصف المتظاهرين بأنهم "لا يفهمون ما يحدث مع الفلسطينيين". غاب عن الرئيس استيعاب المجتمع الأميركي لحجم الدعم المالي والعسكري الذي تتلقاه إسرائيل من أموالهم الضريبية، وفشل السردية الأميركية وتناقضاتها في التعاطي مع إسرائيل، ووضوح التواطؤ الأميركي في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.
إسرائيل وشماعة "معاداة السامية"
حظيت الاحتجاجات باهتمام بالغ من قِبل وسائل الإعلام العبرية ومن السلطة السياسية الإسرائيلية حيث صرّح نتنياهو بالقول" يجب إدانة سلوك الطلاب في الجامعات الأمريكية ورد فعل بعض الجامعات كان مخزياً". وأضاف " الهجمات المعادية للسامية في الجامعات الأمريكية تذكرنا بألمانيا في الثلاثينيات". وهي لازمة معهودة يكررها الجانب الإسرائيلي ضد أي صوت يقف في وجه كيان الاحتلال في العالم. بالإضافة إلى استحضار شمّاعة الحقبة النازية واسقاطها على أي حدث مستجد، ولم يكن الإعلام العبري بعيداً عن هذه السردية المستهلكة التي تلعب دور الضحية!
في هذا الإطار، قال الكاتب شلومو شامير، في مقاله في "معاريف"، إن "هناك خطأ شائعاً وفادحاً وكذبة خبيثة تم إلحاقها بالتظاهرات، فهذه التظاهرات ليست مؤيدة للفلسطينيين، ولا علاقة لها بمشكلة فلسطين، ولا علاقة لها بمعاناة ومحنة الشعب الواقع تحت الحكم الأجنبي، بل هي تظاهرات دعم لمنظمة إرهابية، وتظاهرات تعاطف مع الإرهاب القاتل". وتابع أن "هذه التظاهرات ليست تعبيراً ومظهراً لمعاداة السامية المقبولة والموثقة في التاريخ، بل هناك نوع جديد من معاداة السامية، وهو ليس أيديولوجياً على الإطلاق"، مضيفاً أن "الشباب والشابات الذين يحتجون، مليؤون بالكراهية العمياء لليهود وإسرائيل، تبدو كأنها مسمومة ومليئة بالجنون. كل هذا لا يقلّل من خطورة ظاهرة الهيجان المناهض لليهود، والتي تذكّرنا بألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما وصل النازيون إلى السلطة".
ليست المرّة الأولى التي ينتفض بها الطلاب الجامعيون منذ العدوان الإسرائيلي على غزة، لكن الآن الموجة واسعة جداً، ترخي بظلالها على الداخل الأميركي وتترك آثاراً سياسية على صورة إسرائيل في الغرب، وتثير جدلاً بشأن حرية التعبير في الأوساط الأكاديمية، كما أنها صفعة مدوية لمقولة "معاداة السامية" في قلب الغرب بسبب مشاركة طلاب يهود في الاحتجاجات، وتحدٍ جديد لقدرة المتمولين اليهود على الاستمرار في التأثير في الجامعات...فهل تستثير الجامعات العربية والإسلامية أيضاً في وجه حكامها المتخاذلين!
الكاتب: غرفة التحرير