إعادة قراءة ما يحصل في غزة من منظار أمن الطاقة أمر ضروري فهو يضيء على أبعاد وخلفيات وانعكاسات الحرب محلياً ودولياً وإقليمياً، كما ان محاولة التحليل من منظور أمن الطاقة والتركيز على البُعد الاقتصادي لا تعني استبعاد أيّ من أبعاد الحرب الأخيرة المختلفة.
ظهرت الانعكاسات على أسواق الطاقة الدولية بعد ساعات من عملية "طوفان الأقصى"، حيث ارتفعت أسعار النفط في السوق الدولية بنسبة 5٪، مع أنّ الكيان المؤقت غير مُصدّر للنفط، إلا أن ارتفاع الأسعار جاء بعد توقُّعات بتوسُّع دائرة الحرب في حال تدخُّل إيران بشكل مباشر أو غير مباشر؛ لأن تدخُّل ايران يعني مزيداً من التوتُّر وعدم الاستقرار في منطقة الخليج الذي بدوره سينعكس على ارتفاع أسعار النفط والغاز في الأسواق الدولية، وانطلاقاً من توقُّعات خبراء أسواق النفط بانخفاض الإنتاج، هلع الكثير من المضاربين لشراء عقود آجلة ظناً منهم أن أسعار النفط سترتفع إلى مستوى أعلى من 120 دولاراً للبرميل. إلا أن ما بدا من ظهور لتفاهُمات ضمنية بين اللاعبين الكبار، منع توسُّع الصراع أعاد الثقة نسبياً لأسواق الطاقة الدولية، واستقرت الأسعار عند مستوًى مُقارِب لما كان عليه قبل 7 تشرين أول 2023.
لكن تكبّد الكيان المؤقت خسائر فادحة على كافة المستويات المادية والمعنوية، في الجانب الاقتصادي، يُتوقَّع أن يدخل الاقتصاد في حالة ركود، إضافة إلى خسارة الشيكل أكثر من 6٪ من قيمته أمام الدولار، ويشهد قطاع الإنتاج في الكيان المؤقت تراجُعاً في عمليات النمو والتصنيع، وانخفاضاً في معروض السلع بسبب نقص اليد العاملة الذي يعود إلى قرار تعبئة الجيش الإسرائيلي للقوات الاحتياطية والذي وصل إلى 350 ألف جندي، وتنذر الحرب الحالية بخسارة فادحة للكيان قد تتجاوز 3 مليارات دولار، لغاية مطلع تشرين الثاني. وعلى مستوى أمن الطاقة توزعت خسائر إسرائيل على مستوييْنِ داخلي وخارجي، حيث كانت العملية الأخيرة كفيلة بإيقاف عددٍ من مشاريع الطاقة الإسرائيلية في المدّة الحالية على الأقل.
لقد حاول الكيان المؤقت في العَقْد الأخير تطوير بنْيته التحتية لإنتاج الغاز المحلي بغرض تحقيق الاكتفاء الذاتي والتصدير، وقد حقق ذلك فعلياً بعد تطوير حقلَيْ تمارا و ليفياثان، إلا أن عملية "طوفان الأقصى" وما لحقها من عمليات القصف التي قامت بها كتائب القسام كبّدت الكيان المؤقت خسائر في قطاع الطاقة على المستوى الداخلي، وقد اتخذت الحكومة قرار تعليق إنتاج الغاز في حقل "تمارا" بشكل مؤقت، وهو أكبر حقول الغاز التي تستثمر فيها إلى جانب حقل "ليفياثان".
ومن الخسائر التي لحقت بالكيان المؤقت جراء عملية "طوفان الأقصى" ارتفاع تكاليف العائد من استثمار شركات الطاقة الدولية في حقول الغاز، وبسبب عدم اليقين من الحالة الأمنية في الكيان، قد تفرض شركات الطاقة عوائد أرباح مرتفعة لتفادي المخاطر التي قد تتعرض لها من الهجمات العسكرية، وبطبيعة الحال يترتب على هذا الوضع خسائر في قطاع الطاقة في الكيان بسبب ارتفاع عائد الربح الذي تطلبه شركات الطاقة.
ومن أبرز الخسائر التي لحقت بإسرائيل على المستوى الداخلي توقُّف عمل ميناء "عسقلان" بعد الرشقات الصاروخية لكتائب القسام التي استهدفت مدينة عسقلان، ويُعَدّ هذا الميناء مهماً من منظور أمن الطاقة، وتُعزَى أهميته لاعتماد الكيان المؤقت عليه بشكل كامل في استقبال شحنات النفط القادمة من الأسواق الدولية، واضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى نقل استقبال شحنات النفط إلى ميناء حيفا، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن، أولاً بسبب تغيُّر مسار شحنات السفن، وثانياً بسبب ارتفاع تكاليف التأمين التي تفرضها شركات التأمين الدولية بعد عمليات القصف التي تتعرض لها مناطق تواجُد القوات الإسرائيلية.
من الواضح أن عملية "طوفان الأقصى" وما تلاها من الحرب التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة لها أبعاد إقليمية ودولية مرتبطة بتحقيق مصالح الدول الفاعلة إقليمياً ودولياً من منظور أمن الطاقة، حيث يسعى الكيان بشكل حثيث منذ سنوات لإنجاح مشروع خط أنابيب شرق المتوسط ليُعزّز أمنها ويرفع من أهميتها الجيوسياسية والاقتصادية، إلا أن المشروع ما زال يواجه العديد من الصعوبات الفنية والجيوسياسية.