شكّل تفعيل وحدة الساحات لدى محور المقاومة ومستوى التنسيق والتعاون صدمة للكيان المؤقت، جعل الهدف الذي وضعه بالقضاء على حماس صعب التحقيق، بل جعل الكيان في موقف خطير استشرف من خلاله ما يحضره المحور من مقدرات لإزالته من الوجود. بناءً على ذلك، نطرح مفهوماً جديداً لما يحصل على مستوى التعاون والتنسيق وعلى مستوى الهدف الذي يعمل عليه المحور، وهو "الاستنزاف البنيوي" للكيان المؤقت.
الاستنزاف البنيوي، مصطلح يشير إلى العمل التراكمي الذي تقوم به أضلع محور المقاومة بهدف إضعاف العدو وإيصاله إلى المرحلة التي لا يعود فيها قادراً على استكمال المواجهة، وهذا الاستنزاف يستهدف البنية التي يقوم عليها الكيان المؤقت، الردع والأمن، فمن خلال استنزاف هاتين البنيتين وإضعافهما، يضعُف الكيان تدريجياً.
تعد مرحلة طوفان الأقصى من مراحل مسار الاستنزاف البنيوي وميزات هذه المرحلة أنها كسرت حاجز المواجهة متعددة الساحات مع الكيان المؤقت، إذ إن ما يجري هو التجربة الأولى للعمل المشترك وإعطاء المشروعية لهذا العمل، وهذا ما أدى إلى اختبار قدرة الكيان على العمل على عدة جبهات التي ثبت فشلها في ذلك نتيجة ما أمسى عليه محور المقاومة من قوة، لذا فإن هذا الاستنزاف البنيوي يحقق مكاسب استراتيجية على طريق التحرير. ومن جملة تمظهر القوّة في المحور والتنسيق عالي المستوى: وحدة الهدف والتدرج والمرونة.
وحدة الهدف
تجسدت الأهداف الموحدة بالتالي:
- منع العدو من تحقيق الهدف: الهدف الرئيسي الذي وضعه الاحتلال الإسرائيلي إلى جانب إعادة أسراه من قبضة المقاومة هو "القضاء على حماس" ويعد هذا الهدف حساساً بشكل كبير لما يؤثر تحقيقه على مسار الصراع مع الكيان المؤقت، لذا فإن مختلف قادة محور المقاومة أكدوا في تصريحاتهم عزمهم على منع تحقيقه.
- التدخل الجبهوي: يعد إسناد قوى محور المقاومة لقطاع غزة، تثبيتاً لمفهوم توحّد الساحات وأساس فكرة محور المقاومة، وتثبيت هذه المفاهيم، يحتاج إلى أكبر قدر من المشاركة من مختلف الساحات وبحسب الحاجة لذلك، وبرز خلال المعركة القائمة فتح عدة جبهات من ساحات مختلفة؛ لبنان، اليمن والعراق وسوريا، وتشكل هذه الجبهات عامل ضغط كبير على العدو بسبب العمليات التي تصدر عن كل جبهة منها، ويعد الاستهداف من عدة جبهات تمهيداً للمعركة القادمة.
- الضغط على الداعم الدولي: تعد الدول الجائرة أي الوكيلة للولايات المتحدة الأمريكية، دعامةً كبيرة للكيان المؤقت في حربه على قطاع غزة، وعليه فإن الضغط على داعمي الكيان يفقده جزءاً هاماً من قدرته على مواصلة الحرب، لذا فإن عمليات إسناد محور المقاومة لم تقتصر فقط على استهداف الكيان المؤقت ومصالحه، بل أيضاً الإسناد من خلال الضغط على الدول الجائرة لإيقاف الحرب، ومن أبرز عمليات الإسناد تلك التي استهدفت القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، وإغلاق ممرات البحر الأحمر أمام السفن التجارية العالمية المتجهة نحو الكيان.
التدرج والمرونة
تعد عملية طوفان الأقصى العملية الأكثر حساسية في تاريخ الصراع مع الكيان المؤقت، إذ إنها وضعت هذا الصراع في مرحلة متقدمة لمس من خلالها الكيان كبر حجم التهديد الوجودي الذي باتت تشكله حركات المقاومة في المنطقة، ولخطورة هذا الموقف وحساسيته فإن المحور يحاول قدر الإمكان ضبط الساحات والجبهات بالشكل الذي يناسب قدراته ورؤيته للأحداث، لذا فإن أضلع المحور تتماهى مع الأحداث الجارية بشكل مرن وتتدرج بالتصعيد بحسب ما تتطلب اللحظة.
- التعاون والتنسيق توزيع الأدوار: تقوم وحدة الساحات على التنسيق بين أضلاع محور المقاومة عالي المستوى، وكل ضلع يقوم بخطواته بحسب ساحاته والمكامن القادر على استهدافها، وعليه فإن هذه الأدوار وبفعل التنسيق مقسمة وموزعة بالشكل الذي يناسب كل ضلع، وبذلك يصبح التشابك عالي المستوى ولا يتقاطع العمل مع عمل آخر بل يرفع من نوعه وتأثيره.
- عمل غير متماثل ومتفاوت: تقوم أضلاع المحور مختلفة بإسناد المقاومة في قطاع غزة عبر عمليات واستهدافات نوعية، ويتفاوت مستوى هذه الضربات بحسب المرحلة، وبحسب الساحة، في الحالة اللبنانية على سبيل مثال الإسناد بحسب حجم الاعتداء الإسرائيلي على السيادة اللبنانية، بينما في اليمن فإن حجم التأثير يختلف وله طابع خاص بسبب الموقع الجغرافي لليمن على البحر الأحمر وبشكل خاص إطلالتها على مضيق باب المندب، والذي عرقلت فيه حركة السفن المتوجه نحو الكيان المؤقت مؤثرةً بشكل كبير على الاقتصاد الإسرائيلي.
- الردع التراتبي الفعّال: هو التنسيق بين أضلع المحور في تثبيت معادلات الردع في مواجهة العدو، فما يجري اليوم ينطبق تماماً على هذا المصطلح، حيث يجري توزيع للأدوار بما يناسب كل ضلع على صعيد القدرة والموقع الجغرافي ومكامن التأثير التي يستطيع استهدافها.
تشكل هذه النتائج الأهداف التي يسعى محور المقاومة لتحقيقها وصولاً للهدف الاستراتيجي وهو إزالة الكيان المؤقت من الوجود، وتتناسب الغايات طبقاً للتطورات والأحداث، وهذا ما يترك الأفق مفتوحاً للتوسع في الاستنزاف البنيوي للكيان المؤقت.
الكاتب: غرفة التحرير