لم يتأخر الميدان في إيضاح ما قصده الأمين العام لحزب الله في خطابه، بمناسبة يوم الشهيد 11/11/2023، عندما قال: " الكلام في لبنان يبقى للميدان، في هذه المعركة ليس كبقية المعارك، لست أنا من أعلن عن الخطوة ثمّ يذهب الإخوة ليقوموا بهذه الخطوة، سياستنا في المعركة الحالية الميدان هو الذي يفعل، الميدان هو الذي يتكلّم، نأتي نحن بعد ذلك لنُعبّر عن فعل الميدان، لنشرح فعل الميدان، ولذلك يجب أن تبقى العيون على الميدان وليس على الكلمات التي تصدر منّا".
فبعد ساعات فقط، نفذت المقاومة الإسلامية في لبنان - حزب الله، عملية استهداف نوعية لقوة لوجستية تابعة لجيش الاحتلال، كانت بصدد نصب أعمدة إرسال وأجهزة تنصت وتجسس في تجمع مُستحدث قرب ثكنة دوفيف، وأوقعت فيها إصابات مؤكدة بين قتيلٍ وجريح. لذلك قام جيش الاحتلال بالرد على عملية المقاومة بشكل جنوني، مستهدفاً بلدة يارون بغارة جوية حربية و3 صواريخ من المسيّرات و135 قذيفة فوسفورية، و50 قذيفة انشطارية.
هذه العملية وما تبعها من ردّ، تؤكد بأن جبهة لبنان في معركة طوفان الأقصى، ستبقى مشتعلة وبسياق تصاعدي مفتوح الاحتمالات، لتحقيق هدف إشغال واستنزاف قوات كبيرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولإبقاء المستوطنات فارغة أو في حالة من الرعب والقلق، إلى حين انتهاء العدوان الأمريكي الإسرائيلي على قطاع غزة، وربما إلى ما بعد انتهائه.
هكذا تبلورت وحدة الساحات ميدانيا
وبالعودة الى خطاب السيد نصر الله الثاني خلال معركة طوفان الأقصى، فإن الخطاب لم يبعد عن استراتيجية الغموض البناء التي يتخذها الحزب منذ اندلاع المعركة، إلى أنه أوضح من جهة أخرى، كيفية تبلور معادلة "وحدة ساحات محور المقاومة" ميدانياً، وفي الجبهات المساندة المختلفة. وهذا ما استعرضه السيد نصر الله، من جبهة الضفة الغربية الى لبنان، وهذه أبرز التفاصيل:
_ في الضفة الغربية: يبدو بأن الوضع فيها قد يدفع بالإسرائيلي إلى سحب بعض قواته "من شمال فلسطين المحتلة، من الجبهة مع لبنان، وحتى من الجنوب من الجبهة مع غزة، لمواجهة ما يخشونه في الضفة".
_الجبهة اليمنية: اعتبر بأن قرار قيادتها بفتح جبهتهم ضد الكيان المؤقت عبر إطلاق مجموعة كبيرة من الصواريخ والطائرات المسيرة تجاه أهداف إسرائيلية، بأنه موقف جريء وشجاع وقوي وعلني ورسمي واستثنائي، وأن له آثاراً مهمة وكبيرة جداً، بالرغم من التصدي الأمريكي والعربي لها، خاصةً وأن هناك فرضية تقول بأن هذه الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية قد وصلت الى أهداف إسرائيلية مهمة في فلسطين المحتلة، وأنها ألزمت الكيان في تحويل جزء من دفاعاته الجوية ومن قببه الحديدية ومن صواريخ الباتريوت له من شمال وجنوب فلسطين إلى منطقة ايلات، وأنها جعلت المنطقة الجنوبية من فلسطين المحتلة غير آمنة أيضاً، وما يعنيه ذلك من المزيد من النزوح والتهجير الإسرائيلي لنازحي غلاف غزة، وإضافة المزيد من الضغط على حكومة الاحتلال.
_جبهة العراق: التأكيد على أن استهداف المقاومة العراقية لقواعد الاحتلال الأمريكي في سوريا والعراق، هي في سياق التضامن مع المقاومة في غزة، خاصةً وأن الجبهة العراقية كانت هادئة قبل طوفان الأقصى. مؤكداً على أن المعادلة المُعلنة للمقاومة العراقية في البيانات العسكرية هي: إيقاف الأمريكيين للحرب على غزة يقابله إيقاف المقاومة لعملياتها. وبيّن السيد نصر الله بأن الأمريكيين اعترفوا بحصول 46 هجوماً على قواعدهم في العراق وفي سوريا، وبإصابة 56 جندياً، إما اصابات جراح أو ارتجاج دماغي. مستعجباً من كثرة حصول الارتجاج في صفوف القوات الامريكية، مع أن ذلك يؤدي الى نفس النتيجة: الخروج من الخدمة.
وقد وصف السيد نصر الله ما تقوم به المقاومة العراقية بأنه يُعبّر عن إقدام وشجاعة عالية لأنه ضد الأميركيين "الذين تملأ أساطيلهم، وحاملات طائراتهم، وقواعدهم المنطقة".
وأعاد السيد نصر الله توجيه رسالة الى الإدارة الأمريكية، رداً على تهديداتها بأنه إن أرادت للعمليات في جبهات المساندة أن تتوقف، وألا تذهب المنطقة إلى حرب إقليمية، فإن عليهم بالمقابل إيقاف العدوان والحرب على غزة، وأنه لن يستطيع أحد أن يضغط على حركات المقاومة بأن تقف وأن تسكت وأن تصمت وأن تتخلى عن مسؤولياتها على الإطلاق.
_ جبهة سوريا: سوريا تحمل مع محور المقاومة وفي قلب محور المقاومة عبئاً كبيراً جداً، والموقف السياسي فيها حازم وقوي وواضح، وغير قابل للنقاش في الجامعة العربية وفي المحافل الدولية، ولكن الأهم اليوم أنها بالرغم من ظروفها الصعبة تحتضن مقاومين وحركات المقاومة، وتتحمل أيضاً تبعات المواجهة وتبعات هذا الموقف. مشدداً على أنه في قلب هذه المواجهة لا يعتقد بأن هناك من أحد يُطالب سوريا كدولة وكشعب بأكثر من ذلك، لافتاً إلى ما وصفه بالمزايدات التافهة والخبيثة لدى البعض، خاصةً بعد إغفالهم للحرب الكونية التي شنت عليها بقيادة أمريكا وبيد التنظيمات الإرهابية وأولهم تنظيم داعش الوهابي الإرهابي (الذي تديره أمريكا).
_ جبهة الجمهورية الإسلامية في إيران: إن دعمها الدائم والمستمر وبلا حدود للقضية الفلسطينية ولمقاومتها، الدعم السياسي والمعنوي والدبلوماسي وأيضا الدعم المالي والمادي والعسكري. وأنها ستبقى دائماً في موقع الحامي والمدافع والمساند لحركات المقاومة وفي قلب هذه المعركة أيضاً.
_ الجبهة اللبنانية: استمرار وتطور العمليات اليومية (كماً ونوعاً وعمقاً) ضد أهداف جيش الاحتلال من: المواقع، الدبابات، الآليات، التجهيزات، حركة الجنود، تجمعات الجنود. بالرغم من كل الاجراءات الوقائية التي قام بها العدو بشكل طبيعي، الاختفاء من الواقع، الاختباء في الجحور، وفي ظل الحضور الدائم للمسيرات المسلحة الإسرائيلية، الذي يجعل من المقاومين استشهاديين.
وختم في هذه الجبهة بأن الكلام سيكون للميدان الذي سيواكب تطورات الجبهة في غزة تطوراً، وسيكون هو المعبّر عن نفسه من خلال مسار العمليات. وبالتالي بقاء المسار في هذه الجبهات مفتوحاً على كل الاحتمالات.
الكاتب: غرفة التحرير