دخلت الحرب على قطاع غزة شهرها الثاني ولم تتغير سياسة القتل والدمار لآلة الجيش الصهيوني بحق كل ما هو حجر وبشر، بل تزداد ضراوةً وقساوةً كل يوم، حتى أصبحت المرافق الصحية هدفاً أساسياً لحكومة نتنياهو النازية المدعومة بشيك مفتوح للقتل من واشنطن والعواصم الأوروبية، وسط صمت قاتل من العواصم العربية والإسلامية مكتفية بالمشاهدة تارةً أو بالتنديد والاستنكار (بحدود مسموح لهم فيها التحدث من خلالها) لا ترتقي حتى لحماية الجرحى أو الأطفال أو حماية القوانين الدولية التي وضعتها المجموعة الدولية، كل هذا والشعب الفلسطيني يوما بعد يوم يُقَتل ويشرد وتزداد الحياة صعوبة وكل ذنبه أنه يطالب بحقه بالعيش بحياة كريمة على أرضه التي سلبت منه، أو إيجاد حل عادل للقضية التي يحاول العالم كله المرور عنها مرور الكرام حفاظاً على كيانٍ غير شرعي.
ومنذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى وهي نتاج لحصار ظالم منذ سبعة عشر عاماً لقطاع غزة؛ والحرب الدينية التي تتعرض لها مدينة القدس؛ والإجراءات القمعية والتعسفية ضد الأسرى في سجون الاحتلال؛ والقتل اليومي والاجتياحات للمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية؛ وممارسات الاحتلال والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية، ورغم أن الوثائق السرية التي تم تسريبها بالمخطط المعد لقطاع غزة والذي يطبق حاليا لتهجير أهل قطاع غزة لسيناء، وأهل الضفة الغربية للأردن، إلا أننا لم نجد حتى يومنا هذا مواقف مؤثرة لصد هذا العدوان، سوى ما تقوم به المقاومة الإسلامية في العراق ولبنان وأنصار الله في اليمن، وبعض الحركات والمؤتمرات الشعبية في العواصم العربية، والمواقف الخجولة على الصعيد الرسمي.
فهل أصبح الوطن العربي والإسلامي عقيماً الى حد أنه لا يستطيع دفع الظلم عن الفلسطينيين ونصر القضية الفلسطينية؟
إن ما قامت به الشعوب الإسلامية ويعض الحكومات حتى يومنا هذا لهو أمر مطلوب، وكنا نطالب به دائماً على سبيل استنهاض الأمة لأخذ دورها المنوط فيها للدفاع عن المقدسات الإسلامية في مدينة القدس، ولكن هذا الاستنهاض والمؤتمرات وغيرها من الفاعليات كانت مطلوبة ما قبل الحرب وحتى الأسبوع الأول من العدوان، وأما ما نحن أمامه الآن من تصفية للقضية الفلسطينية وقتل وتهجير والتحديات الكبيرة فإن المطلوب يحتاج لمواقف أكثر جرأة وبالذات بعد ما صرح به أنتوني بلينكن ودفاعه عن اليهود، ووصف الحرب بأنها حرب دينية، لأن القضاء على خط الدفاع الأول للأمة العربية والإسلامية سيعقبه انهيارات أخرى لدول المنطقة، فالمعادلة الآن مختلفة وأصبحت الدول العربية بحاجه للشعب الفلسطيني وليس العكس، وأستحضر في هذا المقام موقف الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية وعدد من الدول العربية الأخرى في حرب 1967 على مصر؛ حينها هدد بإيقاف تصدير النفط عن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرض حظر على تصدير النفط إلى الدول الداعمة للكيان الصهيوني (وقد كان سلاحا مؤثراً وقوياً) وغيرها من الخطوات العملية والتي كان لها الأثر في صد العدوان وإيقاف الحرب، لذلك فإن ما هو مطلوب على الصعيد الرسمي من العواصم العربية والإسلامية:
1-قطع العلاقات نهائيا مع الكيان الصهيوني، وإلغاء اتفاقيات التطبيع وسحب السفراء.
2-قطع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومن يساند الكيان الصهيوني في حربه على غزة، وسحب السفراء وإلغاء جميع الاتفاقيات التجارية.
3-إيقاف تصدير النفط للدول الداعمة للكيان الصهيوني.
4-تهديد مصالح الكيان الصهيوني في الدول العربية ومن يساندها.
5-طرد الجاليات اليهودية الموجودة في الدول العربية والإسلامية.
6-السماح للشعوب بالتعبير عن رأيها دون قيود والتحرك باتجاه الحدود وعدم الدفاع عن حدود الكيان.
إن هذه الخطوات السابقة لا تمنع من التلويح بالتدخل العسكري الفعلي وقد بات الكيان أوهن من بيت العنكبوت.
أما على الصعيد الشعبي فإن الأمة مطالبة بالضغط على حكوماتها للتحرك بمواقف جدية من خلال ما ذكرته سابقا للدفاع عن قطاع غزة وهي ملزمة بذلك؛ وعدم الاكتفاء بالبكاء على شهداء فلسطين؛ والتحرك الفعلي من خلال التالي:
1-تنظيم مظاهرات يومية باتجاه الحدود مع كيان الاحتلال وعدم الاكتفاء بالمسيرات الأسبوعية وسط العواصم.
2-التحرك باتجاه سفارات الاحتلال والدول الداعمة له يوميا والمطالبة بإغلاقها.
3-تهديد مصالح الكيان واقتصاده في جميع دول العالم كما فعل رجل الأمن في محافظة الإسكندرية ضد السياح اليهود في ال 7 من تشرين أول.
4-تفعيل الدور الإعلامي المناهض للكيان والدول الحليفة له والمساند للقضية الفلسطينية.
5-تفعيل خلايا المقاومة في الإقليم كما يحدث مع حزب الله على جبهة الشمال، مع زيادة حجم التدخل بالأيام القليلة القادمة.
إن الأمة العربية والإسلامية قادرة على اتخاذ خطوات أكثر جرأة؛ وهي مطالبة والمجتمع الدولي وأحرار العالم بمساندة القضية الفلسطينية وإيقاف العدوان الصهيوني؛ قبل أن تنزلق لحرب إقليمية تهدد المنطقة برمتها؛ وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية، بعد أن عادت القضية الفلسطينية لتطفو على السطح مرة أخرى على أنها القضية المحورية في العالم.