كما كان متوقعاً ومنتظراً، كان خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال الاحتفال التكريمي للشهداء الذين ارتقوا على طريق القدس، واضحاً وحاسماً في تحديد مسار المواجهة مع كيان الاحتلال، رغم إبقائه باب خيارات محور المقاومة مفتوحاً على كل الاحتمالات.
فالسيد حسن نصر الله تقصّد في خطابه الأول منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى، أن يُحافظ على ما حققته المقاومة الفلسطينية من إنجازات، بعدما تعرضت خلال الأيام السابقة، للكثير من التشويه عبر تحليلات ومقالات كانت مليئة بطرح الاتهامات والفرضيات والمؤامرات الخيالية وسيناريوهات التخلي. فأعاد السيد نصر الله تصويب الأمور، بسرد الحقائق كما هي، من أجل تحديد المسؤوليات وتوضيح أفق المواجهة.
وعليه فإن من المهم الإلفات الى الأمور التالية في الخطاب:
_التشديد على وحدة المواجهة والموقف والساحات في محور المقاومة، الى جانب المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والتي تتجلى أيضاً بشهداء الجبهة في لبنان، من شهداء المقاومة الاسلامية - حزب الله، وشهداء السرايا اللبنانية وكتائب القسام وسرايا القدس في لبنان، والشهداء المدنيين والصحافيين الذين أكّد بأنهم استشهدوا ظلماً على يد كيان الاحتلال.
_ أهمية عملية طوفان الأقصى كحدث أعاد طرح القضية الفلسطينية من جديد كقضية أولى في العالم.
_ التأكيد على أن كل مراحل عملية طوفان الأقصى من القرار الى التنفيذ كان فلسطينياً، وأنه تم إخفاؤها عن الجميع حتى عن فصائل المقاومة في غزة، فضلاً عن بقية دول وحركات محور المقاومة، من أجل ضمان سريتها المطلقة، التي ضمنت نجاح العملية من خلال عامل المفاجئة.
_ التشديد على أنه خلافاً لما يظنه البعض، فإن الاخفاء لم يُزعج أحداً في محور المقاومة وليس له أي تأثير سلبي على الإطلاق على أي قرار يتخذه هذا المحور في هذه المواجهة، بمختلف ساحاته وحركاته ودوله. وهذا ما يعني أن المحور بشكل عام مستعدّ مسبقاً لكل الاحتمالات التي قد تتطور اليها المواجهة.
_ وصف نتائج العملية بأنها أحدثت زلزالاً على مستوى الكيان المؤقت: أمنياً، عسكرياً، سياسياً، نفسياً، معنوياً. كما أن تداعياتها كانت استراتيجية، ووجودية، وستترك آثارها على حاضر ومستقبل هذا الكيان.
_كشفت من جديد أن اسرائيل أوهن من بيت العنكبوت.، بل وأن الإسرائيليين باتوا مقتنعين بذلك أكثر من السيد نصر الله نفسه.
_ الادارة الأمريكية سارعت برئيسها ووزرائها وجنرالاتها لِتمسك بهذا الكيان الذي كان يهتز ويتزلزل، من أجل أن يستعيد زمام المبادرة، وتقديم الدعم والحماية والمساندة له بكل الأشكال، لكنه بالرغم من ذلك حتى الآن لم يستطع ذلك.
_ عملية ومعركة طوفان الأقصى بنتائجها وتداعياتها وتضحياتها (خاصةً الفلسطينية)، أسست لمرحلة جديدة من الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، ولمرحلة تاريخية جديدة من مصير الشعب الفلسطيني ومصير شعوب المنطقة ودول المنطقة.
_ كيان الاحتلال دائماً ما يخطئ في وضع أهداف لحروبه ومعاركه غير واقعية مثل سحق حماس أو حزب الله، لكنه لا يُجيد الا ارتكاب المجازر بحق المدنيين، التي بالرغم من حصولها لا تدفع الناس الى الاستسلام والتخلي عن المقاومة.
_أميركا هي المسؤولة بالكامل عن الحرب الدائرة في غزة وعلى شعبها وأن إسرائيل هي مجرد أدوات تنفيذية. وأن هذا السبب هو الذي دفع المقاومة الإسلامية في العراق أن تقرر بهاجمة القواعد العسكرية الأميركية في العراق وفي سوريا، بهدف تدفيعه ثمن عدوانه ودعمه واحتلاله وجرائمه في العراق وفي سوريا وفي فلسطين. ملمّحاً بأن المقاومة العراقية ستخطو خطوات جديدة باتجاه فلسطين المحتلة في أكثر من نقطة وأن ذلك سيتضح ذلك في الساعات والأيام القليلة المقبلة (ربطاً بتطورات المعركة في قطاع غزة).
_ تحديد هدفين لمحور المقاومة في هذه المعركة: إيقاف العدوان الأمريكي الإسرائيلي على قطاع غزة وأهله، وانتصار المقاومة الفلسطينية في القطاع وخاصةً حركة حماس (التي يُحاول بعض الفتنويين إثارة المخاوف من انتصارها بحجة أن ذلك سيكون انتصاراً للإخوان المسلمين).
_التشديد على أن انتصار مقاومة غزة هو انتصار لكل الأمتين العربية والإسلامية وخاصةً الدول المحيطة بفلسطين المحتلة.
_ هنالك مسؤولية على كل انسان في العالم، من أجل الدفاع عن غزة وأهلها ومقاومتها بكل الوسائل والامكانيات.
_ أما بالنسبة لمسؤولية حركات المقاومة، فأعاد السيد نصر الله بالتأكيد على أطراف المقاومة في العراق واليمن ولبنان قد بدأوا العمل، مبيناً تفصيل مشاركتهم في المعركة.
_أما بالنسبة للبنان تحديداً، فقد ألمّح السيد نصر الله إلى أن مستوى المشاركة سيتطور مع مرور الأيام بالتأكيد، وأن كل الاحتمالات مفتوحة أمام حزب الله، لكنها مرهونة بأمرين: الأوضاع الميدانية لمقاومة غزة وما تحتاجه حقاً، والردود الإسرائيلية وحجم اعتداءاته على لبنان، محذراً إياه من خرق قواعد الاشتباك الذي قد يدفع الحزب الى المواجهة الكبرى والحاسمة.
_ التأكيد على أن التحذيرات الأمريكية التي وصلت الى حزب الله خلال الأيام السابقة، لا قيمة لها في تحديد إطار ردود المقاومة ومشاركتها في المعركة، بلّ حذّر الأمريكيين بأن أساطيلهم قد تم تجهيز عدّتها (أي ما يحتاج تدميرها من أسلحة)، وأن المقاومين الذين أذلّوها في السابق حاضرون لمواجهتها اليوم مع أولادهم وأحفادهم (حاول البعض التهويل بالوجود العسكري الأمريكي والافتراض بأن المقاومة لا تمتلك القدرات التي تستطيع به مواجهة حاملات الطائرات والبوارج الأمريكية). وقد حذّر أمريكا بأنها لم تكن تريد تطوّر المواجهة نحو صراع واسع وإقليمي، فلتقم بإيقاف عدوانها على غزة.
_ طمأنة أهل غزة ومقاوميها ومناصري محور المقاومة بأن النصر في هذه المعركة سيكون لغزة وفلسطين بالتأكيد.
ريتر: نصر الله مفكّر استراتيجي حقيقي ودبلوماسي أصيل
كان لافتاً منذ أيام وخلال الأمس بالتحديد، حجم التفاعل وانتظار خطاب الأمين العام لحزب الله، حيث تم نقل الكلمة عبر عشرات وسائل الإعلام المحلية والاقليمية والعالمية. فيما كانت هناك ترجمة فورية الخطاب الى عدة لغات مثل الفارسية، والعبرية، والفرنسية، والاسبانية، والبرتغالية وغيرها.
وقد علّق ضابط الاستخبارات العسكرية الأميركية السابق سكوت رايتر على خطاب السيد نصر الله، بالقول أنه يعتبره مفكّراً استراتيجياً حقيقياً ودبلوماسياً أصيلاً، معتبراً أنه نال "تقدير جميع محبي السلام في العالم". مضيفاً بأنه استمع لخطاب السيد نصر الله وهو يتحدث عن الوضع في غزة، وأنه "كان الكثيرون يأملون أن يفتح جبهة ثانية ضد إسرائيل. لكن نصر الله قرر بحكمة أن حزب الله لا يمكنه استخدام قضية فلسطين لانتزاع أهداف وغايات "حماس"، وأن هذا ليس الوقت المناسب لهزيمة إسرائيل الاستراتيجية، بل انتصار "حماس" الاستراتيجي على أساس رؤية حماس وهي تحرير الأسرى من الفلسطينيين، وأن يكون المسجد الأقصى خاليًا من الحرمان الذي يمارسه الإسرائيلي، وأن يكون هناك وطن فلسطيني مشروع". موضحاً بأن "نصر الله أشار إلى أن طريق النصر هو بالمثابرة وليس التصعيد".
الكاتب: غرفة التحرير