أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال خطاب الاتحاد في 8/3/2024، أنه سيوجه الجيش الأمريكي لقيادة مهمة طارئة لإدخال المساعدات إلى القطاع عبر إنشاء رصيف بحري مؤقت في البحر المتوسط على ساحل غزة لاستقبال سفن كبيرة تحمل الغذاء والماء والدواء وملاجئ مؤقتة. ما هي تداعيات الرصيف البحري الأميركي على طوفان الأقصى؟
الجسر البحري الأمريكي هو خطة حرب على منجزات طوفان الأقصى، ويكمن الخطر في الحضور الأمريكي المدني المباشر في قطاع غزة الذي قد يكون مقدمة لتدخّل اجتماعي/سياسي تحضيراً لتغيير الظروف السياسية في الوقت المناسب، وذلك في سياق الحل السياسي الذي تسعى الإدارة الأمريكية إليه بهدف طمس إنجازات طوفان الأقصى، وإعادة تكريس الهيمنة الأمريكية من خلال إعادة رسم المشهد في القطاع، سياسيّاً وإعلاميّاً. وقد لجأت الإدارة الأمريكية إلى فكرة المساعدات كآلية سريعة في اجتراح الحلول والروافع بعد بطء مسار التطبيع السعودي والاصطدام بعدم إنجاز صفقة الرهائن والهدنة المؤقّتة.
الأهداف والمكاسب الأمريكية
يسعى الأمريكي إلى محاولة "القضاء على حركة حماس" وفق آليات "مكافحة حركات التمرّد"؛ وتنسيق مشروع "ترانسفير" جديد للشعب الفلسطيني وصولًا إلى التطبيع السعودي وإعادة تثبيت الكيان في المنطقة. يؤمن المشروع تلميع الصورة الأمريكية داخليّاً وخارجيّاً، محليّاً وإقليميّاً ودوليّاً، إذ يأمل الأمريكي أن المساعدات توفر له البراءة من دماء أهل غزة واستعادة القيادة وأهلية الرئاسة لبايدن مع الظهور بدور "المنقذ" القادر على وضع الحلول ومعالجة أزمات المنطقة وصراعاتها.
إطار الخطر
يأتي دور المساعدات الأمريكية في سياق اختراق مدني لقطاع غزة: توزيع أموال ومساعدات متنوعة من الغذاء والدواء والملابس والملاجئ؛ علاقات مع الوجهاء وروابط القرى والبيروقراطيين؛ ترتيبات اقتصادية وتنموية؛ استشفاء خارج فلسطين؛ فتح باب الهجرة الطوعية عبر السفن الراسية إلى قبرص ومن ثم إلى الوجهة المرغوبة؛ وغيرها من الأدوات التي يتيح الميناء المزمع إنشاؤه الاستفادة منها وتطويرها.
رؤية الخطر
مشروع المساعدات وبناء الرصيف البحري هو صندوق الأدوات الأمريكي الذي يسعى للقضاء على إنجازات الطوفان وسلب أوراق قوة حركة حماس التي تمتلكها حتى اللحظة، وهو "حصان طروادة" للدخول إلى قلب معركة "طوفان الأقصى" لما له من تداعيات سلبية على رصيد حركة حماس والمحور مقابل مكاسب للأمريكي "والإسرائيلي". ومن هذه التأثيرات وهي: التفاوض؛ رفع مقبولية الأمريكي في موضوع الصفقة والرهائن؛ مستقبل الحرب؛ وحدة الصف داخل غزة؛ الجبهة اللبنانية واليمنية الإقليمية؛ وحدة المحور؛ أدوار الأطراف الإقليمية؛ إعادة ترميم النفوذ الأمريكي في غرب آسيا والدور الوظيفي للكيان؛ واحتواء الضغط الانتخابي، التطبيع والقضاء على القضية الفلسطينية.
التفاوض
يسحب المشروع من حماس قوة ورقة التفاوض المتمحورة حول الموضوع الإنساني لوقف الحرب. ويكشف الحركة أكثر ليدفع بها باتجاه تقديم تنازلات ما كانت سابقًا مقبولًا بها، ولا بالحد الأدنى. حتى الآن، تفاوض حماس من موقع القوة بامتلاك ورقة الأسرى من جهة وتحارب لأجل رفع الوضع المأساوي عن شعب غزة. المساعدات لن تبقي حجة لحماس لتفاوض عليها وستحشره في الزاوية في مرحلة التفاوض المقبلة. المساعدات قد تنفي وضع المجاعة مع الوقت الطويل والكمية الكبيرة والسرعة في العمل، لكن قد يستغل الأمريكي تهافت الناس لهذا الحل في ابتزاز الحركة في التنفيذ الجزئي أو النسبي، ويبقي ورقة المساعدات مع ورقة الأسرى في سلة واحدة.
رفع مقبولية الأمريكي في موضوع الصفقة والرهائن
يأمل الأمريكي من انعكاسات الصورة الأمريكية المجمّلة والدور الأمريكي في جلب المساعدات وقيادة المشروع أن يرفع رصيده في موضوع الصفقة من خلال باب حسن النية التي يظهرها عبر هذا الدور، وإعادة الجسور مع الفصائل الفلسطينية في استعادة بناء الثقة بأنه يبحث فعلاً عن حل للأزمة ولصالح الشعب الفلسطيني. ويريد بذلك أن يؤثر على مواقف فصائل المقاومة في بعض نقاط التفاوض وحلحلة العالق منها فيما يخص الأسرى الإسرائيليين.
مستقبل الحرب
يغير تقديم المساعدات مسار الحرب من العسكري إلى السياسي الاجتماعي، حيث يستثمر الأمريكي إمكانياته وأدواته المتنوعة في اختراق المجتمع الغزاوي وعزل حماس سياسيًّا وتقويض قدراتها. وبالتالي، يسحب ذرائع العمل العسكري والمقاومة في استهداف القوات الإسرائيلية سواء من داخل فلسطين او خارجها. وعلى الرغم من أن استمرار الحرب مع ضغوط قليلة على أمريكا، وضغوط قليلة على سكان غزة قد يؤمن مسار الاختراق إلا أن عامل الوقت ليس لصالح الأمريكي، لجهة الانتخابات والتطبيع مع السعودية إضافة إلى هاجس مدى القدرة على ضبط الاشتباك من التفلّت باتجاه الحرب الموسعة أو الحرب على الجبهة الشمالية، بما يسحب معه زمام المبادرة من يد الأمريكي.