يعدُّ مضيق باب المندب واحداً من أهم المضائق الدولية في العالم، وترتبط أهميته الاقتصادية والاستراتيجية بأنه يمثل البوابة الجنوبية الوحيدة للبحر الأحمر، ويتوسط المسافة بين قناة السويس ومدينة بومباي في الهند، بذلك فهو شريان التجارة الدولية بين الشرق والغرب حيث تعبره يوميا عشرات من ناقلات النفط العملاقة فضلاً عن السفن التجارية والبحرية، وهذا ما يعطي أهمية استراتيجية واقتصادية تؤثر في العلاقات الإقليمية والدولية.
الموقع الجغرافي لباب المندب
مضيق باب المندب، أو بوابة الدموع، وقد جاءت هذه التسمية من الندب والدموع حزناً على القتلى الذين سقطوا في هذا المضيق، وهو ممر مائي يصل خليج عدن وبحر العرب بالبحر الأحمر، ومنه عبر قناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط. وهو يقع بين اليمن في آسيا وكل من جيبوتي وأريتريا في أفريقيا.
منذ افتتاح قناة السويس عام 1869 وربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، تحول باب المندب إلى واحد من أهم ممرات النقل والمعابر البحرية بين أوروبا وحوض البحر المتوسط، وعالم المحيط الهندي وشرق أفريقيا.
ومما زاد أهمية الممر، أن عرض قناة عبور السفن بين جزيرة بريم والبر الإفريقي، هو 16 كيلومترا وعمقها 100 إلى 200 متر، مما يسمح للسفن وناقلات النفط بعبور الممر بسهولة في الاتجاهين. علماً أن المسافة بين ضفتي المضيق هي 30 كيلومترا من رأس منهالي في الجانب الآسيوي إلى رأس سيان في الجانب الإفريقي.
يقدر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر فيه بالاتجاهين، بأكثر من 21000 قطعة بحرية سنوياً تمثل 7 في المائة من حركة الملاحة البحرية العالمية.
مضيق باب المندب هو رابع أكبر الممرات من حيث عدد براميل النفط التي تمر فيه يومياً. أي نحو 6.7 في المائة من تجارة النفط العالمية.
المسافة بين ضفتي مضيق باب المندب هي 30 كم (20 ميل) تقريباً من رأس منهالي في الساحل الآسيوي، إلى رأس سيان على الساحل الإفريقي. المسافة بين ضفتي المضيق هي 30 كم تقريبا من رأس منهالي في الساحل الآسيوي إلى رأس سيان على الساحل الإفريقي.
جزيرة بريم (مَيّون) التابعة لليمن، تفصل المضيق إلى قناتين الشرقية منها تعرف باسم باب اسكندر عرضها 3 كم وعمقها 30م. أما القناة الغربية واسمها "دقة المايون" فعرضها 25 كم وعمقه يصل إلى 310 م. بالقرب من الساحل الإفريقي توجد مجموعة من الجزر الصغيرة يطلق عليها الأشقاء السبعة. هناك تيار سطحي يجري للداخل في القناة الشرقية، وفي القناة الغربية فهناك تيار عميق قوي يجري للخارج، مياه الممر دافئة (24-32.5درجة مئوية)، والتبخر فيه شديد (2200-3000مم سنوياً).
وجزيرة بريم (ميون) هي من أبرز جزر المضيق وهي تقع في مدخله، وتبلغ مساحتها نحو خمسة أميال مربعة، وتعتمد في كل احتياجاتها على عدن والساحل العربي والافريقي، وقد سمى العرب هذه الجزيرة بـ "ميون" نسبة للقرية التي يقيم فيها سكان الجزيرة، أما الغربيون فأطلقوا عليها اسم بريم، وهي مكونة من الصخور البركانية القاتمة وتبعد عن عدن بحوالي 96 ميلاً غرباً وحوالي 3 أميال عن اليمن الشمالي، ويسكن جزيرة بريم حوالي 300 نسمة غالبيتهم من العرب، ويعيش غالبية السكان على التجارة مع السفن التي ترسو في الجزيرة أثناء عبورها باب المندب، إضافة إلى عملهم بالصيد.
ومن الجزر الأخرى التي تعد ثانوية بالنسبة لجزيرة بريم، جزيرتا قمران وسومطرة، التي تقع في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر تجاه مضيق باب المندب وهي مأهولة بالسكان وسطحها جبلي، كما توجد جزيرة زقر على مسافة 33 كلم غرب رأس المتبنة في اليمن الشمالي، وهي أكبر الجزر مساحة وارتفاعاً مما يعطيها أهمية وخبرة خاصة في متابعة التحركات البحرية في البحر الأحمر. وتوجد جزيرة هليب بالقرب من مضيق باب المندب على مسافة 20 كم جنوب شرق ميناء عصب التي تبلغ مساحتها 40 كلم2 وهي خالية من السكان.
باب المندب تاريخياً
ظهر التنافس الإنكليزي الفرنسي على البحر الأحمر ومضيق باب المندب في القرن الثامن عشرـ عندما أخذ كل من بريطانيا وفرنسا بتهديد مصالح الأخرى عبر الطرق المؤدية الى الهند، وأهمها طريق البحر الأحمر وخاصة بعد تجديد معاهدة 1536م التي نصت على حق فرنسا في حماية المسيحيين الكاثوليك في أرجاء الدولة العثمانية مما أزعج الإنكليز. كما كانت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت على مصر بمثابة الصراع العلني بين بريطانيا وفرنسا حول البحر الأحمر، فقد اتجه الفرنسيون الى تجميع اسطولهم في السويس بهدف قطع الطريق على بريطانيا الى السنغال عبر الشرق الأوسط والى الهند، فقام مهندسون فرنسيون بدراسة وصل البحر الأحمر بالبحر المتوسط. ومُنيت الخطة الفرنسية بالفشل بعد تمكن الاسطول الإنكليزي من توجيه ضربة الى الاسطول الفرنسي وتحطيمه في أبو قير في آب/أغسطس 1798.
وحصلت اتفاقات بريطانية روسية عثمانية لإجلاء الفرنسيين عن فرنسا في كانون الثاني/يناير 1799، لكن بريطانيا أرادت الحفظ على مصالحها الحيوية في مصر، فأرسلت قوات بحرية تطوف البحر الأحمر في عملية استعراض قوة. وفي نفس العام قامت قوة بحرية قوامها 300 جندي أوروبي وهندي بقيادة جون موراي بالتوجه نحو المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، واحتلت جزيرة ميون التي تبعد عن عدن حوالي 500 ميلاً بحرياً فقط مما يجع أي قوة تسيطر عليها تهدد بالتالي قاعدة عدن.
بلغ الصراع ذروته حين دخل الجيش المصري بقيادة محمد علي الى اليمن اثناء مطاردته الوهابيين، وتم الاستيلاء على ميناء المخا في 13 كانون الأول/ ديسمبر 1833م، مما شكل تهديداً خطيراً للمصالح البريطانية في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وشكل حافزاً للبريطانيين في محاولة السيطرة على عدن. وسقطت عدن بيد البريطانيين في 19 كانون الثاني/يناير 1839م، وشكّل ذلك تنفيذاً لسياستها الاستعمارية في منطقة البحر الأحمر، وتثبيت نفوذها عند مضيق باب المندب، والى تقوية نفوذها في مصر إضافة الى محاولتها إبعاد أي نفوذ محلي أو أجنبي عن هذا الممر الملاحي البحري الهام.
ولا يغيب عن بالنا محاولات إيطاليا إيجاد منفذ لها خارج البحر المتوسط بعد افتتاح قناة السويس فحاولت احتلال بعض النقاط الاستراتيجية في أثيوبيا وارتيريا.
الجغرافيا لا تتغير، ولكن التاريخ تراكم أحداث وتطورات، ولا بد لاستشراف المستقبل من قراءة التاريخ على وقع الحاضر...باب المندب مفتاح القادم من الأيام.
الكاتب: نسيب شمس